القول في تأويل قوله تعالى ( وقضي الأمر وإلى الله ترجع الأمور    ( 210 ) ) 
قال أبو جعفر   : يعني جل ثناؤه بذلك : وفصل القضاء بالعدل بين الخلق ، على ما ذكرناه قبل عن  أبي هريرة  عن النبي صلى الله عليه وسلم : من أخذ الحق لكل مظلوم من كل ظالم ، حتى القصاص للجماء من القرناء من البهائم  " . 
وأما قوله : " وإلى الله ترجع الأمور   " ، فإنه يعني : وإلى الله يؤول القضاء بين خلقه يوم القيامة ، والحكم بينهم في أمورهم التي جرت في الدنيا ، من ظلم بعضهم بعضا ، واعتداء المعتدي منهم حدود الله ، وخلاف أمره ، وإحسان المحسن منهم ، وطاعته إياه فيما أمره به - فيفصل بين المتظالمين ، ويجازي أهل الإحسان بالإحسان ،  [ ص: 270 ] وأهل الإساءة بما رأى ، ويتفضل على من لم يكن منهم كافرا فيعفو . ولذلك قال جل ثناؤه : " وإلى الله ترجع الأمور   " ، وإن كانت أمور الدنيا كلها والآخرة ، من عنده مبدؤها ، وإليه مصيرها ، إذ كان خلقه في الدنيا يتظالمون ، ويلي النظر بينهم أحيانا في الدنيا بعض خلقه ، فيحكم بينهم بعض عبيده ، فيجور بعض ويعدل بعض ، ويصيب واحد ويخطئ واحد ، ويمكن من تنفيذ الحكم على بعض ، ويتعذر ذلك على بعض ، لمنعة جانبه وغلبته بالقوة . فأعلم عباده تعالى ذكره أن مرجع جميع ذلك إليه في موقف القيامة ، فينصف كلا من كل ، ويجازي حق الجزاء كلا حيث لا ظلم ولا ممتنع من نفوذ حكمه عليه ، وحيث يستوي الضعيف والقوي ، والفقير والغني ، ويضمحل الظلم وينزل سلطان العدل . 
وإنما أدخل جل وعز" الألف واللام" في"الأمور" ؛ لأنه جل ثناؤه عنى بها جميع الأمور ، ولم يعن بها بعضا دون بعض ، فكان ذلك بمعنى قول القائل : "يعجبني العسل - والبغل أقوى من الحمار" ، فيدخل فيه"الألف واللام" ؛ لأنه لم يقصد به قصد بعض دون بعض ، إنما يراد به العموم والجمع . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					