[ ص: 272 ] يقول تعالى ذكره : ( وإن الفجار ) الذين كفروا بربهم ( لفي جحيم ) .
وقوله : ( يصلونها يوم الدين ) يقول جل ثناؤه : يصلى هؤلاء الفجار الجحيم يوم القيامة ، يوم يدان العباد بالأعمال ، فيجازون بها .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( يوم الدين ) من أسماء يوم القيامة ، عظمه الله ، وحذره عباده .
وقوله : ( وما هم عنها بغائبين ) يقول تعالى ذكره : وما هؤلاء الفجار من الجحيم بخارجين أبدا ، فغائبين عنها ، ولكنهم فيها مخلدون ماكثون ، وكذلك الأبرار في النعيم ، وذلك نحو قوله : ( وما هم منها بمخرجين ) .
وقوله : ( وما أدراك ما يوم الدين ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : وما أدراك يا محمد ، أي وما أشعرك ما يوم الدين ؟ يقول : أي شيء يوم الحساب والمجازاة ، معظما شأنه جل ذكره ، بقيله ذلك .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( وما أدراك ما يوم الدين ) تعظيما ليوم القيامة ، يوم تدان فيه الناس بأعمالهم .
وقوله : ( ثم ما أدراك ما يوم الدين ) يقول : ثم أي شيء أشعرك يوم المجازاة والحساب يا محمد ، تعظيما لأمره ، ثم فسر جل ثناؤه بعض شأنه فقال : ( يوم لا تملك نفس لنفس شيئا ) يقول : ذلك اليوم ، ( يوم لا تملك نفس ) يقول : يوم لا تغني نفس عن نفس شيئا ، فتدفع عنها بلية نزلت بها ، ولا تنفعها بنافعة ، وقد كانت في الدنيا تحميها ، وتدفع عنها من بغاها سوءا ، فبطل ذلك يومئذ ، لأن الأمر صار لله الذي لا يغلبه غالب ، ولا يقهره قاهر ، واضمحلت هنالك الممالك ، وذهبت الرياسات ، وحصل الملك للملك الجبار ، وذلك قوله : ( والأمر يومئذ لله ) يقول : والأمر كله [ ص: 273 ] يومئذ ، يعني : الدين لله دون سائر خلقه ، ليس لأحد من خلقه معه يومئذ أمر ولا نهي .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( والأمر يومئذ لله ) قال : ليس ثم أحد يومئذ يقضي شيئا ، ولا يصنع شيئا إلا رب العالمين .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله ) والأمر والله اليوم لله ، ولكنه يومئذ لا ينازعه أحد .
واختلفت القراء في قراءة قوله : ( يوم لا تملك نفس ) فقرأته عامة قراء الحجاز والكوفة بنصب ( يوم ) إذ كانت إضافته غير محضة . وقرأه بعض قراء البصرة بضم ( يوم ) ورفعه ردا على اليوم الأول ، والرفع فيه أفصح في كلام العرب ، وذلك أن اليوم مضاف إلى يفعل ، والعرب إذا أضافت اليوم إلى تفعل أو يفعل أو أفعل ، رفعوه فقالوا : هذا يوم أفعل كذا ، وإذا أضافته إلى فعل ماض نصبوه; ومنه قول الشاعر :
على حين عاتبت المشيب على الصبا وقلت ألما تصح والشيب وازع
آخر تفسير سورة ( إذا السماء انفطرت ) .