الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأمته وبكائه شفقة عليهم

                                                                                                                202 حدثني يونس بن عبد الأعلى الصدفي أخبرنا ابن وهب قال أخبرني عمرو بن الحارث أن بكر بن سوادة حدثه عن عبد الرحمن بن جبير عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله عز وجل في إبراهيم رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني الآية وقال عيسى عليه السلام إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم فرفع يديه وقال اللهم أمتي أمتي وبكى فقال الله عز وجل يا جبريل اذهب إلى محمد وربك أعلم فسله ما يبكيك فأتاه جبريل عليه السلام فسأله فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال وهو أعلم فقال الله يا جبريل اذهب إلى محمد فقل إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قوله : ( حدثني يونس بن عبد الأعلى الصدفي حدثنا ابن وهب قال أخبرني عمرو بن الحارث أن بكر بن سوادة حدثه عن عبد الرحمن بن جبير عن عبد الله بن عمرو بن العاص ) هذا الإسناد كله بصريون ، وقدمنا أن في يونس ست لغات : ضم النون وفتحها وكسرها مع الهمز فيهن وتركه ، وأما [ ص: 438 ] ( الصدفي ) فبفتح الصاد والدال المهملتين وبالفاء منسوب إلى الصدف - بفتح الصاد وكسر الدال - قبيلة معروفة ، قال أبو سعيد بن يونس : دعوتهم في الصدف وليس من أنفسهم ولا من مواليهم ، توفي يونس بن عبد الأعلى هذا في شهر ربيع الآخر سنة أربع وستين ومائتين ، وكان مولده في ذي الحجة سنة سبعين ومائة ، ففي هذا الإسناد رواية لمسلم عن شيخ عاش بعده فإن مسلما توفي سنة إحدى وستين ومائتين كما تقدم . وأما ( بكر بن سوادة ) فبفتح السين وتخفيف الواو . والله أعلم .

                                                                                                                قوله : ( عن عبد الله بن عمرو بن العاصي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تلا قول الله تعالى في إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - : رب إنهن أضللن كثيرا من الناس الآية . وقال عيسى - صلى الله عليه وسلم - إن تعذبهم فإنهم عبادك ) هكذا هو في الأصول ( وقال عيسى ) : قال القاضي عياض : قال بعضهم : قوله ( قال ) هو اسم للقول لا فعل يقال قال قولا وقالا وقيلا كأنه قال : وتلا قول عيسى . هذا كلام القاضي عياض .

                                                                                                                قوله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه ( رفع يديه وقال : اللهم أمتي أمتي وبكى . فقال الله عز وجل : يا جبريل اذهب إلى محمد - وربك أعلم - فاسأله ما يبكيك فأتاه جبريل عليه السلام فسأله فأخبره النبي - صلى الله عليه وسلم - بما قال وهو أعلم فقال الله تعالى : يا جبريل اذهب إلى محمد فقل إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك ) هذا الحديث مشتمل على أنواع من الفوائد منها : بيان كمال شفقة النبي - صلى الله عليه وسلم - على أمته واعتنائه بمصالحهم ، واهتمامه بأمرهم ، ومنها : استحباب رفع اليدين في الدعاء ، ومنها : البشارة العظيمة لهذه الأمة - زادها الله تعالى شرفا - بما وعدها الله تعالى بقوله : سنرضيك في أمتك ولا نسوءك وهذا من أرجى الأحاديث لهذه الأمة أو أرجاها ، ومنها : بيان عظم منزلة النبي - صلى الله عليه وسلم - عند الله تعالى وعظيم لطفه [ ص: 439 ] سبحانه به - صلى الله عليه وسلم - ، والحكمة في إرسال جبريل لسؤاله - صلى الله عليه وسلم - إظهار شرف النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأنه بالمحل الأعلى فيسترضى ويكرم بما يرضيه والله أعلم .

                                                                                                                وهذا الحديث موافق لقول الله عز وجل : ولسوف يعطيك ربك فترضى . وأما قوله تعالى : ( ولا نسوءك ) ، فقال صاحب ( التحرير ) : هو تأكيد للمعنى أي : لا نحزنك ; لأن الإرضاء قد يحصل في حق البعض بالعفو عنهم ويدخل الباقي النار فقال تعالى : نرضيك ولا ندخل عليك حزنا بل ننجي الجميع . والله أعلم .




                                                                                                                الخدمات العلمية