قال أبو جعفر : يعني - تعالى ذكره - بقوله : " أو أكننتم في أنفسكم " أو أخفيتم في أنفسكم ، فأسررتموه ، من خطبتهن ، وعزم نكاحهن وهن في عددهن ، فلا جناح عليكم أيضا في ذلك ، إذا لم تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله .
يقال منه : " أكن فلان هذا الأمر في نفسه ، فهو يكنه إكنانا " و " كنه " إذا ستره ، " يكنه كنا وكنونا " و " جلس في الكن " ولم يسمع " كننته في نفسي " وإنما يقال : " كننته في البيت أو في الأرض " إذا خبأته فيه ، ومنه قوله - تعالى ذكره - : ( كأنهن بيض مكنون ) [ سورة الصافات : 49 ] ، أي مخبوء ، ومنه قول الشاعر :
ثلاث من ثلاث قداميات من اللائي تكن من الصقيع
[ ص: 103 ] و " تكن " بالتاء ، وهو أجود ، و " يكن " . ويقال : " أكنته ثيابه من البرد " " وأكنه البيت من الريح " .وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
5126 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " أو أكننتم في أنفسكم " قال : الإكنان : ذكر خطبتها في نفسه ، لا يبديه لها . هذا كله حل معروف .
5127 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين ، حدثني حجاج ، عن ، عن ابن جريج مجاهد مثله .
5128 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط ، عن قوله : " السدي أو أكننتم في أنفسكم " قال : أن يدخل فيسلم ويهدي إن شاء ، ولا يتكلم بشيء .
5129 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الوهاب الثقفي قال : سمعت يحيى بن سعيد يقول : أخبرني عبد الرحمن بن القاسم : أنه سمع يقول ، فذكر نحوه . القاسم بن محمد
5130 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " أو أكننتم في أنفسكم " قال : جعلت في نفسك نكاحها وأضمرت ذلك .
[ ص: 104 ] 5131 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا مهران وحدثني علي قال : حدثنا زيد جميعا ، عن سفيان : " أو أكننتم في أنفسكم " أن يسر في نفسه أن يتزوجها .
5132 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا هوذة قال : حدثنا عوف ، عن الحسن في قوله : " أو أكننتم في أنفسكم " قال : أسررتم .
قال أبو جعفر : وفي إباحة الله - تعالى ذكره - ما أباح من لها في حال عدتها وحظره التصريح ، ما أبان عن افتراق حكم التعريض في كل معاني الكلام وحكم التصريح ، منه . وإذا كان ذلك كذلك ، تبين أن التعريض بالقذف غير التصريح به ، وأن الحد بالتعريض بالقذف لو كان واجبا وجوبه بالتصريح به ، لوجب من الجناح بالتعريض بالخطبة في العدة ، نظير الذي يجب بعزم عقدة النكاح فيها . وفي تفريق الله - تعالى ذكره - بين حكميها في ذلك ، الدلالة الواضحة على افتراق أحكام ذلك في القذف . التعريض بنكاح المعتدة