يقول تعالى ذكره : ( كلا ) ما الأمر كما تفعل يا محمد من أن تعبس في وجه من [ ص: 221 ] جاءك يسعى وهو يخشى ، وتتصدى لمن استغنى ( إنها تذكرة ) يقول : إن هذه العظة وهذه السورة تذكرة : يقول : عظة وعبرة ( فمن شاء ذكره ) يقول : فمن شاء من عباد الله ذكره ، يقول : ذكر تنزيل الله ووحيه والهاء في قوله : " إنها " للسورة ، وفي قوله : " ذكره " للتنزيل والوحي . ( في صحف ) يقول : إنها تذكرة في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة ) يعني : في اللوح المحفوظ ، وهو المرفوع المطهر عند الله . (
وقوله : ( بأيدي سفرة ) يقول : الصحف المكرمة بأيدي سفرة ، جمع سافر .
واختلف أهل التأويل فيهم ما هم ؟ فقال بعضهم : هم كتبة .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، في قوله : ( بأيدي سفرة ) يقول : كتبة .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : ( بأيدي سفرة ) قال : الكتبة .
وقال آخرون : هم القراء .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( فمن شاء ذكره في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة بأيدي سفرة ) قال : هم القراء .
وقال آخرون : هم الملائكة .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( بأيدي سفرة كرام بررة ) يعني : الملائكة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : ( بأيدي سفرة كرام بررة ) قال : السفرة : الذين يحصون الأعمال .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال : هم الملائكة الذين يسفرون بين الله ورسله بالوحي .
وسفير القوم : الذي يسعى بينهم بالصلح ، يقال : سفرت بين القوم : إذا [ ص: 222 ] أصلحت بينهم ، ومنه قول الشاعر :
وما أدع السفارة بين قومي وما أمشي بغش إن مشيت
وإذا وجه التأويل إلى ما قلنا ، احتمل الوجه الذي قاله القائلون : هم الكتبة ، والذي قاله القائلون : هم القراء لأن الملائكة هي التي تقرأ الكتب ، وتسفر بين الله وبين رسله .
وقوله : ( كرام بررة ) والبررة : جمع بار ، كما الكفرة جمع كافر ، والسحرة جمع ساحر ، غير أن المعروف من كلام العرب إذا نطقوا بواحدة أن يقولوا : رجل بر ، وامرأة برة ، وإذا جمعوا ردوه إلى جمع فاعل ، كما قالوا : رجل سري ، ثم قالوا في جمعه : قوم سراة وكان القياس في واحده أن يكون ساريا ، وقد حكي سماعا من بعض العرب : قوم خيرة بررة ، وواحد الخيرة : خير ، والبررة : بر .
وقوله : ( قتل الإنسان ما أكفره ) يقول تعالى ذكره : لعن الإنسان الكافر ما أكفره .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال مجاهد .
حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي ، قال : ثنا عن عبد الحميد الحماني ، الأعمش ، عن مجاهد قال : ما كان في القرآن قتل الإنسان أو فعل بالإنسان ، فإنما عني به : الكافر .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ( قتل الإنسان ما أكفره ) بلغني أنه : الكافر .
وفي قوله : ( أكفره ) وجهان : أحدهما : التعجب من كفره مع إحسان الله إليه ، وأياديه عنده . والآخر : ما الذي أكفره ، أي : أي شيء أكفره .