[ ص: 57 ] فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل ) القول في تأويل قوله تعالى (
قال أبو جعفر : يعني بقوله - جل ثناؤه - : " فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا " فإن كان المدين الذي عليه المال " سفيها " يعني : جاهلا بالصواب في الذي عليه أن يمله على الكاتب ، كما : -
6348 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : " فإن كان الذي عليه الحق سفيها " أما السفيه : فالجاهل بالإملاء والأمور .
وقال آخرون : بل " السفيه " في هذا الموضع الذي عناه الله : الطفل الصغير .
ذكر من قال ذلك :
6349 - حدثني موسى بن هارون قال : حدثنا عمرو ، حدثنا أسباط عن : " السدي فإن كان الذي عليه الحق سفيها " أما السفيه فهو الصغير .
6350 - حدثني يحيى بن أبي طالب قال أخبرنا يزيد قال أخبرنا جويبر عن الضحاك في قوله : " فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا " قال : هو الصبي الصغير ، فليملل وليه بالعدل .
قال أبو جعفر : وأولى التأويلين بالآية تأويل من قال : " السفيه في هذا الموضع : الجاهل بالإملاء وموضع صواب ذلك من خطئه " لما قد بينا قبل من أن معنى " السفه " في كلام العرب : الجهل . [ ص: 58 ]
وقد يدخل في قوله : " فإن كان الذي عليه الحق سفيها " كل جاهل بصواب ما يمل من خطئه من صغير وكبير ، وذكر وأنثى . غير أن الذي هو أولى بظاهر الآية أن يكون مرادا بها كل جاهل بموضع خطأ ما يمل وصوابه من بالغي الرجال الذين لا يولى عليهم والنساء . لأنه جل ذكره ابتدأ الآية بقوله : " يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى " والصبي ومن يولى عليه لا يجوز مداينته ، وأن ففي فصله - جل ثناؤه - الضعيف من السفيه ومن لا يستطيع إملاء الكتاب في الصفة التي وصف بها كل واحد منهم ما أنبأ عن أن كل واحد من الأصناف الثلاثة الذين ميز بين صفاتهم غير الصنفين الآخرين . الله - عز وجل - قد استثنى من الذين أمرهم بإملال كتاب الدين مع السفيه الضعيف ومن لا يستطيع إملاله ،
وإذا كان ذلك كذلك كان معلوما أن الموصوف بالسفه منهم دون الضعف هو ذو القوة على الإملال ، غير أنه وضع عنه فرض الإملال بجهله بموضع صواب ذلك من خطئه وأن الموصوف بالضعف منهم هو العاجز عن إملاله ، وإن كان شديدا رشيدا ، إما لعي لسانه أو خرس به وأن الموصوف بأنه لا يستطيع أن يمل هو الممنوع من إملاله ، إما بالحبس الذي لا يقدر معه على حضور الكاتب الذي يكتب الكتاب فيمل عليه ، وإما لغيبته عن موضع الإملال ، فهو غير قادر من أجل غيبته عن إملال الكتاب .
فوضع الله جل وعز عنهم فرض إملال ذلك ، للعلل التي وصفنا - إذا كانت بهم - وعذرهم بترك الإملال من أجلها ، وأمر عند سقوط فرض ذلك عليهم ولي [ ص: 59 ] الحق بإملاله فقال : " فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل " يعني : ولي الحق .
ولا وجه لقول من زعم أن " السفيه " في هذا الموضع هو الصغير ، وأن " الضعيف " هو الكبير الأحمق ؛ لأن ذلك إن كان كما قال يوجب أن يكون قوله : " أو لا يستطيع أن يمل هو " هو العاجز من الرجال العقلاء الجائزي الأمر في أموالهم وأنفسهم عن الإملال ، إما لعلة بلسانه من خرس أو غيره من العلل ، وإما لغيبته عن موضع الكتاب . وإذا كان ذلك كذلك معناه ، لبطل معنى قوله : " فليملل وليه بالعدل " لأن العاقل الرشيد لا يولى عليه في ماله وإن كان أخرس أو غائبا ، ولا يجوز حكم أحد في ماله إلا بأمره . وفي صحة معنى ذلك ما يقضي على فساد قول من زعم أن " السفيه " في هذا الموضع هو الطفل الصغير أو الكبير الأحمق .
ذكر من قال ذلك :
6351 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا ابن أبي جعفر عن أبيه ، عن الربيع : " فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل " يقول : ولي الحق .
6352 - حدثني محمد بن سعد قال حدثني أبي قال حدثني عمي قال حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : " فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل " قال يقول : إن كان عجز عن ذلك أمل صاحب الدين بالعدل . [ ص: 60 ]
ذكر الرواية عمن قال : " عنى بالضعيف في هذا الموضع : الأحمق " وبقوله : " فليملل وليه بالعدل " ولي السفيه والضعيف .
6353 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا أبو زهير عن جويبر عن الضحاك : " فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو " قال : أمر ولي السفيه أو الضعيف أن يمل بالعدل .
6354 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط عن : أما الضعيف فهو الأحمق . السدي
6355 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : أما الضعيف فالأحمق .
6356 - حدثنا يونس قال أخبرنا ابن وهب قال قال ابن زيد : " فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا " لا يعرف فيثبت لهذا حقه ويجهل ذلك ، فوليه بمنزلته حتى يضع لهذا حقه .
وقد دللنا على أولى التأويلين بالصواب في ذلك .
وأما قوله : " فليملل وليه بالعدل " فإنه يعني : بالحق .