القول في تأويل قوله تعالى ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين    ( 251 ) ) 
قال أبو جعفر   : يعني - تعالى ذكره - بذلك : ولولا أن الله يدفع ببعض الناس وهم أهل الطاعة له والإيمان به بعضا وهم أهل المعصية لله والشرك به ، كما دفع عن المتخلفين عن طالوت  يوم جالوت  من أهل الكفر بالله والمعصية له - وقد أعطاهم ما سألوا ربهم ابتداء من بعثة ملك عليهم ليجاهدوا معه في سبيله بمن جاهد معه من أهل الإيمان بالله واليقين والصبر - جالوت  وجنوده " لفسدت الأرض " يعني : لهلك أهلها بعقوبة الله إياهم ، ففسدت بذلك الأرض ولكن الله ذو من على خلقه وتطول عليهم بدفعه بالبر من خلقه عن الفاجر ، وبالمطيع عن العاصي منهم ، وبالمؤمن عن الكافر .  [ ص: 373 ] 
وهذه الآية إعلام من الله - تعالى ذكره - أهل النفاق الذين كانوا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المتخلفين عن مشاهده والجهاد معه للشك الذي في نفوسهم ومرض قلوبهم ، والمشركين وأهل الكفر منهم ، وأنه إنما يدفع عنهم معاجلتهم العقوبة على كفرهم ونفاقهم بإيمان المؤمنين به وبرسوله الذين هم أهل البصائر والجد في أمر الله ، وذوو اليقين بإنجاز الله إياهم وعده على جهاد أعدائه وأعداء رسوله من النصر في العاجل ، والفوز بجنانه في الآجل . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
5749 - حدثني محمد بن عمر  قال : حدثنا أبو عاصم  عن عيسى  ، عن ابن أبي نجيح  ، عن مجاهد  في قول الله : " ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض   " يقول : ولولا دفع الله بالبر عن الفاجر ، وببقية أخلاف الناس بعضهم عن بعض " لفسدت الأرض " بهلاك أهلها  . 
5750 - حدثني المثنى  قال : حدثنا أبو حذيفة  قال : حدثنا شبل  ، عن ابن أبي نجيح  ، عن مجاهد   : " ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض   " يقول : ولولا دفاع الله بالبر عن الفاجر ، وببقية أخلاف الناس بعضهم عن بعض لهلك أهلها . 
5751 - حدثنا ابن وكيع  قال : حدثنا أبي ، عن حنظلة  ، عن أبي مسلم  قال : سمعت عليا  يقول : لولا بقية من المسلمين فيكم لهلكتم  .  [ ص: 374 ] 
5752 - حدثني المثنى  قال : حدثنا إسحاق  قال : حدثنا ابن أبي جعفر  ، عن أبيه ، عن الربيع  في قوله : " ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض   " يقول : لهلك من في الأرض  . 
5753 - حدثني أبو حميد الحمصي أحمد بن المغيرة  قال : حدثنا يحيى بن سعيد  قال : حدثنا حفص بن سليمان  ، عن محمد بن سوقة  ، عن وبرة بن عبد الرحمن  ، عن ابن عمر  قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الله ليدفع بالمؤمن الصالح عن مائة أهل بيت من جيرانه البلاء " ثم قرأ ابن عمر   : " ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض   "  . 
5754 - حدثني أحمد أبو حميد الحمصي  قال : حدثنا يحيى بن سعيد  قال : حدثنا عثمان بن عبد الرحمن  ، عن محمد بن المنكدر  ، عن  جابر بن عبد الله  قال :  [ ص: 375 ] قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن الله ليصلح بصلاح الرجل المسلم ولده وولد ولده وأهل دويرته ودويرات حوله ، ولا يزالون في حفظ الله ما دام فيهم  . 
قال أبو جعفر   : وقد دللنا على قوله : " العالمين " وذكرنا الرواية فيه . 
وأما القرأة ، فإنها اختلفت في قراءة قوله : " ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض   " . 
فقرأته جماعة من القرأة : ( ولولا دفع الله   ) على وجه المصدر من قول القائل :  [ ص: 376 ]  " دفع الله عن خلقه فهو يدفع دفعا " . واحتجت لاختيارها ذلك بأن الله - تعالى ذكره - هو المتفرد بالدفع عن خلقه ، ولا أحد يدافعه فيغالبه . 
وقرأت ذلك جماعة أخر من القرأة : ( ولولا دفاع الله الناس ) على وجه المصدر من قول القائل : " دافع الله عن خلقه فهو يدافع مدافعة ودفاعا " واحتجت لاختيارها ذلك بأن كثيرا من خلقه يعادون أهل دين الله وولايته والمؤمنين به ، فهم بمحاربتهم إياهم ومعاداتهم لهم لله مدافعون بظنونهم ، ومغالبون بجهلهم ، والله مدافعهم عن أوليائه وأهل طاعته والإيمان به . 
قال أبو جعفر   : والقول في ذلك عندي أنهما قراءتان قد قرأت بهما القرأة ، وجاءت بهما جماعة الأمة ، وليس في القراءة بأحد الحرفين إحالة معنى الآخر . وذلك أن من دافع غيره عن شيء فمدافعه عنه بشيء دافع . ومتى امتنع المدفوع عن الاندفاع فهو لمدافعه مدافع . ولا شك أن جالوت  وجنوده كانوا بقتالهم طالوت  وجنوده محاولين مغالبة حزب الله وجنده ، وكان في محاولتهم ذلك محاولة مغالبة الله ودفاعه عما قد تضمن لهم من النصرة . وذلك هو معنى " مدافعة الله " عن الذين دافع الله عنهم بمن قاتل جالوت  وجنوده من أوليائه . فبين إذا أن سواء قراءة من قرأ : ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض   ) وقراءة من قرأ : ( ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض ) في التأويل والمعنى . 
				
						
						
