الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          3091 حدثنا محمد بن إسمعيل حدثنا سعيد بن سليمان حدثنا عباد بن العوام حدثنا سفيان بن حسين عن الحكم بن عتيبة عن مقسم عن ابن عباس قال بعث النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر وأمره أن ينادي بهؤلاء الكلمات ثم أتبعه عليا فبينا أبو بكر في بعض الطريق إذ سمع رغاء ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم القصواء فخرج أبو بكر فزعا فظن أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو علي فدفع إليه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر عليا أن ينادي بهؤلاء الكلمات فانطلقا فحجا فقام علي أيام التشريق فنادى ذمة الله ورسوله بريئة من كل مشرك فسيحوا في الأرض أربعة أشهر ولا يحجن بعد العام مشرك ولا يطوفن بالبيت عريان ولا يدخل الجنة إلا مؤمن وكان علي ينادي فإذا عيي قام أبو بكر فنادى بها قال أبو عيسى وهذا حديث حسن غريب من هذا الوجه من حديث ابن عباس [ ص: 386 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 386 ] قوله : ( حدثنا محمد بن إسماعيل ) هو الإمام البخاري رحمه الله ( أخبرنا سعيد بن سليمان ) الضبي أبو عثمان الواسطي ، نزيل بغداد البزار لقبه سعدويه ثقة حافظ من كبار العاشرة .

                                                                                                          قوله : ( بعث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أبا بكر ) وروى الطبري عن ابن عباس قال : بعث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أبا بكر أميرا على الحج وأمره أن يقيم للناس حجهم ، فخرج أبو بكر ( وأمره أن ينادي بهؤلاء الكلمات ) أي : أمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أبا بكر أن ينادي بها ، وعند أحمد من حديث علي : لما نزلت عشر آيات من براءة بعث بها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع أبي بكر ليقرأها على أهل مكة ، ثم دعاني فقال : " أدرك أبا بكر فحيثما لقيته فخذ منه الكتاب " ، فرجع أبو بكر فقال يا رسول الله نزل في شيء فقال : " لا : إلا أنه لن يؤدي ، أو : لكن جبريل قال لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك " .

                                                                                                          قال ابن كثير : ليس المراد أن أبا بكر رضي الله عنه رجع من فوره بل بعد قضائه للمناسك التي أمره عليها رسول الله ، صلى الله عليه وسلم . قال الحافظ في الفتح : ولا مانع من حمله على ظاهره لقرب المسافة . وأما قوله : " عشر آيات " فالمراد أولها إنما المشركون نجس ( ثم أتبعه عليا ) أي أتبع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أبا بكر عليا رضي الله تعالى عنهما ( إذ سمع رغاء ناقة رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ) بضم الراء وبالمد صوت ذوات الخف ، وقد رغا البعير يرغو رغاء بالضم والمد : أي ضج ( القصوى ) هو لقب ناقة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ( فدفع إليه كتاب رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ) أي دفع أبو بكر إلى علي كتابه ، صلى الله عليه وسلم . ( فسيحوا ) سيروا آمنين أيها المشركون ( في الأرض أربعة أشهر ) يأتي الكلام عليه في شرح حديث علي الآتي بعد هذا ( ولا يحجن بعد العام ) أي بعد الزمان الذي وقع فيه الإعلام بذلك ( فإذا عيي ) بكسر [ ص: 387 ] التحتية الأولى . يقال عيي يعيا عيا وعياء بأمره وعن أمره : عجز عنه ولم يطق أحكامه أو لم يهتد لوجه مراده وعيي يعيا عيا في المنطق : حصر .

                                                                                                          تنبيه : قال الخازن قد يتوهم متوهم أن في بعث علي بن أبي طالب بقراءة أول براءة عزل أبي بكر عن الإمارة وتفضيله على أبي بكر وذلك جهل من هذا المتوهم ، ويدل على أن أبا بكر لم يزل أميرا على الموسم في تلك السنة حديث أبي هريرة عند الشيخين أن أبا بكر بعثه في الحجة التي أمره رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عليها قبل حجة الوداع في رهط يؤذنون في الناس . الحديث ، وفي لفظ أبي داود والنسائي قال : بعثني أبو بكر فيمن يؤذن في يوم النحر بمنى أن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ، فقوله : " بعثني أبو بكر " : فيه دليل على أن أبا بكر كان هو الأمير على الناس ، وهو الذي أقام للناس حجهم وعلمهم مناسكهم ، وأجاب العلماء عن بعث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عليا ليؤذن في الناس ببراءة بأن عادة العرب جرت أن لا يتولى تقرير العهد ونقضه إلا سيد القبيلة وكبيرها ، أو رجل من أقاربه ، وكان علي بن أبي طالب أقرب إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أبي بكر لأنه ابن عمه ومن رهطه ، فبعثه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليؤذن عنه ببراءة إزاحة لهذه العلة لئلا يقولوا هذا على خلاف ما نعرفه عن عادتنا في عقد العهود ونقضها . وقيل : لما خص أبا بكر لتوليته على الموسم خص عليا بتبليغ هذه الرسالة تطييبا لقلبه ورعاية لجانبه ، وقيل إنما بعث عليا في هذه الرسالة حتى يصلي خلف أبي بكر ويكون جاريا مجرى التنبيه على إمامة أبي بكر بعد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعث أبا بكر أميرا على الحاج وولاه الموسم وبعث عليا خلفه ليقرأ على الناس ببراءة ، فكان أبو بكر الإمام وعلي المؤتم ، وكان أبو بكر رضي الله عنه الخطيب ، وعلي المستمع . وكان أبو بكر المتولي أمر الموسم والأمير على الناس ولم يكن ذلك لعلي ، فدل ذلك على تقديم أبي بكر على علي وفضله عليه . انتهى .

                                                                                                          قلت : ومما يدل على أن أبا بكر لم يزل أميرا على الموسم في تلك السنة حديث جابر عند الطبري وإسحاق في مسنده والنسائي والدارمي وابن خزيمة وابن حبان : أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين رجع من عمرة الجعرانة بعث أبا بكر على الحج فأقبلنا معه حتى إذا كنا بالعرج ثوب بالصبح فسمع رغوة ناقة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإذا علي عليها ، فقال له : أمير أو رسول فقال : بل أرسلني رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ببراءة أقرؤها على الناس الحديث .




                                                                                                          الخدمات العلمية