القول في تأويل قوله ( وابتغاء تأويله )
قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في وابتغاء تأويله " . معنى " التأويل " الذي عنى الله - جل ثناؤه - بقوله : "
فقال بعضهم : معنى ذلك : الأجل الذي أرادت اليهود أن تعرفه من انقضاء مدة أمر محمد - صلى الله عليه وسلم - وأمر أمته من قبل الحروف المقطعة من حساب الجمل " الم " و " المص " و " الر " و " المر " وما أشبه ذلك من الآجال .
ذكر من قال ذلك :
6623 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية عن علي عن ابن عباس أما قوله : " وما يعلم تأويله إلا الله " يعني تأويله يوم القيامة " إلا الله " .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : " عواقب القرآن " . وقالوا : " إنما أرادوا أن يعلموا متى يجيء ناسخ الأحكام التي كان الله - جل ثناؤه - شرعها لأهل الإسلام قبل مجيئه ، فنسخ ما قد كان شرعه قبل ذلك " .
ذكر من قال ذلك :
6624 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط عن : " السدي وابتغاء تأويله " أرادوا أن يعلموا تأويل القرآن - وهو عواقبه - قال [ ص: 200 ] الله : " وما يعلم تأويله إلا الله " وتأويله عواقبه متى يأتي الناسخ منه فينسخ المنسوخ ؟
وقال آخرون : معنى ذلك : " وابتغاء تأويل ما تشابه من آي القرآن ، يتأولونه - إذ كان ذا وجوه وتصاريف في التأويلات - على ما في قلوبهم من الزيغ ، وما ركبوه من الضلالة " .
ذكر من قال ذلك :
6625 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير : " وابتغاء تأويله " وذلك على ما ركبوا من الضلالة في قولهم " خلقنا " و " قضينا " .
قال أبو جعفر : والقول الذي قاله ابن عباس من أن " ابتغاء التأويل " الذي طلبه القوم من المتشابه هو معرفة انقضاء المدة ووقت قيام الساعة والذي ذكرنا عن من أنهم طلبوا وأرادوا معرفة وقت هو جاء قبل مجيئه أولى بالصواب ، وإن كان السدي قد أغفل معنى ذلك من وجه صرفه إلى حصره على أن معناه : أن القوم طلبوا معرفة وقت مجيء الناسخ لما قد أحكم قبل ذلك . السدي
وإنما قلنا : إن طلب القوم معرفة الوقت الذي هو جاء قبل مجيئه المحجوب علمه عنهم وعن غيرهم ، بمتشابه آي القرآن - أولى بتأويل قوله : " وابتغاء تأويله " [ ص: 201 ] لما قد دللنا عليه قبل من إخبار الله - جل ثناؤه - أن ذلك التأويل لا يعلمه إلا الله . ولا شك أن معنى قوله : " قضينا " " فعلنا " قد علم تأويله كثير من جهلة أهل الشرك فضلا عن أهل الإيمان وأهل الرسوخ في العلم منهم .