القول في تأويل
nindex.php?page=treesubj&link=28973_32419قوله ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=248وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت )
قال
أبو جعفر : وهذا الخبر من الله - تعالى ذكره - عن نبيه الذي أخبر عنه به دليل على أن الملأ من
بني إسرائيل الذين قيل لهم هذا القول لم يقروا ببعثة الله
طالوت عليهم ملكا إذ أخبرهم نبيهم بذلك ، وعرفهم فضيلته التي فضله الله بها ، ولكنهم سألوه الدلالة على صدق ما قال لهم من ذلك وأخبرهم به . فتأويل الكلام إذ كان الأمر على ما وصفنا : " والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم " فقالوا له : ما آية ذلك إن كنت من الصادقين ؟ " وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت " . وهذه القصة - وإن كانت خبرا من الله - تعالى ذكره - عن الملإ من
بني إسرائيل ونبيهم ، وما كان من ابتدائهم نبيهم بما ابتدءوا به من مسألته أن يسأل الله لهم أن يبعث لهم ملكا يقاتلون معه في سبيله ، ونبأ عما كان منهم من تكذيبهم نبيهم بعد علمهم بنبوته ، ثم إخلافهم الموعد الذي وعدوا الله ووعدوا رسوله من
[ ص: 316 ] الجهاد في سبيل الله بالتخلف عنه حين استنهضوا لحرب من استنهضوا لحربه ، وفتح الله على القليل من الفئة ، مع تخذيل الكثير منهم عن ملكهم وقعودهم عن الجهاد معه - فإنه تأديب لمن كان بين ظهراني مهاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ذراريهم وأبنائهم يهود
قريظة والنضير ، وأنهم لن يعدوا في تكذيبهم
محمدا - صلى الله عليه وسلم - فيما أمرهم به ونهاهم عنه مع علمهم بصدقه ، ومعرفتهم بحقيقة نبوته ، بعدما كانوا يستنصرون الله به على أعدائهم قبل رسالته ، وقبل بعثة الله إياه إليهم وإلى غيرهم أن يكونوا كأسلافهم وأوائلهم الذين كذبوا نبيهم
شمويل بن بالي ، مع علمهم بصدقه ، ومعرفتهم بحقية نبوته ، وامتناعهم من الجهاد مع
طالوت لما ابتعثه الله ملكا عليهم ، بعد مسألتهم نبيهم ابتعاث ملك يقاتلون معه عدوهم ويجاهدون معه في سبيل ربهم ، ابتداء منهم بذلك نبيهم ، وبعد مراجعة نبيهم
شمويل إياهم في ذلك ، وحض لأهل الإيمان بالله وبرسوله من أصحاب
محمد - صلى الله عليه وسلم - على الجهاد في سبيله ، وتحذير منه لهم أن يكونوا في التخلف عن نبيهم
محمد - صلى الله عليه وسلم - عند لقائه العدو ، ومناهضته أهل الكفر بالله وبه على مثل الذي كان عليه الملأ من
بني إسرائيل في تخلفهم عن ملكهم
طالوت إذ زحف لحرب عدو الله
جالوت ، وإيثارهم الدعة والخفض على مباشرة حر الجهاد والقتال في سبيل الله ، وشحذ منه لهم على الإقدام على مناجزة أهل الكفر به الحرب ، وترك تهيب قتالهم أن قل عددهم وكثر عدد أعدائهم واشتدت شوكتهم بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=249قال الذين يظنون أنهم ملاقو الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين ) [ سورة البقرة : 249 ] ، وإعلام منه
[ ص: 317 ] - تعالى ذكره - عباده المؤمنين به أن بيده النصر والظفر والخير والشر .
وأما تأويل قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=248وقال لهم نبيهم " فإنه يعني : للملأ من
بني إسرائيل الذين قالوا لنبيهم : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=246ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله " .
وقوله : " إن آية ملكه " : إن علامة ملك
طالوت التي سألتمونيها دلالة على صدقي في قولي : إن الله بعثه عليكم ملكا ، وإن كان من غير سبط المملكة " أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم " وهو التابوت الذي كانت
بنو إسرائيل إذا لقوا عدوا لهم قدموه أمامهم ، وزحفوا معه ، فلا يقوم لهم معه عدو ، ولا يظهر عليهم أحد ناوأهم ، حتى ضيعوا أمر الله ، وكثر اختلافهم على أنبيائهم ، فسلبهم الله إياه مرة بعد مرة ، يرده إليهم في كل ذلك ، حتى سلبهم آخرها مرة فلم يرده عليهم ، ولن يرده إليهم آخر الأبد .
ثم اختلف أهل التأويل في سبب مجيء التابوت الذي جعل الله مجيئه إلى
بني إسرائيل آية لصدق نبيهم
شمويل على قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=247إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا " وهل كانت
بنو إسرائيل سلبوه قبل ذلك فرده الله عليهم حين جعل مجيئه آية لملك
طالوت ، أو لم يكونوا سلبوه قبل ذلك ، ولكن الله ابتدأهم به ابتداء ؟
فقال بعضهم : بل كان ذلك عندهم من عهد
موسى وهارون يتوارثونه ، حتى سلبهم إياه ملوك من أهل الكفر به ، ثم رده الله عليهم آية لملك
طالوت . وقال في
[ ص: 318 ] سبب رده عليهم ما أنا ذاكره وهو ما : -
5658 - حدثني به
المثنى قال : حدثنا
إسحاق قال : حدثنا
إسماعيل بن عبد الكريم قال : حدثني
عبد الصمد بن معقل : أنه سمع
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه قال : كان
لعيلى الذي ربى
شمويل ، ابنان شابان أحدثا في القربان شيئا لم يكن فيه ، كان مسوط القربان الذي كانوا يسوطونه به كلابين فما أخرجا كان للكاهن الذي يسوطه ، فجعله ابناه كلاليب . وكانا إذا جاء النساء يصلين في القدس يتشبثان بهن . فبينا
شمويل نائم قبل البيت الذي كان ينام فيه
عيلى إذ سمع صوتا يقول :
أشمويل ! ! فوثب إلى
عيلى فقال : لبيك ! ما لك ! دعوتني ؟ فقال : لا ! ارجع فنم ! فرجع فنام ، ثم سمع صوتا آخر يقول :
أشمويل ! ! فوثب إلى
عيلى - أيضا - فقال : لبيك ! ما لك ! دعوتني ؟ فقال : لم أفعل ، ارجع فنم ، فإن سمعت شيئا فقل : " لبيك " مكانك " مرني فأفعل " ! فرجع فنام ، فسمع صوتا أيضا يقول :
أشمويل ! ! فقال : لبيك أنا هذا ! مرني أفعل ! قال : انطلق إلى
عيلى فقل له : " منعه حب الولد أن يزجر ابنيه أن يحدثا في قدسي وقرباني ، وأن يعصياني ، فلأنزعن منه الكهانة ومن ولده ، ولأهلكنه وإياهما " ! فلما أصبح سأله
عيلى فأخبره ، ففزع لذلك فزعا شديدا . فسار إليهم عدو ممن
[ ص: 319 ] حولهم ، فأمر ابنيه أن يخرجا بالناس فيقاتلا ذلك العدو . فخرجا وأخرجا معهما التابوت الذي كان فيه اللوحان وعصا
موسى لينصروا به . فلما تهيئوا للقتال هم وعدوهم ، جعل
عيلى يتوقع الخبر ماذا صنعوا ؟ فجاءه رجل يخبره وهو قاعد على كرسيه : إن ابنيك قد قتلا وإن الناس قد انهزموا ! قال : فما فعل التابوت ؟ قال : ذهب به العدو ! قال : فشهق ووقع على قفاه من كرسيه فمات . وذهب الذين سبوا التابوت حتى وضعوه في بيت آلهتهم ، ولهم صنم يعبدونه ، فوضعوه تحت الصنم ، والصنم من فوقه ، فأصبح من الغد والصنم تحته وهو فوق الصنم . ثم أخذوه فوضعوه فوقه وسمروا قدميه في التابوت ، فأصبح من الغد قد تقطعت يدا الصنم ورجلاه ، وأصبح ملقى تحت التابوت . فقال بعضهم لبعض : قد علمتم أن إله
بني إسرائيل لا يقوم له شيء ، فأخرجوه من بيت آلهتكم ! فأخرجوا التابوت فوضعوه في ناحية من قريتهم ، فأخذ أهل تلك الناحية التي وضعوا فيها التابوت وجع في أعناقهم ، فقالوا : ما هذا ؟ ! فقالت لهم جارية كانت عندهم من سبي
بني إسرائيل : لا تزالون ترون ما تكرهون ما كان هذا التابوت فيكم ! فأخرجوه من قريتكم ! قالوا : كذبت ! قالت : إن آية ذلك أن تأتوا ببقرتين لهما أولاد لم يوضع عليهما نير قط ، ثم تضعوا وراءهم العجل ، ثم تضعوا التابوت على العجل وتسيروهما وتحبسوا أولادهما ، فإنهما تنطلقان به مذعنتين ، حتى إذا خرجتا من أرضكم ووقعتا في أرض
بني إسرائيل كسرتا نيرهما ، وأقبلتا إلى أولادهما . ففعلوا ذلك ، فلما خرجتا من أرضهم ووقعتا في أدنى أرض
بني إسرائيل كسرتا نيرهما ، وأقبلتا إلى أولادهما . ووضعتاه في خربة فيها حصاد من
بني إسرائيل ، ففزع إليه
[ ص: 320 ] بنو إسرائيل وأقبلوا إليه ، فجعل لا يدنو منه أحد إلا مات . فقال لهم نبيهم
شمويل : اعترضوا ، فمن آنس من نفسه قوة فليدن منه . فعرضوا عليه الناس ، فلم يقدر أحد يدنو منه إلا رجلان من
بني إسرائيل ، أذن لهما بأن يحملاه إلى بيت أمهما ، وهي أرملة . فكان في بيت أمهما حتى ملك
طالوت ، فصلح أمر
بني إسرائيل مع
أشمويل .
5659 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق قال : حدثني بعض أهل العلم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه قال : قال
شمويل لبني إسرائيل لما قالوا له : أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال ؟ قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم ، وإن آية ملكه - وإن تمليكه من قبل الله - أن يأتيكم التابوت ، فيرد عليكم الذي فيه من السكينة وبقية مما ترك
آل موسى وآل هارون ، وهو الذي كنتم تهزمون به من لقيكم من العدو ، وتظهرون به عليه . قالوا : فإن جاءنا التابوت فقد رضينا وسلمنا ! وكان العدو الذين أصابوا التابوت أسفل من الجبل جبل
إيليا فيما بينهم وبين
مصر ، وكانوا أصحاب أوثان ، وكان فيهم
جالوت . وكان
جالوت رجلا قد أعطي بسطة في الجسم ، وقوة في البطش ، وشدة في الحرب ، مذكورا بذلك في الناس . وكان التابوت حين استبي قد جعل في قرية من قرى
فلسطين يقال لها : "
أزدود " فكانوا قد جعلوا التابوت في
[ ص: 321 ] كنيسة فيها أصنامهم . فلما كان من أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ما كان : من وعد
بني إسرائيل أن التابوت سيأتيهم - جعلت أصنامهم تصبح في الكنيسة منكسة على رءوسها ، وبعث الله على أهل تلك القرية فأرا ، تبيت الفأرة الرجل فيصبح ميتا ، قد أكلت ما في جوفه من دبره . قالوا : تعلمون والله لقد أصابكم بلاء ما أصاب أمة من الأمم مثله ، وما نعلمه أصابنا إلا مذ كان هذا التابوت بين أظهرنا ! ! مع أنكم قد رأيتم أصنامكم تصبح كل غداة منكسة ، شيء لم يكن يصنع بها حتى كان هذا التابوت معها ! فأخرجوه من بين أظهركم . فدعوا بعجلة فحملوا عليها التابوت ، ثم علقوها بثورين ، ثم ضربوا على جنوبهما ، وخرجت الملائكة بالثورين تسوقهما ، فلم يمر التابوت بشيء من الأرض إلا كان قدسا . فلم يرعهم إلا التابوت على عجلة يجرها الثوران ، حتى وقف على
بني إسرائيل ، فكبروا وحمدوا الله ، وجدوا في حربهم ، واستوسقوا على
طالوت .
5660 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال : قال
ابن عباس : لما قال لهم نبيهم : إن الله اصطفى
طالوت عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم - أبوا أن يسلموا له الرياسة ، حتى قال لهم : " إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم " . فقال لهم : أرأيتم إن جاءكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة ! !
[ ص: 322 ] وكان موسى حين ألقى الألواح تكسرت ورفع منها . فنزل فجمع ما بقي فجعله في ذلك التابوت . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : أخبرني
يعلى بن مسلم ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس : أنه لم يبق من الألواح إلا سدسها . قال : وكانت العمالقة قد سبت ذلك التابوت - والعمالقة فرقة من عاد كانوا بأريحا - فجاءت الملائكة بالتابوت تحمله بين السماء والأرض وهم ينظرون إلى التابوت ، حتى وضعته عند
طالوت . فلما رأوا ذلك قالوا : نعم ! فسلموا له وملكوه . قال : وكان الأنبياء إذا حضروا قتالا قدموا التابوت بين يديهم . ويقولون : إن آدم نزل بذلك التابوت وبالركن . وبلغني أن التابوت وعصا موسى في بحيرة طبرية ، وأنهما يخرجان قبل يوم القيامة .
5661 - حدثنا
الحسن بن يحيى قال : أخبرنا
عبد الرزاق قال : أخبرنا
عبد الصمد بن معقل : أنه سمع
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه يقول : إن
أرميا لما خرب
بيت المقدس وحرقت الكتب ، وقف في ناحية الجبل فقال : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام " . ثم رد الله من رد من
بني إسرائيل على رأس سبعين سنة من حين أماته ، يعمرونها ثلاثين سنة تمام المئة . فلما ذهبت المئة ، رد الله إليه روحه ، وقد عمرت ، فهي على حالتها الأولى .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
فلما أراد أن يرد عليهم التابوت أوحى الله إلى نبي من أنبيائهم إما
دانيال وإما غيره : إن كنتم تريدون أن يرفع عنكم المرض ، فأخرجوا عنكم هذا التابوت ! قالوا : بآية ماذا ؟ قال : بآية أنكم تأتون ببقرتين صعبتين لم تعملا عملا قط ، فإذا نظرتا
[ ص: 323 ] إليه وضعتا أعناقهم للنير حتى يشد عليهما ، ثم يشد التابوت على عجل ، ثم يعلق على البقرتين ، ثم يخليان فيسيران حيث يريد الله أن يبلغهما . ففعلوا ذلك ، ووكل الله بهما أربعة من الملائكة يسوقونهما ، فسارت البقرتان سيرا سريعا ، حتى إذا بلغتا طرف القدس كسرتا نيرهما ، وقطعتا حبالهما ، وذهبتا . فنزل إليهما
داود ومن معه ، فلما رأى
داود التابوت حجل إليه فرحا به - فقلنا
لوهب : ما حجل إليه ؟ قال : شبيه بالرقص - فقالت له امرأته : لقد خففت حتى كاد الناس يمقتونك لما صنعت ! قال : أتبطئيني عن طاعة ربي ! ! لا تكونين لي زوجة بعد هذا . ففارقها .
وقال آخرون : بل التابوت الذي جعله الله آية لملك
طالوت كان في البرية ، وكان
موسى - صلى الله عليه وسلم - خلفه عند فتاه
يوشع ، فحملته الملائكة حتى وضعته في دار
طالوت .
[ ص: 324 ]
ذكر من قال ذلك :
5662 - حدثنا
بشر قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة في قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=248إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم " الآية . كان موسى تركه عند فتاه
يوشع بن نون وهو بالبرية ، وأقبلت به الملائكة تحمله حتى وضعته في دار
طالوت فأصبح في داره .
5663 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
إسحاق قال : حدثنا
ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن
الربيع في قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=248إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت " الآية ، قال : كان موسى - فيما ذكر لنا - ترك التابوت عند فتاه
يوشع بن نون وهو في البرية . فذكر لنا أن الملائكة حملته من البرية حتى وضعته في دار
طالوت ، فأصبح التابوت في داره .
قال
أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك بالصواب ما قاله
ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=17285ووهب بن منبه : من أن التابوت كان عند عدو
لبني إسرائيل كان سلبهموه . وذلك أن الله - تعالى ذكره - قال مخبرا عن نبيه في ذلك الزمان قوله لقومه من
بني إسرائيل : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=248إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت " و " الألف واللام " لا تدخلان في مثل هذا من الأسماء إلا في معروف عند المتخاطبين به . وقد عرفه المخبر والمخبر . فقد علم بذلك أن معنى الكلام : إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت الذي قد عرفتموه ، الذي كنتم تستنصرون به ، فيه سكينة من ربكم . ولو كان ذلك تابوتا من التوابيت غير معلوم عندهم قدره
[ ص: 325 ] ومبلغ نفعه قبل ذلك ، لقيل : إن آية ملكه أن يأتيكم تابوت فيه سكينة من ربكم .
فإن ظن ذو غفلة أنهم كانوا قد عرفوا ذلك التابوت وقدر نفعه وما فيه وهو عند
موسى ويوشع ، فإن ذلك ما لا يخفى خطؤه . وذلك أنه لم يبلغنا أن
موسى لاقى عدوا قط بالتابوت ولا فتاه
يوشع ، بل الذي يعرف من أمر
موسى وأمر
فرعون ما قص الله من شأنهما ، وكذلك أمره وأمر الجبارين . وأما فتاه
يوشع ، فإن الذين قالوا هذه المقالة زعموا أن
يوشع خلفه في التيه حتى رد عليهم حين ملك
طالوت . فإن كان الأمر على ما وصفوه فأي الأحوال للتابوت الحال التي عرفوه فيها ، فجاز أن يقال : إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت الذي قد عرفتموه وعرفتم أمره ؟ وفي فساد هذا القول بالذي ذكرنا أبين الدلالة على صحة القول الآخر ، إذ لا قول في ذلك لأهل التأويل غيرهما .
وكانت صفة التابوت فيما بلغنا كما :
5664 - حدثنا
محمد بن عسكر والحسن بن يحيى قالا : أخبرنا
عبد الرزاق قال : أخبرنا
بكار بن عبد الله قال : سألنا
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه عن تابوت
موسى : ما كان ؟ قال : كان نحوا من ثلاثة أذرع في ذراعين .
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ
nindex.php?page=treesubj&link=28973_32419قَوْلِهِ ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=248وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ )
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : وَهَذَا الْخَبَرُ مِنَ اللَّهِ - تَعَالَى ذِكْرُهُ - عَنْ نَبِيِّهِ الَّذِي أَخْبَرَ عَنْهُ بِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَلَأَ مِنْ
بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ هَذَا الْقَوْلُ لَمْ يُقِرُّوا بِبَعْثَةِ اللَّهِ
طَالُوتَ عَلَيْهِمْ مَلِكًا إِذْ أَخْبَرَهُمْ نَبِيُّهُمْ بِذَلِكَ ، وَعَرَّفَهُمْ فَضِيلَتَهُ الَّتِي فَضَّلَهُ اللَّهُ بِهَا ، وَلَكِنَّهُمْ سَأَلُوهُ الدَّلَالَةَ عَلَى صِدْقِ مَا قَالَ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ وَأَخْبَرَهُمْ بِهِ . فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْنَا : " وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ " فَقَالُوا لَهُ : مَا آيَةُ ذَلِكَ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ؟ " وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ " . وَهَذِهِ الْقِصَّةُ - وَإِنْ كَانَتْ خَبَرًا مِنَ اللَّهِ - تَعَالَى ذِكْرُهُ - عَنِ الْمَلَإِ مِنْ
بَنِي إِسْرَائِيلَ وَنَبِيِّهِمْ ، وَمَا كَانَ مِنِ ابْتِدَائِهِمْ نَبِيَّهُمْ بِمَا ابْتَدَءُوا بِهِ مِنْ مَسْأَلَتِهِ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ لَهُمْ أَنْ يَبْعَثَ لَهُمْ مَلِكًا يُقَاتِلُونَ مَعَهُ فِي سَبِيلِهِ ، وَنَبَأً عَمَّا كَانَ مِنْهُمْ مِنْ تَكْذِيبِهِمْ نَبِيَّهُمْ بَعْدَ عِلْمِهِمْ بِنُبُوَّتِهِ ، ثُمَّ إِخْلَافِهِمُ الْمَوْعِدَ الَّذِي وَعَدُوا اللَّهَ وَوَعَدُوا رَسُولَهُ مِنَ
[ ص: 316 ] الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِالتَّخَلُّفِ عَنْهُ حِينَ اسْتُنْهِضُوا لِحَرْبِ مَنِ اسْتُنْهِضُوا لِحَرْبِهِ ، وَفَتَحَ اللَّهُ عَلَى الْقَلِيلِ مِنَ الْفِئَةِ ، مَعَ تَخْذِيلِ الْكَثِيرِ مِنْهُمْ عَنْ مَلِكِهِمْ وَقُعُودِهِمْ عَنِ الْجِهَادِ مَعَهُ - فَإِنَّهُ تَأْدِيبٌ لِمَنْ كَانَ بَيْنَ ظَهَرَانَيْ مُهَاجَرِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ ذَرَارِيهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ يَهُودِ
قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ ، وَأَنَّهُمْ لَنْ يَعْدُوا فِي تَكْذِيبِهِمْ
مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا أَمَرَهُمْ بِهِ وَنَهَاهُمْ عَنْهُ مَعَ عِلْمِهِمْ بِصِدْقِهِ ، وَمَعْرِفَتِهِمْ بِحَقِيقَةِ نُبُوَّتِهِ ، بَعْدَمَا كَانُوا يَسْتَنْصِرُونَ اللَّهَ بِهِ عَلَى أَعْدَائِهِمْ قَبْلَ رِسَالَتِهِ ، وَقَبْلَ بَعْثَةِ اللَّهِ إِيَّاهُ إِلَيْهِمْ وَإِلَى غَيْرِهِمْ أَنْ يَكُونُوا كَأَسْلَافِهِمْ وَأَوَائِلهمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا نَبِيَّهُمْ
شَمْوِيلَ بْنَ بَالِي ، مَعَ عِلْمِهِمْ بِصِدْقِهِ ، وَمَعْرِفَتِهِمْ بِحَقِّيَّةِ نُبُوَّتِهِ ، وَامْتِنَاعِهِمْ مِنَ الْجِهَادِ مَعَ
طَالُوتَ لَمَّا ابْتَعَثَهُ اللَّهُ مَلِكًا عَلَيْهِمْ ، بَعْدَ مَسْأَلَتِهِمْ نَبِيَّهُمُ ابْتِعَاثَ مَلِكٍ يُقَاتِلُونَ مَعَهُ عَدُّوَهُمْ وَيُجَاهِدُونَ مَعَهُ فِي سَبِيلِ رَبِّهِمْ ، ابْتِدَاءً مِنْهُمْ بِذَلِكَ نَبِيَّهُمْ ، وَبَعْدَ مُرَاجَعَةِ نَبِيِّهِمْ
شَمْوِيلَ إِيَّاهُمْ فِي ذَلِكَ ، وَحَضٍّ لِأَهْلِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ مِنْ أَصْحَابِ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ ، وَتَحْذِيرٍ مِنْهُ لَهُمْ أَنْ يَكُونُوا فِي التَّخَلُّفِ عَنْ نَبِيِّهِمْ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ لِقَائِهِ الْعَدُوَّ ، وَمُنَاهَضَتِهِ أَهْلَ الْكُفْرِ بِاللَّهِ وَبِهِ عَلَى مِثْلِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ الْمَلَأُ مِنْ
بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي تَخَلُّفِهِمْ عَنْ مَلِكِهِمْ
طَالُوتَ إِذْ زَحَفَ لِحَرْبِ عَدُوِّ اللَّهِ
جَالُوتَ ، وَإِيثَارِهِمُ الدَّعَةَ وَالْخَفْضَ عَلَى مُبَاشَرَةِ حَرِّ الْجِهَادِ وَالْقِتَالِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، وَشَحْذٍ مِنْهُ لَهُمْ عَلَى الْإِقْدَامِ عَلَى مُنَاجَزَةِ أَهْلِ الْكُفْرِ بِهِ الْحَرْبَ ، وَتَرْكِ تَهَيُّبِ قِتَالِهِمْ أَنْ قَلَّ عَدَدُهُمْ وَكَثُرَ عَدَدُ أَعْدَائِهِمْ وَاشْتَدَّتْ شَوْكَتُهُمْ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=249قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ) [ سُورَةُ الْبَقَرَةِ : 249 ] ، وَإِعْلَامٍ مِنْهُ
[ ص: 317 ] - تَعَالَى ذِكْرُهُ - عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ أَنَّ بِيَدِهِ النَّصْرَ وَالظَّفَرَ وَالْخَيْرَ وَالشَّرَّ .
وَأَمَّا تَأْوِيلُ قَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=248وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ " فَإِنَّهُ يَعْنِي : لِلْمَلَأِ مِنْ
بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ قَالُوا لِنَبِيِّهِمْ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=246ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " .
وَقَوْلُهُ : " إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ " : إِنَّ عَلَامَةَ مُلْكِ
طَالُوتَ الَّتِي سَأَلْتُمُونِيهَا دَلَالَةً عَلَى صِدْقِي فِي قَوْلِي : إِنَّ اللَّهَ بَعَثَهُ عَلَيْكُمْ مَلِكًا ، وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ سِبْطِ الْمَمْلَكَةِ " أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ " وَهُوَ التَّابُوتُ الَّذِي كَانَتْ
بَنُو إِسْرَائِيلَ إِذَا لَقُوا عَدُوًّا لَهُمْ قَدَّمُوهُ أَمَامَهُمْ ، وَزَحَفُوا مَعَهُ ، فَلَا يَقُومُ لَهُمْ مَعَهُ عَدُوٌّ ، وَلَا يَظْهَرُ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ نَاوَأَهُمْ ، حَتَّى ضَيَّعُوا أَمْرَ اللَّهِ ، وَكَثُرَ اخْتِلَافُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ ، فَسَلَبَهُمُ اللَّهُ إِيَّاهُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ ، يَرُدُّهُ إِلَيْهِمْ فِي كُلِّ ذَلِكَ ، حَتَّى سَلَبَهُمْ آخِرَهَا مَرَّةً فَلَمْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِمْ ، وَلَنْ يَرُدَّهُ إِلَيْهِمْ آخِرَ الْأَبَدِ .
ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي سَبَبِ مَجِيءِ التَّابُوتِ الَّذِي جَعَلَ اللَّهُ مَجِيئَهُ إِلَى
بَنِي إِسْرَائِيلَ آيَةً لِصِدْقِ نَبِيِّهِمْ
شَمْوِيلَ عَلَى قَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=247إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا " وَهَلْ كَانَتْ
بَنُو إِسْرَائِيلَ سُلِبُوهُ قَبْلَ ذَلِكَ فَرَدَّهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ حِينَ جَعَلَ مَجِيئَهُ آيَةً لِمُلْكِ
طَالُوتَ ، أَوْ لَمْ يَكُونُوا سُلِبُوهُ قَبْلَ ذَلِكَ ، وَلَكِنَّ اللَّهَ ابْتَدَأَهُمْ بِهِ ابْتِدَاءً ؟
فَقَالَ بَعْضُهُمْ : بَلْ كَانَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ مِنْ عَهْدِ
مُوسَى وَهَارُونَ يَتَوَارَثُونَهُ ، حَتَّى سَلْبَهُمْ إِيَّاهُ مُلُوكٌ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ بِهِ ، ثُمَّ رَدَّهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ آيَةً لِمُلْكِ
طَالُوتَ . وَقَالَ فِي
[ ص: 318 ] سَبَبِ رَدِّهِ عَلَيْهِمْ مَا أَنَا ذَاكِرُهُ وَهُوَ مَا : -
5658 - حَدَّثَنِي بِهِ
الْمُثَنَّى قَالَ : حَدَّثَنَا
إِسْحَاقُ قَالَ : حَدَّثَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ قَالَ : حَدَّثَنِي
عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ مَعْقِلٍ : أَنَّهُ سَمِعَ
nindex.php?page=showalam&ids=17285وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ قَالَ : كَانَ
لِعَيْلَى الَّذِي رَبَّى
شَمْوِيلَ ، ابْنَانِ شَابَّانِ أَحْدَثَا فِي الْقُرْبَانِ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ، كَانَ مِسْوَطُ الْقُرْبَانِ الَّذِي كَانُوا يَسُوطُونَهُ بِهِ كُلَّابَيْنِ فَمَا أَخْرَجَا كَانَ لِلْكَاهِنِ الَّذِي يَسُوطُهُ ، فَجَعَلَهُ ابْنَاهُ كَلَالِيبَ . وَكَانَا إِذَا جَاءَ النِّسَاءُ يُصَلِّينَ فِي الْقُدْسِ يَتَشَبَّثَانِ بِهِنَّ . فَبَيْنَا
شَمْوِيلُ نَائِمٌ قِبَلَ الْبَيْتِ الَّذِي كَانَ يَنَامُ فِيهِ
عَيْلَى إِذْ سَمِعَ صَوْتًا يَقُولُ :
أَشَمْوِيلُ ! ! فَوَثَبَ إِلَى
عَيْلَى فَقَالَ : لَبَّيْكَ ! مَا لَكَ ! دَعَوْتَنِي ؟ فَقَالَ : لَا ! ارْجِعْ فَنَمْ ! فَرَجَعَ فَنَامَ ، ثُمَّ سَمِعَ صَوْتًا آخَرَ يَقُولُ :
أَشَمْوِيلُ ! ! فَوَثَبَ إِلَى
عَيْلَى - أَيْضًا - فَقَالَ : لَبَّيْكَ ! مَا لَكَ ! دَعَوْتِنِي ؟ فَقَالَ : لَمْ أَفْعَلْ ، ارْجِعْ فَنَمْ ، فَإِنْ سَمِعْتَ شَيْئًا فَقُلْ : " لَبَّيْكَ " مَكَانَكَ " مُرْنِي فَأَفْعَلَ " ! فَرَجَعَ فَنَامَ ، فَسَمِعَ صَوْتًا أَيْضًا يَقُولُ :
أَشَمْوِيلُ ! ! فَقَالَ : لَبَّيْكَ أَنَا هَذَا ! مُرْنِي أَفْعَلْ ! قَالَ : انْطَلِقْ إِلَى
عَيْلَى فَقُلْ لَهُ : " مَنَعَهُ حُبُّ الْوَلَدِ أَنْ يَزْجُرَ ابْنَيْهِ أَنْ يُحْدِثَا فِي قُدْسِي وَقُرْبَانِي ، وَأَنْ يَعْصِيَانِي ، فَلَأَنْزِعَنَّ مِنْهُ الْكِهَانَةَ وَمِنْ وَلَدِهِ ، وَلَأُهْلِكَنَّهُ وَإِيَّاهُمَا " ! فَلَمَّا أَصْبَحَ سَأَلَهُ
عَيْلَى فَأَخْبَرَهُ ، فَفَزِعَ لِذَلِكَ فَزَعًا شَدِيدًا . فَسَارَ إِلَيْهِمْ عَدُوٌّ مِمَّنْ
[ ص: 319 ] حَوْلَهُمْ ، فَأَمَرَ ابْنَيْهِ أَنْ يَخْرُجَا بِالنَّاسِ فَيُقَاتِلَا ذَلِكَ الْعَدُوِّ . فَخَرَجَا وَأَخْرَجَا مَعَهُمَا التَّابُوتَ الَّذِي كَانَ فِيهِ اللَّوْحَانِ وَعَصَا
مُوسَى لِيُنْصَرُوا بِهِ . فَلَمَّا تَهَيَّئُوا لِلْقِتَالِ هُمْ وَعَدُوُّهُمْ ، جَعَلَ
عَيْلَى يَتَوَقَّعُ الْخَبَرَ مَاذَا صَنَعُوا ؟ فَجَاءَهُ رَجُلٌ يُخْبِرُهُ وَهُوَ قَاعِدٌ عَلَى كُرْسِيِّهِ : إِنَّ ابْنَيْكَ قَدْ قُتِلَا وَإِنَّ النَّاسَ قَدِ انْهَزَمُوا ! قَالَ : فَمَا فَعَلَ التَّابُوتُ ؟ قَالَ : ذَهَبَ بِهِ الْعَدُوُّ ! قَالَ : فَشَهِقَ وَوَقَعَ عَلَى قَفَاهُ مِنْ كُرْسِيِّهِ فَمَاتَ . وَذَهَبَ الَّذِينَ سَبَوُا التَّابُوتَ حَتَّى وَضَعُوهُ فِي بَيْتِ آلِهَتِهِمْ ، وَلَهُمْ صَنَمٌ يَعْبُدُونَهُ ، فَوَضَعُوهُ تَحْتَ الصَّنَمِ ، وَالصَّنَمُ مِنْ فَوْقِهِ ، فَأَصْبَحَ مِنَ الْغَدِ وَالصَّنَمُ تَحْتَهُ وَهُوَ فَوْقَ الصَّنَمِ . ثُمَّ أَخَذُوهُ فَوَضَعُوهُ فَوْقَهُ وَسَمَّرُوا قَدَمَيْهِ فِي التَّابُوتِ ، فَأَصْبَحَ مِنَ الْغَدِ قَدْ تَقَطَّعَتْ يَدَا الصَّنَمِ وَرِجْلَاهُ ، وَأَصْبَحَ مُلْقًى تَحْتَ التَّابُوتِ . فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : قَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ إِلَهَ
بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا يَقُومُ لَهُ شَيْءٌ ، فَأَخْرِجُوهُ مِنْ بَيْتِ آلِهَتِكُمْ ! فَأَخْرَجُوا التَّابُوتَ فَوَضَعُوهُ فِي نَاحِيَةٍ مِنْ قَرْيَتِهِمْ ، فَأَخَذَ أَهْلَ تِلْكَ النَّاحِيَةِ الَّتِي وَضَعُوا فِيهَا التَّابُوتَ وَجَعٌ فِي أَعْنَاقِهِمْ ، فَقَالُوا : مَا هَذَا ؟ ! فَقَالَتْ لَهُمْ جَارِيَةٌ كَانَتْ عِنْدَهُمْ مِنْ سَبْيِ
بَنِي إِسْرَائِيلَ : لَا تَزَالُونَ تَرَوْنَ مَا تَكْرَهُونَ مَا كَانَ هَذَا التَّابُوتُ فِيكُمْ ! فَأَخْرِجُوهُ مِنْ قَرْيَتِكُمْ ! قَالُوا : كَذَبْتِ ! قَالَتْ : إِنَّ آيَةَ ذَلِكَ أَنْ تَأْتُوا بِبَقَرَتَيْنِ لَهُمَا أَوْلَادٌ لَمْ يُوضَعْ عَلَيْهِمَا نِيرٌ قَطُّ ، ثُمَّ تَضَعُوا وَرَاءَهُمُ الْعَجَلَ ، ثُمَّ تَضَعُوا التَّابُوتَ عَلَى الْعَجَلِ وَتُسَيِّرُوهُمَا وَتَحْبِسُوا أَوْلَادَهُمَا ، فَإِنَّهُمَا تَنْطَلِقَانِ بِهِ مُذْعِنَتَيْنِ ، حَتَّى إِذَا خَرَجَتَا مِنْ أَرْضِكُمْ وَوَقَعَتَا فِي أَرْضِ
بَنِي إِسْرَائِيلَ كَسَرَتَا نِيرَهُمَا ، وَأَقْبَلَتَا إِلَى أَوْلَادِهِمَا . فَفَعَلُوا ذَلِكَ ، فَلَمَّا خَرَجَتَا مِنْ أَرْضِهِمْ وَوَقَعَتَا فِي أَدْنَى أَرْضِ
بَنِي إِسْرَائِيلَ كَسَرَتَا نِيرَهُمَا ، وَأَقْبَلَتَا إِلَى أَوْلَادِهِمَا . وَوَضَعَتَاهُ فِي خَرِبَةٍ فِيهَا حَصَادٌ مِنْ
بَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَفَزَعَ إِلَيْهِ
[ ص: 320 ] بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ ، فَجَعْلَ لَا يَدْنُو مِنْهُ أَحَدٌ إِلَّا مَاتَ . فَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ
شَمْوِيلُ : اعْتَرِضُوا ، فَمَنْ آنَسَ مِنْ نَفْسِهِ قُوَّةً فَلْيَدْنُ مِنْهُ . فَعَرَضُوا عَلَيْهِ النَّاسَ ، فَلَمْ يَقْدِرْ أَحَدٌ يَدْنُو مِنْهُ إِلَّا رَجُلَانِ مِنْ
بَنِي إِسْرَائِيلَ ، أُذِنَ لَهُمَا بِأَنْ يَحْمِلَاهُ إِلَى بَيْتِ أُمِّهِمَا ، وَهِيَ أَرْمَلَةٌ . فَكَانَ فِي بَيْتِ أُمِّهِمَا حَتَّى مَلَكَ
طَالُوتُ ، فَصَلَحَ أَمْرُ
بَنِي إِسْرَائِيلَ مَعَ
أَشْمَوِيلَ .
5659 - حَدَّثَنَا
ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
سَلَمَةُ ، عَنِ
ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ : حَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17285وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ : قَالَ
شَمْوِيلُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ لَمَّا قَالُوا لَهُ : أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ المَالِ ؟ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ ، وَإِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ - وَإِنَّ تَمْلِيكَهُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ - أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ ، فَيَرُدُّ عَلَيْكُمُ الَّذِي فِيهِ مِنَ السَّكِينَةِ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ
آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ ، وَهُوَ الَّذِي كُنْتُمْ تَهْزِمُونَ بِهِ مَنْ لَقِيَكُمْ مِنَ العَدُوِّ ، وَتَظْهَرُونَ بِهِ عَلَيْهِ . قَالُوا : فَإِنْ جَاءَنَا التَّابُوتُ فَقَدْ رَضِينَا وَسَلَّمْنَا ! وَكَانَ الْعَدُوُّ الَّذِينَ أَصَابُوا التَّابُوتَ أَسْفَلَ مِنَ الْجَبَلِ جَبَلِ
إِيلِيَّا فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ
مِصْرَ ، وَكَانُوا أَصْحَابَ أَوْثَانٍ ، وَكَانَ فِيهِمْ
جَالُوتُ . وَكَانَ
جَالُوتُ رَجُلًا قَدْ أُعْطِيَ بَسْطَةً فِي الْجِسْمِ ، وَقُوَّةً فِي الْبَطْشِ ، وَشِدَّةً فِي الْحَرْبِ ، مَذْكُورًا بِذَلِكَ فِي النَّاسِ . وَكَانَ التَّابُوتُ حِينَ اسْتُبِيَ قَدْ جُعِلَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى
فِلَسْطِينَ يُقَالُ لَهَا : "
أَزْدُودُ " فَكَانُوا قَدْ جَعَلُوا التَّابُوتَ فِي
[ ص: 321 ] كَنِيسَةٍ فِيهَا أَصْنَامُهُمْ . فَلَمَّا كَانَ مِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا كَانَ : مِنْ وَعْدِ
بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّ التَّابُوتَ سَيَأْتِيهِمْ - جَعَلَتْ أَصْنَامُهُمْ تُصْبِحُ فِي الْكَنِيسَةِ مُنَكَّسَةً عَلَى رُءُوسِهَا ، وَبَعَثَ اللَّهُ عَلَى أَهْلِ تِلْكَ الْقَرْيَةِ فَأْرًا ، تُبَيِّتُ الْفَأْرَةُ الرَّجُلَ فَيُصْبِحُ مَيِّتًا ، قَدْ أَكَلَتْ مَا فِي جَوْفِهِ مِنْ دُبُرِهِ . قَالُوا : تَعْلَمُونَ وَاللَّهِ لَقَدْ أَصَابَكُمْ بَلَاءٌ مَا أَصَابَ أُمَّةً مِنَ الْأُمَمِ مِثْلُهُ ، وَمَا نَعْلَمُهُ أَصَابَنَا إِلَّا مُذْ كَانَ هَذَا التَّابُوتُ بَيْنَ أَظْهُرِنَا ! ! مَعَ أَنَّكُمْ قَدْ رَأَيْتُمْ أَصْنَامَكُمْ تُصْبِحُ كُلَّ غَدَاةٍ مُنَكَّسَةً ، شَيْءٌ لَمْ يَكُنْ يُصْنَعُ بِهَا حَتَّى كَانَ هَذَا التَّابُوتُ مَعَهَا ! فَأَخْرِجُوهُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِكُمْ . فَدَعَوْا بِعَجَلَةٍ فَحَمَلُوا عَلَيْهَا التَّابُوتَ ، ثُمَّ عَلَّقُوهَا بِثَوْرَيْنِ ، ثُمَّ ضَرَبُوا عَلَى جُنُوبِهِمَا ، وَخَرَجَتِ الْمَلَائِكَةُ بِالثَّوْرَيْنِ تَسُوقُهُمَا ، فَلَمْ يَمُرَّ التَّابُوتُ بِشَيْءٍ مِنَ الْأَرْضِ إِلَّا كَانَ قُدْسًا . فَلَمْ يَرُعْهُمْ إِلَّا التَّابُوتُ عَلَى عَجَلَةٍ يَجُرُّهَا الثَّوْرَانِ ، حَتَّى وَقَفَ عَلَى
بَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَكَبَّرُوا وَحَمِدُوا اللَّهَ ، وَجَدُّوا فِي حَرْبِهِمْ ، وَاسْتَوْسَقُوا عَلَى
طَالُوتَ .
5660 - حَدَّثَنَا
الْقَاسِمُ قَالَ : حَدَّثَنَا
الْحُسَيْنُ قَالَ : حَدَّثَنِي
حَجَّاجٌ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ : قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ : لَمَّا قَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ : إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى
طَالُوتَ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ - أَبَوْا أَنْ يُسَلِّمُوا لَهُ الرِّيَاسَةَ ، حَتَّى قَالَ لَهُمْ : " إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ " . فَقَالَ لَهُمْ : أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَاءَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ ! !
[ ص: 322 ] وَكَانَ مُوسَى حِينَ أَلْقَى الْأَلْوَاحَ تَكَسَّرَتْ وَرُفِعَ مِنْهَا . فَنَزَلَ فَجَمَعَ مَا بَقِيَ فَجَعَلَهُ فِي ذَلِكَ التَّابُوتِ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنُ جُرَيْجٍ : أَخْبَرَنِي
يَعْلَى بْنُ مُسْلِمٍ ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنَ الْأَلْوَاحِ إِلَّا سُدُسُهَا . قَالَ : وَكَانَتِ الْعَمَالِقَةُ قَدْ سَبَتْ ذَلِكَ التَّابُوتَ - وَالْعَمَالِقَةُ فِرْقَةٌ مِنْ عَادٍ كَانُوا بِأَرِيحَا - فَجَاءَتِ الْمَلَائِكَةُ بِالتَّابُوتِ تَحْمِلُهُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَى التَّابُوتِ ، حَتَّى وَضَعَتْهُ عِنْدَ
طَالُوتَ . فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَالُوا : نَعَمْ ! فَسَلَّمُوا لَهُ وَمَلَّكُوهُ . قَالَ : وَكَانَ الْأَنْبِيَاءُ إِذَا حَضَرُوا قِتَالًا قَدَّمُوا التَّابُوتَ بَيْنَ يَدَيْهِمْ . وَيَقُولُونَ : إِنَّ آدَمَ نَزَلَ بِذَلِكَ التَّابُوتِ وَبِالرُّكْنِ . وَبَلَغَنِي أَنَّ التَّابُوتَ وَعَصَا مُوسَى فِي بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ ، وَأَنَّهُمَا يَخْرُجَانِ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ .
5661 - حَدَّثَنَا
الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ : أَخْبَرَنَا
عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ : أَخْبَرَنَا
عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ مَعْقِلٍ : أَنَّهُ سَمِعَ
nindex.php?page=showalam&ids=17285وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ يَقُولُ : إِنَّ
أَرَمْيَا لَمَّا خُرِّبَ
بَيْتُ الْمَقْدِسِ وَحُرِّقَتِ الْكُتُبُ ، وَقَفَ فِي نَاحِيَةِ الْجَبَلِ فَقَالَ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ " . ثُمَّ رَدَّ اللَّهُ مَنْ رَدَّ مِنْ
بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى رَأْسِ سَبْعِينَ سَنَةً مِنْ حِينِ أَمَاتَهُ ، يُعَمِّرُونَهَا ثَلَاثِينَ سَنَةً تَمَامَ الْمِئَةِ . فَلَمَّا ذَهَبَتِ الْمِئَةُ ، رَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ رُوحَهُ ، وَقَدْ عُمِّرَتْ ، فَهِيَ عَلَى حَالَتِهَا الْأُولَى .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمُ التَّابُوتَ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى نَبِيٍّ مِنْ أَنْبِيَائِهِمْ إِمَّا
دَانْيَالُ وَإِمَّا غَيْرُهُ : إِنْ كُنْتُمْ تُرِيدُونَ أَنْ يُرْفَعَ عَنْكُمُ الْمَرَضُ ، فَأَخْرِجُوا عَنْكُمْ هَذَا التَّابُوتَ ! قَالُوا : بِآيَةِ مَاذَا ؟ قَالَ : بِآيَةِ أَنَّكُمْ تَأْتُونَ بِبَقَرَتَيْنِ صَعْبَتَيْنِ لَمْ تَعْمَلَا عَمَلًا قَطُّ ، فَإِذَا نَظَرَتَا
[ ص: 323 ] إِلَيْهِ وَضَعَتَا أَعْنَاقَهُمْ لِلنِّيرِ حَتَّى يُشَدَّ عَلَيْهِمَا ، ثُمَّ يُشَدُّ التَّابُوتُ عَلَى عَجَلٍ ، ثُمَّ يُعَلَّقُ عَلَى الْبَقَرَتَيْنِ ، ثُمَّ يُخَلَّيَانِ فَيَسِيرَانِ حَيْثُ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُبَلِّغَهُمَا . فَفَعَلُوا ذَلِكَ ، وَوَكَّلَ اللَّهُ بِهِمَا أَرْبَعَةً مِنَ المَلَائِكَةِ يَسُوقُونَهُمَا ، فَسَارَتِ الْبَقَرَتَانِ سَيْرًا سَرِيعًا ، حَتَّى إِذَا بَلَغَتَا طَرَفَ الْقُدْسِ كَسَرَتَا نِيرَهُمَا ، وَقَطَعَتَا حِبَالَهُمَا ، وَذَهَبَتَا . فَنَزَلَ إِلَيْهِمَا
دَاوُدُ وَمَنْ مَعَهُ ، فَلَمَّا رَأَى
دَاوُدُ التَّابُوتَ حَجَلَ إِلَيْهِ فَرَحًا بِهِ - فَقُلْنَا
لِوَهْبٍ : مَا حَجَلَ إِلَيْهِ ؟ قَالَ : شَبِيهٌ بِالرَّقْصِ - فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ : لَقَدْ خَفِفْتَ حَتَّى كَادَ النَّاسُ يَمْقُتُونَكَ لِمَا صَنَعْتَ ! قَالَ : أَتُبَطِّئِينِي عَنْ طَاعَةِ رَبِّي ! ! لَا تَكُونِينَ لِي زَوْجَةً بَعْدَ هَذَا . فَفَارَقَهَا .
وَقَالَ آخَرُونَ : بَلِ التَّابُوتُ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ آيَةً لِمُلْكِ
طَالُوتَ كَانَ فِي الْبَرِّيَّةِ ، وَكَانَ
مُوسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَلَّفَهُ عِنْدَ فَتَاهُ
يُوشِعَ ، فَحَمَلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ حَتَّى وَضَعَتْهُ فِي دَارِ
طَالُوتَ .
[ ص: 324 ]
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
5662 - حَدَّثَنَا
بِشْرٌ قَالَ : حَدَّثَنَا
يَزِيدُ قَالَ : حَدَّثَنَا
سَعِيدٌ ، عَنْ
قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=248إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ " الْآيَةَ . كَانَ مُوسَى تَرَكَهُ عِنْدَ فَتَاهُ
يُوشَعَ بْنِ نُونَ وَهُوَ بِالْبَرِّيَّةِ ، وَأَقْبَلَتْ بِهِ الْمَلَائِكَةُ تَحْمِلُهُ حَتَّى وَضَعَتْهُ فِي دَارِ
طَالُوتَ فَأَصْبَحَ فِي دَارِهِ .
5663 - حَدَّثَنِي
الْمُثَنَّى قَالَ : حَدَّثَنَا
إِسْحَاقُ قَالَ : حَدَّثَنَا
ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ
الرَّبِيعِ فِي قَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=248إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ " الْآيَةَ ، قَالَ : كَانَ مُوسَى - فِيمَا ذُكِرَ لَنَا - تَرَكَ التَّابُوتَ عِنْدَ فَتَاهُ
يُوشَعَ بْنِ نُونَ وَهُوَ فِي الْبَرِّيَّةِ . فَذُكِرَ لَنَا أَنَّ الْمَلَائِكَةَ حَمَلَتْهُ مِنَ الْبَرِّيَّةِ حَتَّى وَضَعَتْهُ فِي دَارِ
طَالُوتَ ، فَأَصْبَحَ التَّابُوتُ فِي دَارِهِ .
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ مَا قَالَهُ
ابْنُ عَبَّاسٍ nindex.php?page=showalam&ids=17285وَوَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ : مِنْ أَنَّ التَّابُوتَ كَانَ عِنْدَ عَدُوٍّ
لِبَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ سَلَبَهُمُوهُ . وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى ذِكْرُهُ - قَالَ مُخْبِرًا عَنْ نَبِيِّهِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ قَوْلَهُ لِقَوْمِهِ مِنْ
بَنِي إِسْرَائِيلَ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=248إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ " و " الْأَلِفُ وَاللَّامُ " لَا تَدْخُلَانِ فِي مِثْلِ هَذَا مِنَ الْأَسْمَاءِ إِلَّا فِي مَعْرُوفٍ عِنْدَ الْمُتَخَاطِبِينَ بِهِ . وَقَدْ عَرَفَهُ الْمُخْبِرُ وَالْمُخْبَرُ . فَقَدْ عُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ : إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ الَّذِي قَدْ عَرِفْتُمُوهُ ، الَّذِي كُنْتُمْ تَسْتَنْصِرُونَ بِهِ ، فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ . وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ تَابُوتًا مِنَ التَّوَابِيتِ غَيْرَ مَعْلُومٍ عِنْدَهُمْ قَدْرُهُ
[ ص: 325 ] وَمَبْلَغُ نَفْعِهِ قَبْلَ ذَلِكَ ، لَقِيلَ : إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ تَابُوتٌ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ .
فَإِنْ ظَنَّ ذُو غَفْلَةٍ أَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ عَرَفُوا ذَلِكَ التَّابُوتَ وَقَدْرَ نَفْعِهِ وَمَا فِيهِ وَهُوَ عِنْدَ
مُوسَى وَيُوشَعَ ، فَإِنَّ ذَلِكَ مَا لَا يَخْفَى خَطَؤُهُ . وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ
مُوسَى لَاقَى عَدُوًّا قَطُّ بِالتَّابُوتِ وَلَا فَتَاهُ
يُوشَعُ ، بَلِ الَّذِي يُعْرَفُ مِنْ أَمْرِ
مُوسَى وَأَمْرِ
فِرْعَوْنَ مَا قَصَّ اللَّهُ مِنْ شَأْنِهِمَا ، وَكَذَلِكَ أَمْرُهُ وَأَمْرُ الْجَبَّارِينَ . وَأَمَّا فَتَاهُ
يُوشَعُ ، فَإِنَّ الَّذِينَ قَالُوا هَذِهِ الْمَقَالَةَ زَعَمُوا أَنَّ
يُوشَعَ خَلَّفَهُ فِي التِّيهِ حَتَّى رُدَّ عَلَيْهِمْ حِينَ مَلَكَ
طَالُوتُ . فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفُوهُ فَأَيُّ الْأَحْوَالِ لِلتَّابُوتِ الْحَالُ الَّتِي عَرَفُوهُ فِيهَا ، فَجَازَ أَنْ يُقَالَ : إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ الَّذِي قَدْ عَرَفْتُمُوهُ وَعَرَفْتُمْ أَمْرَهُ ؟ وَفِي فَسَادِ هَذَا الْقَوْلِ بِالَّذِي ذَكَرْنَا أَبْيَنُ الدَّلَالَةِ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ الْآخَرِ ، إِذْ لَا قَوْلَ فِي ذَلِكَ لِأَهْلِ التَّأْوِيلِ غَيْرُهُمَا .
وَكَانَتْ صِفَةُ التَّابُوتِ فِيمَا بَلَغَنَا كَمَا :
5664 - حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عَسْكَرٍ وَالْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَا : أَخْبَرَنَا
عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ : أَخْبَرَنَا
بَكَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : سَأَلْنَا
nindex.php?page=showalam&ids=17285وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ عَنْ تَابُوتِ
مُوسَى : مَا كَانَ ؟ قَالَ : كَانَ نَحْوًا مِنْ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ فِي ذِرَاعَيْنِ .