القول في تأويل قوله تعالى ( فإن خفتم ألا يقيما حدود الله )
قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل قوله تعالى : " فإن خفتم ألا يقيما حدود الله " - التي إذا خيف من الزوج والمرأة أن لا يقيماها ، حلت له الفدية من أجل الخوف عليهما تضييعها . فقال بعضهم : هو استخفاف المرأة بحق زوجها وسوء طاعتها إياه وأذاها له بالكلام .
ذكر من قال ذلك :
4835 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية عن علي عن ابن عباس : " فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به " قال : هو تركها إقامة حدود الله ، واستخفافها بحق [ ص: 564 ] زوجها ، وسوء خلقها ، فتقول له : " والله لا أبر لك قسما ، ولا أطأ لك مضجعا ، ولا أطيع لك أمرا " ، فإن فعلت ذلك فقد حل له منها الفدية .
4836 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا أبى بن أبي زائدة عن يزيد بن إبراهيم عن الحسن في قوله : " فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به " قال : إذا قالت : " لا اغتسل لك من جنابة " ، حل له أن يأخذ منها .
4837 - حدثني المثنى قال : حدثنا قال : أخبرنا حبان بن موسى ابن المبارك قال : حدثنا يونس عن الزهري قال : يحل الخلع حين يخافا أن لا يقيما حدود الله ، وأداء حدود الله في العشرة التي بينهما .
وقال آخرون : معنى ذلك : فإن خفتم أن لا يطيعا الله .
ذكر من قال ذلك :
4838 - حدثنا سفيان بن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن إسرائيل عن عامر : " فإن خفتم ألا يقيما حدود الله " قال : أن لا يطيعا الله .
4839 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : الحدود : الطاعة .
قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك : فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله ما [ ص: 565 ] أوجب الله عليهما من الفرائض ، فيما ألزم كل واحد منهما من الحق لصاحبه ، من العشرة بالمعروف ، والصحبة بالجميل ، فلا جناح عليهما فيما افتدت به .
وقد يدخل في ذلك ما رويناه عن ابن عباس والشعبي وما رويناه عن الحسن والزهري لأن من الواجب للزوج على المرأة - طاعته فيما أوجب الله طاعته فيه ، ولا تؤذيه بقول ، ولا تمتنع عليه إذا دعاها لحاجته ، فإذا خالفت ما أمرها الله به من ذلك كانت قد ضيعت حدود الله التي أمرها بإقامتها .
وأما معنى " إقامة حدود الله " ، فإنه العمل بها ، والمخالفة عليها ، وترك تضييعها - وقد بينا ذلك فيما مضى قبل من كتابنا هذا بما يدل على صحته .