القول في تأويل واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا ( 8 ) قوله تعالى : ( رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا ( 9 ) واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا ( 10 ) )
يقول تعالى ذكره : ( واذكر ) يا محمد ( اسم ربك ) فادعه به : ( وتبتل إليه تبتيلا ) يقول : وانقطع إليه انقطاعا لحوائجك وعبادتك دون سائر الأشياء غيره ، وهو من قولهم : تبتلت هذا الأمر; ومنه قيل لأم عيسى ابن مريم البتول ، لانقطاعها إلى الله ، ويقال للعابد المنقطع عن الدنيا وأسبابها إلى عبادة الله : قد تبتل; ومنه الخبر الذي روي [ ص: 688 ] عن النبي صلى الله عليه وسلم " " . أنه نهى عن التبتل
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( وتبتل إليه تبتيلا ) قال : أخلص له إخلاصا .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا يحيى ، عن ابن أبي نجيح ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس : ( وتبتل إليه تبتيلا ) قال : أخلص له إخلاصا .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا مؤمل ، قال : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ( وتبتل إليه تبتيلا ) قال : أخلص له إخلاصا .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا عن وكيع ، سفيان ، عن مجاهد ، مثله ، إلا أنه قال : أخلص إليه .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ( وتبتل إليه تبتيلا ) قال : أخلص إليه إخلاصا .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا هشيم ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي يحيى المكي ، في قوله : ( وتبتل إليه تبتيلا ) قال : أخلص إليه إخلاصا .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : ( وتبتل إليه تبتيلا ) قال : أخلص إليه المسألة والدعاء .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن أبي زائدة ، عن أشعث ، عن الحسن ، في قوله : ( وتبتل إليه تبتيلا ) قال : بتل نفسك واجتهد .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( وتبتل إليه تبتيلا ) يقول : أخلص له العبادة والدعوة .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، بنحوه .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( وتبتل إليه تبتيلا ) قال : أخلص إليه إخلاصا . [ ص: 689 ]
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( وتبتل إليه تبتيلا ) قال : أي تفرغ لعبادته ، قال : تبتل ، فحبذا التبتل إلى الله ، وقرأ قول الله : ( فإذا فرغت فانصب ) قال : إذا فرغت من الجهاد فانصب في عبادة الله ( وإلى ربك فارغب ) .
وقوله : ( رب المشرق والمغرب ) اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء المدينة بالرفع على الابتداء ، إذ كان ابتداء آية بعد أخرى تامة . وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة بالخفض على وجه النعت ، والرد على الهاء التي في قوله : ( وتبتل إليه ) .
والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان معروفتان قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القراء ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب . ومعنى الكلام : رب المشرق والمغرب وما بينهما من العالم .
وقوله : ( لا إله إلا هو ) يقول : لا ينبغي أن يعبد إله سوى الله الذي هو رب المشرق والمغرب .
وقوله : ( فاتخذه وكيلا ) فيما يأمرك وفوض إليه أسبابك .
وقوله : ( واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : اصبر يا محمد على ما يقول المشركون من قومك لك ، وعلى أذاهم ، واهجرهم في الله هجرا جميلا . والهجر الجميل : هو الهجر في ذات الله ، كما قال عز وجل : ( وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره ) . . . الآية ، وقيل : إن ذلك نسخ .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا ) "براءة" نسخت ما ههنا; أمر بقتالهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، لا يقبل منهم غيرها .