[ ص: 7 ] القول في تأويل قوله تعالى ( ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف )
قال أبو جعفر : يعني - تعالى ذكره - بذلك : " وإذا طلقتم " أيها الرجال نساءكم " فبلغن أجلهن " يعني : ميقاتهن الذي وقته لهن ، من انقضاء الأقراء الثلاثة ، إن كانت من أهل القرء ، وانقضاء الأشهر إن كانت من أهل الشهور " فأمسكوهن " يقول : فراجعوهن إن أردتم رجعتهن في الطلقة التي فيها رجعة : وذلك إما في التطليقة الواحدة أو التطليقتين ، كما قال - تعالى ذكره - : ( الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ) .
وأما قوله : " بمعروف " فإنه عنى : بما أذن به من الرجعة ، من الإشهاد على الرجعة قبل انقضاء العدة ، دون الرجعة بالوطء والجماع . لأن ذلك إنما يجوز للرجل بعد الرجعة ، وعلى الصحبة مع ذلك والعشرة بما أمر الله به وبينه لكم أيها الناس " أو سرحوهن بمعروف " يقول : أو خلوهن يقضين تمام عدتهن وينقضي بقية أجلهن الذي أجلته لهن لعددهن ، بمعروف . يقول : بإيفائهن تمام حقوقهن عليكم ، على ما ألزمتكم لهن من مهر ومتعة ونفقة وغير ذلك من حقوقهن قبلكم " ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا " يقول : ولا تراجعوهن ، [ ص: 8 ] إن راجعتموهن في عددهن ، مضارة لهن ، لتطولوا عليهن مدة انقضاء عددهن ، أو لتأخذوا منهن بعض ما آتيتموهن بطلبهن الخلع منكم ، لمضارتكم إياهن ، بإمساككم إياهن ، ومراجعتكموهن ضرارا واعتداء .
وقوله : " لتعتدوا " يقول : لتظلموهن بمجاوزتكم في أمرهن حدودي التي بينتها لكم .
وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
4909 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن أبي الضحى ، عن مسروق : " ولا تمسكوهن ضرارا " قال : يطلقها ، حتى إذا كادت تنقضي راجعها ، ثم يطلقها ، فيدعها ، حتى إذا كادت تنقضي عدتها راجعها ، ولا يريد إمساكها : فذلك الذي يضار ويتخذ آيات الله هزوا .
4910 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا ، عن ابن علية أبي رجاء قال : سئل الحسن عن قوله تعالى : " وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا " قال : كان الرجل يطلق المرأة ثم يراجعها ، ثم يطلقها ثم يراجعها ، يضارها ، فنهاهم الله عن ذلك .
4911 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف " قال : نهى الله عن الضرار " ضرارا " أن يطلق الرجل امرأته ثم يراجعها عند آخر يوم يبقى من الأجل ، حتى يفي لها تسعة أشهر ، ليضارها به .
4912 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد بنحوه إلا أنه قال : نهى عن الضرار ، والضرار في الطلاق [ ص: 9 ] أن يطلق الرجل امرأته ثم يراجعها ، وسائر الحديث مثل حديث محمد بن عمرو .
4913 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثنا أبي قال : حدثنا عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : " وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا " كان الرجل يطلق امرأته ثم يراجعها قبل انقضاء عدتها ، ثم يطلقها . يفعل ذلك يضارها ويعضلها ، فأنزل الله هذه الآية .
4914 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : " وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا " قال : كان الرجل يطلق امرأته تطليقة واحدة ، ثم يدعها ، حتى إذا ما تكاد تخلو عدتها راجعها ، ثم يطلقها ، حتى إذا ما كاد تخلو عدتها راجعها . ولا حاجة له فيها ، إنما يريد أن يضارها بذلك . فنهى الله عن ذلك وتقدم فيه ، وقال : " ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه " .
4915 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني الليث ، عن يونس ، عن ابن شهاب قال : قال الله - تعالى ذكره - : " وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا " فإذا طلق الرجل المرأة وبلغت أجلها ، فليراجعها بمعروف أو ليسرحها بإحسان ، ولا يحل له أن يراجعها ضرارا ، وليست له فيها رغبة ، إلا أن يضارها .
4916 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة في قوله : " ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا " قال : هو في الرجل [ ص: 10 ] يحلف بطلاق امرأته ، فإذا بقي من عدتها شيء راجعها ، يضارها بذلك ويطول عليها ، فنهاهم الله عن ذلك .
4917 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ، عن إسماعيل بن أبي أويس مالك بن أنس ، عن ثور بن زيد الديلي : أن رجلا كان يطلق امرأته ثم يراجعها ، ولا حاجة له بها ولا يريد إمساكها ، كيما يطول عليها بذلك العدة ليضارها ، فأنزل الله - تعالى ذكره - : " ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه " يعظم ذلك .
4918 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال : سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد قال : حدثنا عبيد بن سليمان الباهلي قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " ولا تمسكوهن ضرارا " هو الرجل يطلق امرأته واحدة ثم يراجعها ، ثم يطلقها ثم يراجعها ، ثم يطلقها ، ليضارها بذلك ، لتختلع منه .
4920 - حدثنا موسى قال حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن : " السدي وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ولا تتخذوا آيات الله هزوا " قال : نزلت في رجل من الأنصار يدعى ثابت بن يسار طلق امرأته حتى إذا انقضت عدتها إلا يومين أو ثلاثة ، راجعها ، ثم طلقها ، ففعل ذلك بها حتى مضت لها تسعة أشهر ، مضارة يضارها ، فأنزل الله - تعالى ذكره - : " ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا " .
4921 - حدثني العباس بن الوليد قال : أخبرني أبي قال : سمعت عبد العزيز [ ص: 11 ] يسأل عن طلاق الضرار فقال : يطلق ثم يراجع ، ثم يطلق ثم يراجع ، فهذا الضرار الذي قال الله : " ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا " .
4922 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا ، عن فضيل بن مرزوق عطية : " ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا " قال : الرجل يطلق امرأته تطليقة ، ثم يتركها حتى تحيض ثلاث حيض ، ثم يراجعها ، ثم يطلقها تطليقة ، ثم يمسك عنها حتى تحيض ثلاث حيض ، ثم يراجعها " لتعتدوا " قال : لا يطاول عليهن .
قال أبو جعفر : وأصل " التسريح " من " سرح القوم " وهو ما أطلق من نعمهم للرعي . يقال للمواشي المرسلة للرعي " هذا سرح القوم " يراد به مواشيهم المرسلة للرعي . ومنه قول الله - تعالى ذكره - : ( والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون ) [ سورة النحل : 5 ، 6 ] يعني بقوله : " حين تسرحون " حين ترسلونها للرعي . فقيل للمرأة إذا خلاها زوجها فأبانها منه : سرحها ، تمثيلا لذلك ب " تسريح " المسرح ماشيته للرعي ، وتشبيها به .