القول في ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام ) تأويل قوله (
قال أبو جعفر : يعني - تعالى ذكره - بقوله : ( ثم بعثه ) ، ثم أثاره حيا من بعد مماته .
وقد دللنا على معنى " البعث " فيما مضى قبل .
وأما معنى قوله ( كم لبثت ) فإن " كم " استفهام في كلام العرب عن مبلغ العدد ، وهو في هذا الموضع نصب ب " لبثت " وتأويله : قال الله له : [ ص: 458 ] كم قدر الزمان الذي لبثت ميتا قبل أن أبعثك من مماتك حيا ؟ قال المبعوث بعد مماته : لبثت ميتا إلى أن بعثتني حيا يوما واحدا أو بعض يوم .
وذكر أن المبعوث هو أرميا ، أو عزير ، أو من كان ممن أخبر الله عنه هذا الخبر .
وإنما قال : ( لبثت يوما أو بعض يوم ) ؛ لأن الله - تعالى ذكره - كان قبض روحه أول النهار ، ثم رد روحه آخر النهار بعد المائة عام فقيل له : ( كم لبثت ) ؟ قال : لبثت يوما ، وهو يرى أن الشمس قد غربت . فكان ذلك عنده يوما ؛ لأنه ذكر أنه قبض روحه أول النهار وسئل عن مقدار لبثه ميتا آخر النهار ، وهو يرى أن الشمس قد غربت . فقال : ( لبثت يوما ) ، ثم رأى بقية من الشمس قد بقيت لم تغرب ، فقال : ( أو بعض يوم ) بمعنى : بل بعض يوم ، كما قال - تعالى ذكره - : ( وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون ) [ الصافات : 147 ] ، بمعنى : بل يزيدون . فكان قوله : ( أو بعض يوم ) رجوعا منه عن قوله : ( لبثت يوما ) .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
5914 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم ) قال : ذكر لنا أنه مات ضحى ، ثم بعثه قبل غيبوبة الشمس ، فقال : ( لبثت يوما ) ، ثم التفت فرأى بقية من الشمس ، فقال : ( أو بعض يوم ) ، فقال : ( بل لبثت مائة عام ) .
5915 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر ، [ ص: 459 ] عن قتادة : ( أنى يحيي هذه الله بعد موتها ) قال : مر على قرية فتعجب ، فقال : ( أنى يحيي هذه الله بعد موتها ) فأماته الله أول النهار ، فلبث مائة عام ، ثم بعثه في آخر النهار ، فقال : ( كم لبثت ) ؟ قال : ( لبثت يوما أو بعض يوم ) ، قال : ( بل لبثت مائة عام ) .
5916 - حدثت عن عمار بن الحسن قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، قال : قال الربيع : أماته الله مائة عام ، ثم بعثه ، قال : ( كم لبثت ) ؟ قال : ( لبثت يوما أو بعض يوم ) . قال : ( بل لبثت مائة عام ) .
5917 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج قال : قال : لما وقف على ابن جريج بيت المقدس وقد خربه بختنصر قال : ( أنى يحيي هذه الله بعد موتها ) ! كيف يعيدها كما كانت ؟ فأماته الله . قال : وذكر لنا أنه مات ضحى ، وبعث قبل غروب الشمس بعد مائة عام ، فقال : ( كم لبثت ) ؟ قال : ( يوما ) ، فلما رأى الشمس قال : ( أو بعض يوم ) .