القول في تأويل قوله تعالى : ( فذكر إنما أنت مذكر ( 21 ) لست عليهم بمسيطر ( 22 ) إلا من تولى وكفر ( 23 ) فيعذبه الله العذاب الأكبر ( 24 ) إن إلينا إيابهم ( 25 ) ثم إن علينا حسابهم ( 26 ) ) .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ( فذكر ) يا محمد عبادي بآياتي ، وعظهم بحججي وبلغهم رسالتي ( إنما أنت مذكر ) يقول : إنما أرسلتك إليهم مذكرا لتذكرهم نعمتي عندهم ، وتعرفهم اللازم لهم ، وتعظهم .
وقوله : ( لست عليهم بمسيطر ) يقول : لست عليهم بمسلط ، ولا أنت بجبار تحملهم على ما تريد . يقول : كلهم إلي ، ودعهم لي وحكمي فيهم ; يقال : قد [ ص: 390 ] تسيطر فلان على قومه : إذا تسلط عليهم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( لست عليهم بمسيطر ) يقول : لست عليهم بجبار .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( لست عليهم بمسيطر ) ؛ أي : كل إلي عبادي .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( بمسيطر ) قال : جبار .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر ) قال : لست عليهم بمسلط أن تكرههم على الإيمان ، قال : ثم جاء بعد هذا : ( جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ) وقال ( اقعدوا لهم كل مرصد ) وارصدوهم لا يخرجوا في البلاد ( فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم ) قال : فنسخت ( لست عليهم بمسيطر ) قال : جاء اقتله أو يسلم ; قال : والتذكرة كما هي لم تنسخ ، وقرأ : ( وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ) .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن عن أبي الزبير ، قال : جابر بن عبد الله ، إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر ) . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله ، فإذا قالوا : لا إله إلا الله ، عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها ، وحسابهم على الله " ثم قرأ : (
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبي الزبير محمد بن مسلم ، قال : سمعت يقول : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ، فذكر مثله ، إلا أنه قال : قال جابر بن عبد الله ، أبو الزبير : ثم قرأ : ( إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر ) .
حدثنا يوسف بن موسى القطان ، قال : ثنا عن وكيع ، سفيان ، عن [ ص: 391 ] عن أبي الزبير ، جابر ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مثله .
وقوله : ( إلا من تولى وكفر ) يتوجه لوجهين : أحدهما : فذكر قومك يا محمد ، إلا من تولى منهم عنك ، وأعرض عن آيات الله فكفر ، فيكون قوله " إلا " استثناء من الذين كان التذكير عليهم ، وإن لم يذكروا ، كما يقال : مضى فلان ، فدعا إلا من لا ترجى إجابته ، بمعنى : فدعا الناس إلا من لا ترجى إجابته . والوجه الثاني : أن يجعل قوله : ( إلا من تولى وكفر ) منقطعا عما قبله ، فيكون معنى الكلام حينئذ لست عليهم بمسيطر ، إلا من تولى وكفر ، يعذبه الله ، وكذلك الاستثناء المنقطع يمتحن بأن يحسن معه إن ، فإذا حسنت معه كان منقطعا ، وإذا لم تحسن كان استثناء متصلا صحيحا ، كقول القائل : سار القوم إلا زيدا ، ولا يصلح دخول إن هاهنا لأنه استثناء صحيح .
وقوله : ( فيعذبه الله العذاب الأكبر ) : هو عذاب جهنم ، يقول : فيعذبه الله العذاب الأكبر على كفره في الدنيا ، وعذاب جهنم في الآخرة .
وقوله : ( إن إلينا إيابهم ) يقول : إن إلينا رجوع من كفر ومعادهم ( ثم إن علينا حسابهم ) يقول : ثم إن على الله حسابه ، وهو يجازيه بما سلف منه من معصية ربه ، يعلم بذلك نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أنه المتولي عقوبته دونه ، وهو المجازي والمعاقب ، وأنه الذي إليه التذكير وتبليغ الرسالة .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( إلا من تولى وكفر ) قال : حسابه على الله .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم ) يقول : إن إلى الله الإياب وعليه الحساب .
آخر تفسير سورة الغاشية