القول في تأويل
nindex.php?page=treesubj&link=28973_27477_12418قوله ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=236لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن )
قال
أبو جعفر : يعني - تعالى ذكره - بقوله : " لا جناح عليكم " لا حرج عليكم إن طلقتم النساء .
يقول : لا حرج عليكم في طلاقكم نساءكم وأزواجكم ،
[ ص: 118 ] " ما لم تماسوهن " يعني بذلك : ما لم تجامعوهن .
" والمماسة " في هذا الموضع ، كناية عن اسم الجماع ، كما : -
5190 - حدثنا
حميد بن مسعدة قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17360يزيد بن زريع وحدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار قال : حدثنا
محمد بن جعفر قالا جميعا ، حدثنا
شعبة ، عن
أبي بشر ، عن
سعيد بن جبير قال : قال
ابن عباس : المس الجماع ، ولكن الله يكني ما يشاء بما شاء .
5191 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
أبو صالح قال : حدثني
معاوية ، عن
علي بن أبي طلحة ، عن
ابن عباس قال : المس : النكاح .
قال
أبو جعفر : وقد اختلف القرأة في قراءة ذلك . فقرأته عامة قرأة
أهل الحجاز والبصرة : " ما لم تمسوهن " بفتح " التاء " من " تمسوهن " بغير " ألف " من قولك : مسسته أمسه مسا ومسيسا ومسيسى " مقصور مشدد غير مجرى . وكأنهم اختاروا قراءة ذلك ، إلحاقا منهم له بالقراءة المجتمع عليها في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=47ولم يمسسني بشر ) [ سورة آل عمران : 47 ، سورة مريم : 20 ] .
وقرأ ذلك آخرون : " ما لم تماسوهن " بضم " التاء والألف " بعد " الميم " إلحاقا منهم ذلك بالقراءة المجمع عليها في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=3فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ) [ سورة المجادلة : 3 ] ، وجعلوا ذلك بمعنى فعل كل واحد من الرجل والمرأة بصاحبه من قولك : " ماسست الشيء أماسه مماسة ومساسا .
[ ص: 119 ]
قال
أبو جعفر : والذي نرى في ذلك ، أنهما قراءتان صحيحتا المعنى ، متفقتا التأويل ، وإن كان في إحداهما زيادة معنى ، غير موجبة اختلافا في الحكم والمفهوم .
وذلك أنه لا يجهل ذو فهم إذا قيل له : " مسست زوجتي " أن الممسوسة قد لاقى من بدنها بدن الماس ، ما لاقاه مثله من بدن الماس . فكل واحد منهما وإن أفرد الخبر عنه بأنه الذي ماس صاحبه ، معقول بذلك الخبر نفسه أن صاحبه الممسوس قد ماسه . فلا وجه للحكم لإحدى القراءتين مع اتفاق معانيهما ، وكثرة القرأة بكل واحدة منهما بأنها أولى بالصواب من الأخرى ، بل الواجب أن يكون القارئ ، بأيتهما قرأ ، مصيب الحق في قراءته .
قال
أبو جعفر : وإنما عنى الله - تعالى ذكره - بقوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=236لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن " المطلقات قبل الإفضاء إليهن في نكاح قد سمي لهن فيه الصداق . وإنما قلنا أن ذلك كذلك ، لأن كل منكوحة فإنما هي إحدى اثنتين : إما مسمى لها الصداق ، أو غير مسمى لها ذلك . فعلمنا بالذي يتلو ذلك من قوله - تعالى ذكره - أن المعنية بقوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=236لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن " إنما هي المسمى لها . لأن المعنية بذلك ، لو كانت غير المفروض لها الصداق ، لما كان لقوله : " أو تفرضوا لهن فريضة " معنى معقول . إذ كان لا معنى لقول قائل : " لا جناح عليكم إذا طلقتم النساء ما لم تفرضوا لهن فريضة في نكاح لم تماسوهن فيه ، أو ما لم تفرضوا لهن فريضة " . فإذا كان لا معنى لذلك ، فمعلوم أن الصحيح من التأويل في ذلك : لا جناح عليكم إن طلقتم المفروض لهن من نسائكم الصداق قبل أن تماسوهن ، وغير المفروض لهن قبل الفرض .
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ
nindex.php?page=treesubj&link=28973_27477_12418قَوْلِهِ ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=236لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ )
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : يَعْنِي - تَعَالَى ذِكْرُهُ - بِقَوْلِهِ : " لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ " لَا حَرَجَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمِ النِّسَاءَ .
يَقُولُ : لَا حَرَجَ عَلَيْكُمْ فِي طَلَاقِكُمْ نِسَاءَكُمْ وَأَزْوَاجَكُمْ ،
[ ص: 118 ] " مَا لَمْ تُمَاسُّوهُنَ " يَعْنِي بِذَلِكَ : مَا لَمْ تُجَامِعُوهُنَّ .
" وَالْمُمَاسَّةُ " فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ، كِنَايَةٌ عَنِ اسْمِ الْجِمَاعِ ، كَمَا : -
5190 - حَدَّثَنَا
حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ قَالَ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=17360يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ وَحَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=15573مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَا جَمِيعًا ، حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ ، عَنْ
أَبِي بِشْرٍ ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ : قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ : الْمَسُّ الْجِمَاعُ ، وَلَكِنَّ اللَّهَ يُكَنِّي مَا يَشَاءُ بِمَا شَاءَ .
5191 - حَدَّثَنِي
الْمُثَنَّى قَالَ : حَدَّثَنَا
أَبُو صَالِحٍ قَالَ : حَدَّثَنِي
مُعَاوِيَةُ ، عَنْ
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : الْمَسُّ : النِّكَاحُ .
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : وَقَدِ اخْتَلَفَ الْقَرَأَةُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ . فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قَرَأَةِ
أَهْلِ الْحِجَازِ وَالْبَصْرَةِ : " مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ " بِفَتْحِ " التَّاءِ " مِنْ " تَمَسُّوهُنَّ " بِغَيْرِ " أَلِفٍ " مِنْ قَوْلِكَ : مَسَسْتُهُ أَمَسُّهُ مَسًّا وَمَسِيسًا وَمِسِّيسَى " مَقْصُورٌ مُشَدَّدٌ غَيْرُ مُجْرًى . وَكَأَنَّهُمُ اخْتَارُوا قِرَاءَةَ ذَلِكَ ، إِلْحَاقًا مِنْهُمْ لَهُ بِالْقِرَاءَةِ الْمُجْتَمَعِ عَلَيْهَا فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=47وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ ) [ سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ : 47 ، سُورَةُ مَرْيَمَ : 20 ] .
وَقَرَأَ ذَلِكَ آخَرُونَ : " مَا لَمْ تُمَاسُّوهُنَّ " بِضَمِّ " التَّاءِ وَالْأَلِفِ " بَعْدَ " الْمِيمِ " إِلْحَاقًا مِنْهُمْ ذَلِكَ بِالْقِرَاءَةِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=3فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ) [ سُورَةُ الْمُجَادَلَةِ : 3 ] ، وَجَعَلُوا ذَلِكَ بِمَعْنَى فِعْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ بِصَاحِبِهِ مِنْ قَوْلِكَ : " مَاسَسْتُ الشَّيْءَ أُمُاسُّهُ مُمَاسَّةً وَمِسَاسًا .
[ ص: 119 ]
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : وَالَّذِي نَرَى فِي ذَلِكَ ، أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ صَحِيحَتَا الْمَعْنَى ، مُتَّفِقَتَا التَّأْوِيلِ ، وَإِنْ كَانَ فِي إِحْدَاهُمَا زِيَادَةُ مَعْنًى ، غَيْرُ مُوجِبَةٍ اخْتِلَافًا فِي الْحُكْمِ وَالْمَفْهُومِ .
وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَجْهَلُ ذُو فَهْمٍ إِذَا قِيلَ لَهُ : " مَسَسْتُ زَوْجَتِي " أَنَّ الْمَمْسُوسَةَ قَدْ لَاقَى مِنْ بَدَنِهَا بَدَنُ الْمَاسِّ ، مَا لَاقَاهُ مِثْلُهُ مِنْ بَدَنِ الْمَاسِّ . فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِنْ أُفْرِدَ الْخَبَرُ عَنْهُ بِأَنَّهُ الَّذِي مَاسَّ صَاحِبَهُ ، مَعْقُولٌ بِذَلِكَ الْخَبَرِ نَفْسِهِ أَنَّ صَاحِبَهُ الْمَمْسُوسَ قَدْ مَاسَّهُ . فَلَا وَجْهَ لِلْحُكْمِ لِإِحْدَى الْقِرَاءَتَيْنِ مَعَ اتِّفَاقِ مَعَانِيهِمَا ، وَكَثْرَةِ الْقَرَأَةِ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِأَنَّهَا أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنَ الْأُخْرَى ، بَلِ الْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ الْقَارِئُ ، بِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ ، مُصِيبَ الْحَقِّ فِي قِرَاءَتِهِ .
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : وَإِنَّمَا عَنَى اللَّهُ - تَعَالَى ذِكْرُهُ - بِقَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=236لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ " الْمُطَلَّقَاتِ قَبْلَ الْإِفْضَاءِ إِلَيْهِنَّ فِي نِكَاحٍ قَدْ سُمِّيَ لَهُنَّ فِيهِ الصَّدَاقُ . وَإِنَّمَا قُلْنَا أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ ، لِأَنَّ كُلَّ مَنْكُوحَةٍ فَإِنَّمَا هِيَ إِحْدَى اثْنَتَيْنِ : إِمَّا مُسَمًّى لَهَا الصَّدَاقُ ، أَوْ غَيْرُ مُسَمًّى لَهَا ذَلِكَ . فَعَلِمْنَا بِالَّذِي يَتْلُو ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ - تَعَالَى ذِكْرُهُ - أَنَّ الْمَعْنِيَّةَ بِقَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=236لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ " إِنَّمَا هِيَ الْمُسَمَّى لَهَا . لِأَنَّ الْمَعْنِيَّةَ بِذَلِكَ ، لَوْ كَانَتْ غَيْرَ الْمَفْرُوضِ لَهَا الصَّدَاقُ ، لَمَا كَانَ لِقَوْلِهِ : " أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً " مَعْنًى مَعْقُولٌ . إِذْ كَانَ لَا مَعْنَى لِقَوْلِ قَائِلٍ : " لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا طَلَّقْتُمِ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً فِي نِكَاحٍ لَمْ تُمَاسُّوهُنَ فِيهِ ، أَوْ مَا لَمْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً " . فَإِذَا كَانَ لَا مَعْنَى لِذَلِكَ ، فَمَعْلُومٌ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنَ التَّأْوِيلِ فِي ذَلِكَ : لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ الْمَفْرُوضَ لَهُنَّ مِنْ نِسَائِكُمُ الصَّدَاقُ قَبْلَ أَنْ تُمَاسُّوهُنَ ، وَغَيْرَ الْمَفْرُوضِ لَهُنَّ قَبْلَ الْفَرْضِ .