- رحمه الله - رسالة في القدر ، كتبها إلى ولمالك ابن وهب وإسنادها صحيح . وله مؤلف : في النجوم ومنازل القمر ، رواه سحنون ، عن ابن نافع الصائغ ، عنه مشهور . [ ص: 89 ] ورسالة في الأقضية ، مجلد ، رواية محمد بن يوسف بن مطروح ، عن عبد الله بن [ عبد ] الجليل . ورسالة إلى أبي غسان محمد بن مطرف .
ورسالة آداب إلى الرشيد ، إسنادها منقطع ، قد أنكرها إسماعيل القاضي وغيره ، وفيها أحاديث لا تعرف . قلت : هذه الرسالة موضوعة . وقال القاضي الأبهري : فيها أحاديث لو سمع مالك من يحدث بها لأدبه . وله جزء في التفسير يرويه خالد بن عبد الرحمن المخزومي ، يرويه القاضي عياض عن أبي جعفر أحمد بن سعيد ، عن أبي عبد الله محمد بن الحسن المقرئ ، عن محمد بن علي المصيصي ، عن أبيه بإسناده .
وكتاب " السر " من رواية ابن القاسم عنه ، رواه الحسن بن أحمد العثماني ، عن محمد بن عبد العزيز بن وزير الجروي ، عن ، عنه . الحارث بن مسكين
قلت : هو جزء واحد سمعه أبو محمد بن النحاس المصري ، من محمد بن بشر العكري ، حدثنا مقدام بن داود الرعيني ، حدثنا ، الحارث بن مسكين وأبو زيد بن أبي الغمر ، قالا : حدثنا ابن القاسم . [ ص: 90 ]
قال : ورسالة إلى الليث في إجماع أهل المدينة معروفة . فأما ما نقل عنه كبار أصحابه من المسائل والفتاوى والفوائد ، فشيء كثير . ومن كنوز ذلك : " المدونة " و " الواضحة " وأشياء .
قال مالكي : قد ندر الاجتهاد اليوم ، وتعذر ، فمالك أفضل من يقلد ، فرجح تقليده .
وقال شيخ : إن الإمام لمن التزم بتقليده ، كالنبي مع أمته ، لا تحل مخالفته .
قلت : قوله : لا تحل مخالفته ، مجرد دعوى واجتهاد بلا معرفة ، بل له مخالفة إمامه إلى إمام آخر ، حجته في تلك المسألة أقوى ، لا بل عليه اتباع الدليل فيما تبرهن له ، لا كمن تمذهب لإمام ، فإذا لاح له ما يوافق هواه ، عمل به من أي مذهب كان ، ومن تتبع رخص المذاهب ، وزلات المجتهدين ، فقد رق دينه ، كما قال الأوزاعي أو غيره : من أخذ بقول المكيين في المتعة ، والكوفيين في النبيذ ، والمدنيين في الغناء ، والشاميين في عصمة الخلفاء ، فقد جمع الشر . وكذا من أخذ في البيوع الربوية بمن يتحيل عليها ، وفي الطلاق ونكاح التحليل بمن توسع فيه ، وشبه ذلك ، فقد تعرض للانحلال ، فنسأل الله العافية والتوفيق .
ولكن : شأن الطالب أن يدرس أولا مصنفا في الفقه ، فإذا حفظه ، بحثه ، وطالع الشروح ، فإن كان ذكيا فقيه النفس ، ورأى حجج الأئمة ، فليراقب الله ، وليحتط لدينه ، فإن خير الدين الورع ، ومن ترك الشبهات [ ص: 91 ] فقد استبرأ لدينه وعرضه ، والمعصوم من عصمه الله .
فالمقلدون صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشرط ثبوت الإسناد إليهم ، ثم أئمة التابعين كعلقمة ، ومسروق ، ، وعبيدة السلماني ، وسعيد بن المسيب وأبي الشعثاء ، ، وسعيد بن جبير وعبيد الله بن عبد الله ، وعروة ، والقاسم ، ، والشعبي والحسن ، ، وابن سيرين . ثم وإبراهيم النخعي كالزهري ، ، وأبي الزناد ، وأيوب السختياني وربيعة ، وطبقتهم . ثم ، كأبي حنيفة ومالك ، ، والأوزاعي ، وابن جريج ومعمر ، ، وابن أبي عروبة ، والحمادين ، وسفيان الثوري وشعبة ، ، والليث ، وابن الماجشون . وابن أبي ذئب
ثم كابن المبارك ، ومسلم الزنجي ، والقاضي أبي يوسف ، ، والهقل بن زياد ، ووكيع ، وطبقتهم . ثم والوليد بن مسلم ، كالشافعي وأبي عبيد ، وأحمد ، وإسحاق ، ، وأبي ثور ، والبويطي . ثم وأبي بكر بن أبي شيبة كالمزني ، وأبي بكر الأثرم ، ، والبخاري وداود بن علي ، ، ومحمد بن نصر المروزي ، وإبراهيم الحربي . ثم وإسماعيل القاضي كمحمد بن جرير الطبري ، وأبي بكر بن خزيمة ، وأبي عباس بن سريج ، وأبي بكر بن المنذر ، وأبي جعفر الطحاوي ، وأبي بكر الخلال . ثم من بعد هذا النمط تناقص الاجتهاد ، ووضعت المختصرات ، وأخلد الفقهاء إلى التقليد من غير نظر في الأعلم ، بل بحسب الاتفاق ، والتشهي ، والتعظيم ، والعادة ، والبلد . فلو أراد الطالب اليوم أن يتمذهب في المغرب ، لعسر عليه ، كما لو أراد أن يتمذهب لأبي حنيفة لابن حنبل [ ص: 92 ] ببخارى ، وسمرقند ، لصعب عليه ، فلا يجيء منه حنبلي ، ولا من المغربي حنفي ، ولا من الهندي مالكي . وبكل حال : فإلى فقه مالك المنتهى . فعامة آرائه مسددة ، ولو لم يكن له إلا حسم مادة الحيل ، ومراعاة المقاصد ، لكفاه .
ومذهبه قد ملأ المغرب ، والأندلس ، وكثيرا من بلاد مصر ، وبعض الشام ، واليمن ، والسودان ، وبالبصرة ، وبغداد ، والكوفة ، وبعض خراسان .
وكذلك اشتهر مذهب الأوزاعي مدة ، وتلاشى أصحابه ، وتفانوا . وكذلك مذهب سفيان وغيره ممن سمينا ، ولم يبق اليوم إلا هذه المذاهب الأربعة . وقل من ينهض بمعرفتها كما ينبغي ، فضلا عن أن يكون مجتهدا . وانقطع أتباع بعد الثلاث مائة ، وأصحاب أبي ثور داود إلا القليل ، وبقي مذهب ابن جرير إلى ما بعد الأربع مائة .
وللزيدية مذهب في الفروع بالحجاز وباليمن ، لكنه معدود في أقوال أهل البدع ، كالإمامية ، ولا بأس بمذهب داود ، وفيه أقوال حسنة ، ومتابعة للنصوص ، مع أن جماعة من العلماء لا يعتدون بخلافه ، وله شذوذ في مسائل شانت مذهبه .
وأما القاضي ، فذكر ما يدل على جواز تقليدهم إجماعا ، فإنه سمى المذاهب الأربعة ، والسفيانية ، والأوزاعية ، والداودية . ثم إنه قال : فهؤلاء الذين وقع إجماع الناس على تقليدهم ، مع الاختلاف في أعيانهم ، واتفاق العلماء على اتباعهم ، والاقتداء بمذاهبهم ، ودرس كتبهم ، والتفقه على مآخذهم ، والتفريع على أصولهم ، دون غيرهم ممن تقدمهم أو عاصرهم ، للعلل التي ذكرناها . [ ص: 93 ] وصار الناس اليوم في الدنيا إلى خمسة مذاهب ، فالخامس : هو مذهب الداودية . فحق على طالب العلم أن يعرف أولاهم بالتقليد ، ليحصل على مذهبه . وها نحن نبين أن - رحمه الله - هو ذلك ، لجمعه أدوات الإمامة وكونه أعلم القوم . مالكا
ثم وجه القاضي دعواه ، وحسنها ونمقها ، ولكن ما يعجز كل واحد من حنفي ، وشافعي ، وحنبلي ، وداودي ، عن ادعاء مثل ذلك لمتبوعه ، بل ذلك لسان حاله ، وإن لم يفه به .
ثم قال القاضي عياض : وعندنا - ولله الحمد - لكل إمام من المذكورين مناقب تقضي له بالإمامة .
قلت : ولكن هذا الإمام الذي هو النجم الهادي قد أنصف ، وقال قولا فصلا ، حيث يقول : كل أحد يؤخذ من قوله ويترك ، إلا صاحب هذا القبر صلى الله عليه وسلم . ولا ريب أن كل من أنس من نفسه فقها ، وسعة علم ، وحسن قصد ، فلا يسعه الالتزام بمذهب واحد في كل أقواله ، لأنه قد تبرهن له مذهب الغير [ ص: 94 ] في مسائل ، ولاح له الدليل ، وقامت عليه الحجة ، فلا يقلد فيها إمامه ، بل يعمل بما تبرهن ، ويقلد الإمام الآخر بالبرهان ، لا بالتشهي والغرض . لكنه لا يفتي العامة إلا بمذهب إمامه ، أو ليصمت فيما خفي عليه دليله .
قال : العلم يدور على ثلاثة : الشافعي مالك ، ، والليث وابن عيينة .
قلت : بل وعلى سبعة معهم ، وهم : الأوزاعي ، ، والثوري ومعمر ، ، وأبو حنيفة وشعبة ، والحمادان .
وروي عن الأوزاعي أنه كان إذا ذكر يقول : عالم العلماء ، ومفتي مالكا الحرمين .
وعن بقية أنه قال : ما بقي على وجه الأرض أعلم بسنة ماضية منك يا مالك .
وقال أبو يوسف : ما رأيت أعلم من أبي حنيفة ، ومالك ، . وابن أبي ليلى
وذكر أحمد بن حنبل ، فقدمه على مالكا الأوزاعي ، ، والثوري ، والليث وحماد ، والحكم ، في العلم . وقال : هو إمام في الحديث وفي الفقه . وقال القطان : هو إمام يقتدى به . وقال ابن معين : مالك من حجج الله على خلقه . وقال أسد بن الفرات : إذا أردت الله والدار الآخرة فعليك بمالك . [ ص: 95 ] وقد صنف مكي القيسي كتابا فيما روي عن مالك في التفسير ، ومعاني القرآن . وقد ذكره أبو عمرو الداني في " طبقات القراء " . وأنه تلا على نافع بن أبي نعيم .
وقال بهلول بن راشد ما رأيت أنزع بآية من مالك مع معرفته بالصحيح والسقيم .
قرأت على إسحاق بن طارق ، أخبرنا ابن خليل ، أخبرنا أبو المكارم التيمي ، ونبأني ابن سلامة ، عن أبي المكارم ، أخبرنا أبو علي الحداد ، أخبرنا أبو نعيم الحافظ ، حدثنا أبو محمد بن حيان ، حدثنا محمد بن أحمد بن عمرو ، حدثنا عبد الله بن أحمد بن كليب ، عن الفضل بن زياد ، سألت : من ضرب أحمد بن حنبل ؟ قال : بعض الولاة في طلاق المكره ، كان لا يجيزه ، فضربه لذلك . وبه قال مالكا أبو نعيم : حدثنا محمد بن علي ، حدثنا المفضل الجندي ، [ ص: 96 ] سمعت أبا مصعب ، سمعت ، يقول : ما أفتيت حتى شهد لي سبعون أني أهل لذلك . مالكا
ثم قال أبو مصعب : كان مالك لا يحدث إلا وهو على طهارة إجلالا للحديث .
وبه قال : حدثنا ابن حيان ، حدثنا محمد بن أحمد بن الوليد ، حدثنا ، قال : قال يونس بن عبد الأعلى : إذا جاء الأثر كان الشافعي مالك كالنجم ، وهو وسفيان القرينان .
وبه : حدثنا إبراهيم بن عبد الله ، حدثنا السراج ، حدثنا محمود بن غيلان ، حدثنا أبو داود ، حدثنا شعبة : أتيت المدينة بعد موت نافع بسنة ، فإذا الحلقة لمالك .
وبه : حدثنا أحمد بن إسحاق ، أخبرنا محمد بن أحمد بن راشد ، سمعت أبا داود يقول : حكى لي بعض أصحاب ابن وهب ، عنه ، أن لما ضرب ، حلق وحمل على بعير ، فقيل له : ناد على نفسك . فقال : ألا من عرفني ، فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا مالكا مالك بن أنس ، أقول : طلاق المكره ليس بشيء . فبلغ ذلك جعفر بن سليمان الأمير ، فقال : أدركوه ، أنزلوه . [ ص: 97 ]
وبه : حدثنا إبراهيم ، حدثنا السراج ، حدثنا الحسن بن عبد العزيز ، حدثنا ، عن الحارث بن مسكين ابن وهب قال : قيل لمالك : ما تقول في طلب العلم ؟ قال : حسن جميل ، لكن انظر الذي يلزمك من حين تصبح إلى أن تمسي ، فالزمه .
وبه عن ابن وهب : سئل مالك عن الداعي يقول : يا سيدي . فقال : يعجبني دعاء الأنبياء : ربنا ، ربنا .
وبه : حدثنا أحمد بن جعفر بن سلم ، حدثنا الأبار ، حدثنا أحمد بن هاشم ، حدثنا ضمرة ، سمعت يقول : لو أن لي سلطانا على من يفسر القرآن لضربت رأسه . مالكا
قلت : يعني تفسيره برأيه . وكذلك جاء عن مالك ، من طريق أخرى .
وبه : حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن ، حدثنا أبو إسماعيل الترمذي ، حدثنا نعيم بن حماد ، سمعت ابن المبارك يقول : ما رأيت أحدا ارتفع مثل مالك ، ليس له كثير صلاة ولا صيام ، إلا أن تكون له سريرة .
قلت : ما كان عليه من العلم ونشره أفضل من نوافل الصوم والصلاة لمن أراد به الله .
وبه : حدثنا سليمان بن أحمد ، حدثنا المقدام بن داود ، حدثنا عبد الله [ ص: 98 ] بن عبد الحكم ، سمعت يقول : شاورني مالكا في ثلاثة : في أن يعلق الموطأ في هارون الرشيد الكعبة ، ويحمل الناس على ما فيه ، وفي أن ينقض منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويجعله من ذهب وفضة وجوهر ، وفي أن يقدم إماما في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت : أما تعليق " الموطأ " ، فإن الصحابة اختلفوا في الفروع ، وتفرقوا ، وكل عند نفسه مصيب . وأما نقض المنبر ، فلا أرى أن يحرم الناس أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأما تقدمتك نافعا فإنه إمام في القراءة ، لا يؤمن أن تبدر منه بادرة في المحراب ، فتحفظ عليه . فقال : وفقك الله يا نافعا أبا عبد الله .
هذا إسناد حسن ، لكن لعل الراوي وهم في قوله : هارون ، لأن قبل خلافة نافعا هارون مات .
من قول مالك في السنة : وبه حدثنا محمد بن أحمد بن علي ، حدثنا الفريابي ، حدثنا الحلواني ، سمعت مطرف بن عبد الله ، سمعت يقول : سن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وولاة الأمر بعده سننا ، الأخذ بها اتباع لكتاب الله ، واستكمال بطاعة الله ، وقوة على دين الله ، ليس لأحد تغييرها ، ولا تبديلها ، ولا النظر في شيء خالفها ، من اهتدى بها ، فهو مهتد ، ومن استنصر بها ، فهو منصور ، ومن تركها ، اتبع غير سبيل المؤمنين ، وولاه الله ما تولى ، وأصلاه جهنم وساءت مصيرا . [ ص: 99 ] وبه إلى مالكا الحلواني : سمعت إسحاق بن عيسى يقول : قال مالك : أكلما جاءنا رجل أجدل من رجل ، تركنا ما نزل به جبريل على محمد - صلى الله عليه وسلم - لجدله ؟!
وبه حدثنا الحسن بن سعيد ، حدثنا زكريا الساجي ، حدثنا أبو داود ، حدثنا أبو ثور : سمعت يقول : كان الشافعي مالك إذا جاءه بعض أهل الأهواء ، قال : أما إني على بينة من ديني ، وأما أنت ، فشاك ، اذهب إلى شاك مثلك فخاصمه .
وبه حدثنا سليمان الطبراني ، حدثنا الحسين بن إسحاق ، حدثنا يحيى بن خلف الطرسوسي - وكان من ثقات المسلمين - ، قال : كنت عند مالك ، فدخل عليه رجل ، فقال : يا أبا عبد الله ما تقول فيمن يقول : القرآن مخلوق ؟ فقال مالك : زنديق ، اقتلوه . فقال : يا أبا عبد الله ، إنما أحكي كلاما سمعته ، قال : إنما سمعته منك ، وعظم هذا القول .
وبه حدثنا ابن حيان ، حدثنا ابن أبي داود ، حدثنا ، حدثنا أحمد بن صالح ابن وهب ، قال : قال مالك : الناس ينظرون إلى الله عز وجل يوم القيامة بأعينهم .
وبه حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا ، حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم يونس ، حدثنا ابن وهب ، سمعت يقول لرجل سأله عن القدر : نعم . قال الله تعالى : مالكا ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها . [ ص: 100 ]
وبه حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا ابن أبي عاصم ، سمعت سعيد بن عبد الجبار ، سمعت يقول : رأيي فيهم أن يستتابوا ، فإن تابوا ، وإلا قتلوا - يعني القدرية . مالكا
وبه حدثنا محمد بن علي العقيلي ، حدثنا القاضي أبو أمية الغلابي ، حدثنا سلمة بن شبيب ، حدثنا مهدي بن جعفر ، حدثنا جعفر بن عبد الله قال : كنا عند مالك ، فجاءه رجل ، فقال : يا أبا عبد الله : الرحمن على العرش استوى كيف استوى ؟ فما وجد مالك من شيء ما وجد من مسألته ، فنظر إلى الأرض ، وجعل ينكت بعود في يده ، حتى علاه الرحضاء ثم رفع رأسه ، ورمى بالعود ، وقال : الكيف منه غير معقول ، والاستواء منه غير مجهول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة ، وأظنك صاحب بدعة . وأمر به فأخرج .
قال سلمة بن شبيب مرة في رواية هذا : وقال للسائل : إني أخاف أن تكون ضالا .
وقال أبو الربيع الرشيديني : حدثنا ابن وهب قال : كنا عند مالك ، [ ص: 101 ] فقال رجل : يا أبا عبد الله : الرحمن على العرش استوى كيف استواؤه ؟ . فأطرق مالك ، وأخذته الرحضاء ، ثم رفع رأسه ، فقال : الرحمن على العرش استوى كما وصف نفسه ، ولا يقال له : كيف ، و " كيف " عنه مرفوع ، وأنت رجل سوء صاحب بدعة ، أخرجوه .
وقال محمد بن عمرو قشمرد النيسابوري : سمعت يحيى بن يحيى يقول : كنا عند مالك فجاءه رجل ، فقال : الرحمن على العرش استوى فذكر نحوه ، وفيه ، فقال : الاستواء غير مجهول .
وروى عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب : " الرد على الجهمية " له ، قال : حدثني أبي ، حدثنا سريج بن النعمان ، عن عبد الله بن نافع ، قال : قال مالك : الله في السماء ، وعلمه في كل مكان لا يخلو منه شيء .
وقال : حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني أبو بكر أحمد بن محمد العمري ، حدثنا ، سمعت ابن أبي أويس يقول : القرآن كلام الله ، وكلام الله منه ، وليس من الله شيء مخلوق . [ ص: 102 ] مالكا
قال القاضي عياض في سيرة مالك قال ابن نافع وأشهب - وأحدهما يزيد على الآخر - قلت : يا أبا عبد الله : وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ينظرون إلى الله ؟ قال : نعم ، بأعينهم هاتين . قلت : فإن قوما يقولون : ناظرة : بمعنى منتظرة إلى الثواب . قال : بل تنظر إلى الله ، أما سمعت قول موسى : رب أرني أنظر إليك أتراه سأل محالا ؟ قال الله : لن تراني في الدنيا ، لأنها دار فناء ، فإذا صاروا إلى دار البقاء ، نظروا بما يبقى إلى ما يبقى . قال تعالى : كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون .
قال القاضي وقال غير واحد عن مالك : الإيمان قول وعمل ، يزيد وينقص ، وبعضه أفضل من بعض .
قال : وقال ابن القاسم : كان مالك يقول : الإيمان يزيد . وتوقف عن النقصان .
قال : وروى ابن نافع ، عن مالك : من قال : القرآن مخلوق ، يجلد ويحبس .
قال : وفي رواية بشر بن بكر ، عن مالك قال : يقتل ولا تقبل له توبة .
يونس الصدفي : حدثنا أشهب ، عن مالك ، قال : القدرية لا [ ص: 103 ] تناكحوهم ، ولا تصلوا خلفهم .
أحمد بن عيسى : حدثنا ابن وهب ، قال : قال مالك : لا يستتاب من سب النبي - صلى الله عليه وسلم - من الكفار والمسلمين .
: حدثنا أبو أحمد بن عدي أحمد بن علي المدائني ، حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن جابر ، حدثنا أبو زيد بن أبي الغمر ، قال : قال القاسم : سألت عمن حدث بالحديث ، الذين قالوا : مالكا . والحديث الذي جاء : إن الله خلق آدم على صورته إن الله يكشف عن ساقه ، وأنه [ ص: 104 ] يدخل يده في جهنم حتى يخرج من أراد فأنكر مالك ذلك إنكارا شديدا ، ونهى أن يحدث بها أحد ، فقيل له : إن ناسا من أهل العلم يتحدثون به ، فقال : من هو ؟ قيل : ابن عجلان عن قال : لم يكن أبي الزناد ، ابن عجلان يعرف هذه الأشياء ، ولم يكن عالما . وذكر ، فقال : لم يزل عاملا لهؤلاء حتى مات . رواها أبا الزناد مقدام الرعيني ، عن ابن أبي الغمر ، ، قالا : حدثنا والحارث بن مسكين ابن القاسم .
قلت : أنكر الإمام ذلك ، لأنه لم يثبت عنده ، ولا اتصل به ، فهو معذور ، كما أن صاحبي " الصحيحين " معذوران في إخراج ذلك - أعني الحديث الأول والثاني - لثبوت سندهما ، وأما الحديث الثالث ، فلا أعرفه [ ص: 105 ] بهذا اللفظ ، فقولنا في ذلك وبابه : الإقرار ، والإمرار ، وتفويض معناه إلى قائله الصادق المعصوم .
وقال : حدثنا ابن عدي محمد بن هارون بن حسان ، حدثنا صالح بن أيوب ، حدثنا حبيب بن أبي حبيب ، حدثني مالك قال : يتنزل ربنا - تبارك وتعالى - أمره ، فأما هو ، فدائم لا يزول . قال صالح : فذكرت ذلك ليحيى بن بكير ، فقال : حسن والله ، ولم أسمعه من مالك .
قلت : لا أعرف صالحا ، وحبيب مشهور ، والمحفوظ عن مالك - رحمه الله - رواية أنه سأله عن أحاديث الصفات ، فقال : أمرها كما جاءت ، بلا تفسير . فيكون للإمام في ذلك قولان إن صحت رواية الوليد بن مسلم حبيب .
أحمد بن عبد الرحيم بن البرقي ، حدثنا عمرو بن أبي سلمة ، حدثنا عمرو بن حسان أن أبا خليد قال لمالك : يا أبا عبد الله إن أهل دمشق يقرءون : إبراهام . فقال : أهل دمشق بأكل البطيخ أعلم منهم بالقراءة . قال له أبو خليد : إنهم يدعون قراءة عثمان ، قال مالك : فهذا مصحف عثمان عندي . ودعا به ، ففتح ، فإذا فيه : إبراهام ، كما قال أهل دمشق .
قلت : رسم المصحف محتمل للقراءتين ، وقراءة الجمهور أفصح وأولى . [ ص: 106 ]
قال ابن القاسم : سألت عن مالكا علي وعثمان . فقال : ما أدركت أحدا ممن أقتدي به إلا وهو يرى الكف عنهما ، قال ابن القاسم : يريد التفضيل بينهما . فقلت : فأبو بكر وعمر ؟ فقال : ليس فيهما إشكال ، إنهما أفضل من غيرهما .
قال الحسن بن رشيق : سمعت يقول : أمناء الله على علم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة : النسائي شعبة ، ومالك ، . ويحيى القطان
قال القاضي عياض : قال معن : انصرف مالك يوما ، فلحقه رجل يقال له : أبو الجويرية ، متهم بالإرجاء . فقال : اسمع مني ، قال : احذر أن أشهد عليك . قال : والله ما أريد إلا الحق ، فإن كان صوابا فقل به ، أو فتكلم . قال : فإن غلبتني ؟ قال : اتبعني . قال : فإن غلبتك ؟ قال : اتبعتك . قال : فإن جاء رجل فكلمنا ، فغلبنا ؟ قال : اتبعناه . فقال مالك : يا هذا ، إن الله بعث محمدا - صلى الله عليه وسلم - بدين واحد ، وأراك تتنقل .
وعن مالك قال : الجدال في الدين ينشئ المراء ، ويذهب بنور العلم من القلب ويقسي ، ويورث الضغن .
قال القاضي عياض : قال أبو طالب المكي : كان مالك - رحمه الله - أبعد الناس من مذاهب المتكلمين ، وأشد نقضا للعراقيين . ثم قال القاضي عياض : قال سفيان بن عيينة : سأل رجل فقال : مالكا الرحمن على العرش استوى كيف استوى ؟ فسكت مالك حتى علاه الرحضاء ، ثم قال : الاستواء منه معلوم ، والكيف منه غير معقول ، والسؤال عن هذا [ ص: 107 ] بدعة ، والإيمان به واجب ، وإني لأظنك ضالا . أخرجوه . فناداه الرجل : يا أبا عبد الله ، والله لقد سألت عنها أهل البصرة والكوفة والعراق ، فلم أجد أحدا وفق لما وفقت له .