قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : الذين يربون .
و " الإرباء " الزيادة على الشيء ، يقال منه : " أربى فلان على فلان " إذا زاد عليه " يربي إرباء " والزيادة هي " " " وربا الشيء " إذا زاد على ما كان عليه فعظم " فهو يربو ربوا " . وإنما قيل للرابية [ رابية ] ؛ لزيادتها في العظم والإشراف على ما استوى من الأرض مما حولها من قولهم : " ربا يربو " . ومن ذلك قيل : " فلان في رباوة قومه " يراد أنه في رفعة وشرف منهم . فأصل " الربا " الإنافة والزيادة ، ثم يقال : " أربى فلان " أي أناف [ ماله حين ] صيره زائدا . وإنما قيل للمربي : " مرب " ؛ لتضعيفه المال الذي كان له على غريمه حالا أو لزيادته عليه فيه لسبب الأجل الذي يؤخره إليه فيزيده إلى أجله الذي كان له قبل حل دينه عليه . ولذلك قال - جل ثناؤه - : ( الربا يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة ) . [ آل عمران : 131 ] . [ ص: 8 ]
وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل :
ذكر من قال ذلك :
6235 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال في الربا الذي نهى الله عنه : كانوا في الجاهلية يكون للرجل على الرجل الدين فيقول : لك كذا وكذا وتؤخر عني ؟ فيؤخر عنه .
6236 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .
6237 - حدثني بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة : أن : يبيع الرجل البيع إلى أجل مسمى ، فإذا حل الأجل ولم يكن عند صاحبه قضاء ، زاده وأخر عنه . ربا أهل الجاهلية
قال أبو جعفر : فقال - جل ثناؤه - : الذين يربون الربا الذي وصفنا صفته في الدنيا " لا يقومون " في الآخرة من قبورهم " إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس " يعني بذلك : يتخبله الشيطان في الدنيا ، وهو الذي يخنقه فيصرعه " من المس " يعني : من الجنون .
وبمثل ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
6238 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، [ ص: 9 ] عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله - عز وجل - : " الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس " يوم القيامة في أكل الربا في الدنيا .
6239 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله .
6240 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحجاج بن المنهال قال : حدثنا ربيعة بن كلثوم قال حدثني أبي ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : " الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس " قال : ذلك حين يبعث من قبره .
6241 - حدثني المثنى قال : حدثنا مسلم بن إبراهيم قال : حدثنا ربيعة بن كلثوم قال حدثني أبي ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : يقال يوم القيامة لآكل الربا : " خذ سلاحك للحرب " وقرأ : " لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس " قال : ذلك حين يبعث من قبره .
6242 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير عن أشعث عن جعفر عن سعيد بن جبير : " الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس " الآية . قال : يبعث آكل الربا يوم القيامة مجنونا يخنق .
6243 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : [ ص: 10 ] " الذين يأكلون الربا لا يقومون " الآية ، وتلك علامة أهل الربا يوم القيامة ، بعثوا وبهم خبل من الشيطان .
6244 - حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة في قوله : " لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس " قال : هو التخبل الذي يتخبله الشيطان من الجنون .
6245 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه ، عن الربيع في قوله : " الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس " قال : يبعثون يوم القيامة وبهم خبل من الشيطان . وهي في بعض القراءة : ( " لا يقومون يوم القيامة " ) .
6246 - حدثنا المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا أبو زهير عن جويبر عن الضحاك في قوله : " الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس " قال : من مات وهو يأكل الربا بعث يوم القيامة متخبطا ، كالذي يتخبطه الشيطان من المس .
6247 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط عن : " السدي الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس " يعني : من الجنون .
6248 - حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال قال ابن زيد في قوله : " الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس " . قال : هذا مثلهم يوم القيامة ، لا يقومون يوم القيامة مع الناس إلا كما يقوم الذي يخنق من الناس ، كأنه خنق ، كأنه مجنون . [ ص: 11 ]
قال أبو جعفر : ومعنى قوله : " يتخبطه الشيطان من المس " يتخبله من مسه إياه . يقال منه : " قد مس الرجل وألق ، فهو ممسوس ومألوق " كل ذلك إذا ألم به اللمم فجن . ومنه قول الله - عز وجل - : ( إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا ) [ الأعراف : 201 ] ومنه قول الأعشى :
وتصبح عن غب السرى وكأنما ألم بها من طائف الجن أولق
فإن قال لنا قائل : أفرأيت من ، أيستحق هذا الوعيد من الله ؟ عمل ما نهى الله عنه من الربا في تجارته ولم يأكله
قيل : نعم ، وليس المقصود من الربا في هذه الآية الأكل ، إلا أن الذين نزلت فيهم هذه الآيات يوم نزلت كانت طعمتهم ومأكلهم من الربا ، فذكرهم بصفتهم معظما بذلك عليهم أمر الربا ، ومقبحا إليهم الحال التي هم عليها في مطاعمهم ، وفي قوله - جل ثناؤه - : [ ص: 12 ] ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله ) [ سورة البقرة : 278 - 279 ] الآية ، ما ينبئ عن صحة ما قلنا في ذلك ، وأن التحريم من الله في ذلك كان لكل معاني الربا ، وأن سواء العمل به وأكله وأخذه وإعطاؤه ، كالذي تظاهرت به الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قوله :
6249 - " لعن الله آكل الربا ، ومؤكله ، وكاتبه ، وشاهديه إذا علموا به " .