يقول تعالى ذكره : من أي شيء خلق الإنسان الكافر ربه حتى يتكبر ويتعظم عن طاعة ربه ، والإقرار بتوحيده . ثم بين جل ثناؤه الذي مما خلقه ، فقال : ( من نطفة خلقه فقدره ) أحوالا نطفة تارة ، ثم علقة أخرى ، ثم مضغة ، إلى أن أتت عليه أحواله وهو في رحم أمه . ( ثم السبيل يسره ) يقول : ثم يسره للسبيل ، يعني للطريق .
واختلف أهل التأويل في السبيل الذي يسره له ، فقال بعضهم : هو خروجه من بطن أمه .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، ( ثم السبيل يسره ) يعني بذلك : خروجه من بطن أمه يسره له .
حدثني ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن إسماعيل ، عن أبي صالح ( ثم السبيل يسره ) قال : سبيل الرحم .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن ( السدي ثم السبيل يسره ) قال : أخرجه من بطن أمه .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( ثم السبيل يسره ) قال : خروجه من بطن أمه .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( ثم السبيل يسره ) قال : أخرجه من بطن أمه .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : طريق الحق والباطل ، بيناه له وأعلمناه ، وسهلنا له العمل به . [ ص: 224 ]
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا عن وكيع ، سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ( ثم السبيل يسره ) قال : هو كقوله : ( إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا ) .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( ثم السبيل يسره ) قال : على نحو ( إنا هديناه السبيل ) .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قال : سبيل الشقاء والسعادة ، وهو كقوله : ( إنا هديناه السبيل ) .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة قال : قال الحسن ، في قوله : ( ثم السبيل يسره ) قال : سبيل الخير .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : ( ثم السبيل يسره ) قال : هداه للإسلام الذي يسره له ، وأعلمه به ، والسبيل سبيل الإسلام .
وأولى التأويلين في ذلك عندي بالصواب قول من قال : ثم الطريق ، وهو الخروج من بطن أمه يسره .
وإنما قلنا ذلك أولى التأويلين بالصواب ، لأنه أشبههما بظاهر الآية ، وذلك أن الخبر من الله قبلها وبعدها عن صفته خلقه وتدبيره جسمه ، وتصريفه إياه في الأحوال ، فالأولى أن يكون أوسط ذلك نظير ما قبله وما بعده .
وقوله : ( ثم أماته فأقبره ) يقول : ثم قبض روحه ، فأماته بعد ذلك . يعني بقوله : ( أقبره ) صيره ذا قبر ، والقابر : هو الدافن الميت بيده ، كما قال الأعشى :
لو أسندت ميتا إلى نحرها عاش ولم ينقل إلى قابر
[ ص: 225 ]والمقبر : هو الله ، الذي أمر عباده أن يقبروه بعد وفاته ، فصيره ذا قبر . والعرب تقول فيما ذكر لي : بترت ذنب البعير ، والله أبتره ، وعضبت قرن الثور ، والله أعضبه; وطردت عني فلانا ، والله أطرده ، صيره طريدا .
وقوله : ( ثم إذا شاء أنشره ) يقول : ثم إذا شاء الله أنشره بعد مماته وأحياه ، يقال : أنشر الله الميت بمعنى : أحياه ، ونشر الميت بمعنى حيى هو بنفسه ، ومنه قول الأعشى :
حتى يقول الناس مما رأوا يا عجبا للميت الناشر
وقوله : ( كلا لما يقض ما أمره ) يقول تعالى ذكره : كلا ليس الأمر كما يقول هذا الإنسان الكافر من أنه قد أدى حق الله عليه ، في نفسه وماله ، ( لما يقض ما أمره ) لم يؤد ما فرض عليه من الفرائض ربه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( لما يقض ما أمره ) قال : لا يقضي أحد أبدا ما افترض عليه . وقال الحارث : كل ما افترض عليه .