القول في شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم ( 18 ) ) تأويل قوله (
قال أبو جعفر : يعني بذلك - جل ثناؤه - : شهد الله أنه لا إله إلا هو ، وشهدت الملائكة ، وأولو العلم .
ف " الملائكة " معطوف بهم على اسم " الله " و " أنه " مفتوحة ب " شهد " .
قال أبو جعفر : وكان بعض البصريين يتأول قوله : " شهد الله " قضى الله ، ويرفع " الملائكة " بمعنى : والملائكة شهود وأولو العلم . [ ص: 268 ]
وهكذا قرأت قرأة أهل الإسلام بفتح الألف من " أنه " على ما ذكرت من إعمال " شهد " في " أنه " الأولى ، وكسر الألف من " إن " الثانية وابتدائها . سوى أن بعض المتأخرين من أهل العربية ، كان يقرأ ذلك جميعا بفتح ألفيهما ، بمعنى : شهد الله أنه لا إله إلا هو ، وأن الدين عند الله الإسلام - فعطف ب " أن الدين " على " أنه " الأولى ، ثم حذف " واو " العطف ، وهى مرادة في الكلام . واحتج في ذلك بأن ابن عباس قرأ ذلك : ( شهد الله أنه لا إله إلا هو ) الآية . ثم قال : " أن الدين " بكسر " إن " الأولى ، وفتح " أن " الثانية بإعمال " شهد " فيها ، وجعل " أن " الأولى اعتراضا في الكلام غير عامل فيها " شهد " وأن ابن مسعود قرأ : " شهد الله أنه لا إله إلا هو " بفتح " أن " وكسر " إن " من : " إن الدين عند الله الإسلام " على معنى إعمال " الشهادة " في " أن " الأولى ، و " أن " الثانية مبتدأة . فزعم أنه أراد بقراءته إياهما بالفتح جمع قراءة ابن عباس . فخالف بقراءته ما قرأ من ذلك على ما وصفت جميع قرأة أهل الإسلام المتقدمين منهم والمتأخرين ، بدعوى تأويل على وابن مسعود ابن عباس زعم أنهما قالاه وقرآ به . وغير معلوم ما ادعى عليهما برواية صحيحة ولا سقيمة . وكفى شاهدا على خطأ قراءته ، خروجها من قراءة أهل الإسلام . وابن مسعود ،
قال أبو جعفر : فالصواب إذ كان الأمر على ما وصفنا من قراءة ذلك - فتح الألف من " أنه " الأولى ، وكسر الألف من " إن " الثانية ، أعني من قوله : [ ص: 269 ] " إن الدين عند الله الإسلام " ابتداء .
وقد روي عن في تأويل ذلك قول كالدال على تصحيح ما قرأ به في ذلك من ذكرنا قوله من أهل العربية ، في فتح " أن " من قوله : " أن الدين " وهو ما : - السدي
6760 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط عن : " السدي شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة " إلى " لا إله إلا هو العزيز الحكيم " قال : الله يشهد هو والملائكة والعلماء من الناس أن الدين عند الله الإسلام .
فهذا التأويل يدل على أن " الشهادة " إنما هي عاملة في " أن " الثانية التي في قوله : " أن الدين عند الله الإسلام " . فعلى هذا التأويل جائز في " أن " الأولى وجهان من التأويل :
أحدهما : أن تكون الأولى منصوبة على وجه الشرط ، بمعنى : شهد الله بأنه واحد فتكون مفتوحة بمعنى الخفض في مذهب بعض أهل العربية ، وبمعنى النصب في مذهب بعضهم " والشهادة " عاملة في " أن " الثانية ، كأنك قلت : شهد الله أن الدين عند الله الإسلام ، لإنه واحد ، ثم تقدم " لأنه واحد " فتفتحها على ذلك التأويل .
والوجه الثاني : أن تكون " إن " الأولى مكسورة بمعنى الابتداء ، لأنها معترض بها " والشهادة " واقعة على " أن " الثانية : فيكون معنى الكلام : شهد [ ص: 270 ] الله فإنه لا إله إلا هو - والملائكة ، أن الدين عند الله الإسلام ، كقول القائل : " أشهد - فإني محق - أنك مما تعاب به برئ " ف " إن " الأولى مكسورة ، لأنها معترضة " والشهادة " واقعة على " أن " الثانية .
قال أبو جعفر : وأما قوله : " قائما بالقسط " فإنه بمعنى : أنه الذي يلي العدل بين خلقه .
" والقسط " هو العدل من قولهم : " هو مقسط " و " قد أقسط " إذا عدل .
ونصب " قائما " على القطع .
وكان بعض نحويي أهل البصرة يزعم أنه حال من " هو " التي في " لا إله إلا هو " .
وكان بعض نحويي الكوفة يزعم أنه حال من اسم " الله " الذي مع قوله : " شهد الله " فكان معناه : شهد الله القائم بالقسط أنه لا إله إلا هو . وقد ذكر أنها في قراءة ابن مسعود كذلك : ( وأولو العلم القائم بالقسط ) ، ثم حذفت " الألف واللام " من " القائم " فصار نكرة وهو نعت لمعرفة فنصب .
قال أبو جعفر : وأولى القولين بالصواب في ذلك عندي ، قول من جعله قطعا ، [ ص: 271 ] على أنه من نعت الله - جل ثناؤه - لأن " الملائكة وأولي العلم " معطوفون عليه . فكذلك الصحيح أن يكون قوله : " قائما " حالا منه .
وأما تأويل قوله : " لا إله إلا هو العزيز الحكيم " فإنه نفى أن يكون شيء يستحق العبودة غير الواحد الذي لا شريك له في ملكه .
ويعني ب " العزيز " الذي لا يمتنع عليه شيء أراده ، ولا ينتصر منه أحد عاقبه أو انتقم منه " الحكيم " في تدبيره ، فلا يدخله خلل .
قال أبو جعفر : وإنما عنى - جل ثناؤه - بهذه الآية نفي ما أضافت النصارى الذين حاجوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عيسى من البنوة ، وما نسب إليه سائر أهل الشرك من أن له شريكا ، واتخاذهم دونه أربابا . فأخبرهم الله عن نفسه أنه الخالق كل ما سواه ، وأنه رب كل ما اتخذه كل كافر وكل مشرك ربا دونه ، وأن ذلك مما يشهد به هو وملائكته وأهل العلم به من خلقه . فبدأ - جل ثناؤه - بنفسه ، تعظيما لنفسه ، وتنزيها لها عما نسب الذين ذكرنا أمرهم من أهل الشرك به - ما نسبوا إليها ، كما سن لعباده أن يبدءوا في أمورهم بذكره قبل ذكر غيره ، مؤدبا خلقه بذلك . [ ص: 272 ]
والمراد من الكلام الخبر عن شهادة من ارتضاهم من خلقه فقدسوه من ملائكته وعلماء عباده . فأعلمهم أن ملائكته - التي يعظمها العابدون غيره من أهل الشرك ويعبدها الكثير منهم - وأهل العلم منهم منكرون ما هم عليه مقيمون من كفرهم وقولهم في عيسى ، وقول من اتخذ ربا غيره من سائر الخلق ، فقال : شهدت الملائكة وأولو العلم أنه لا إله إلا هو ، وأن كل من اتخذ ربا دون الله فهو كاذب احتجاجا منه لنبيه عليه السلام على الذين حاجوه من وفد نجران في عيسى .
واعترض بذكر الله وصفته على ما بينت كما قال - جل ثناؤه - : ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه ) [ سورة الأنفال : 41 ] ، افتتاحا باسمه الكلام ، فكذلك افتتح باسمه والثناء على نفسه الشهادة بما وصفناه من نفي الألوهة عن غيره ، وتكذيب أهل الشرك به .
فأما ما قال الذي وصفنا قوله : من أنه عنى بقوله : " شهد " قضى - فمما لا يعرف في لغة العرب ولا العجم ، لأن " الشهادة " معنى " والقضاء " غيرها . [ ص: 273 ]
وبنحو الذي قلنا في ذلك روي عن بعض المتقدمين القول في ذلك .
6761 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير : " شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم " بخلاف ما قالوا - يعني : بخلاف ما قال وفد نجران من النصارى " قائما بالقسط " أي بالعدل .
6762 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : " بالقسط " بالعدل .