المعتصم
الخليفة أبو إسحاق محمد بن الرشيد هارون بن محمد المهدي بن المنصور العباسي .
ولد سنة ثمانين ومائة وأمه
ماردة أم ولد .
روى عن : أبيه ، وأخيه
المأمون يسيرا .
روى عنه :
إسحاق الموصلي ،
وحمدون بن إسماعيل .
بويع بعهد من
المأمون في رابع عشر رجب ، سنة ثمان عشرة .
[ ص: 291 ] وكان أبيض ، أصهب اللحية طويلها ، ربع القامة ، مشرب اللون ، ذا قوة وبطش وشجاعة وهيبة ، لكنه نزر العلم .
قيل : كان معه غلام في المكتب ، فمات الغلام ، فقال له أبوه : يا
محمد ، مات غلامك ، قال : نعم يا سيدي واستراح من الكتاب ، فقال : أوإن الكتاب ليبلغ منك هذا ! دعوه ، فكانت قراءته ضعيفة .
قال
خليفة : حج بالناس سنة مائتين .
قال
الرياشي : كتب طاغية
الروم إلى
المعتصم يتهدده ، فأمر بجوابه ، فلما عرض عليه رماه ، وقال للكاتب : اكتب : " أما بعد ، فقد قرأت كتابك ، وسمعت خطابك ، والجواب ما ترى لا ما تسمع ، وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار .
قلت : وامتحن الناس بخلق القرآن ، وكتب بذلك إلى الأمصار ، وأخذ بذلك المؤذنين وفقهاء المكاتب ، ودام ذلك حتى أزاله
المتوكل بعد أربعة عشر عاما .
وكان في سنة 218 الوباء المفرط والقحط
بمصر ، ومات أكثرهم ، وأمر
المعتصم بهد "
طوانة " التي بذر
المأمون في بنائها من عامين بيوت
[ ص: 292 ] الأموال واشتد البلاء
ببابك ، وهزم الجيوش ، ودخل في دينه خلائق من
العجم ، وعسكر
بهمذان ، فبرز لقتاله
إسحاق المصعبي ، فكانت ملحمة عظمى ، فقال : قتل منهم ستون ألفا ، وهرب باقيهم إلى
الروم .
وظهر سنة 219
محمد بن القاسم العلوي ، يدعو إلى الرضى من آل
محمد ، وتمت له حروب إلى أن قيده
ابن طاهر ، ثم هرب من السجن ، وأضمرته البلاد .
وفي سنة عشرين : عقد
المعتصم للأفشين في جيش لجب لقتال
بابك ، فتمت ملحمة انهزم فيها
بابك إلى
موغان ، ومنها إلى مدينة له تسمى
البذ .
وفي رمضان كانت محنة الإمام
أحمد في القرآن ، وضرب بالسياط حتى زال عقله ، ولم يجب ، فأطلقوه وأمر
المعتصم بإنشاء مدينة
[ ص: 293 ] سامرا اشترى أرضها من رهبان
بالقاطول وغضب على وزيره
الفضل بن مروان ، وأخذ منه نحوا من عشرة آلاف ألف دينار ، ونفاه واستوزر
محمد بن الزيات ، واعتنى باقتناء المماليك
الترك ، وبعث إلى النواحي في شرائهم ، وألبسهم الحرير والذهب .
وفي سنة 221 : كانت وقعة بين العسكر
وبابك .
وحج فيها
حنبل ، فقال : رأيت كسوة الكعبة ، وقد كتب فيها في الدارات : ليس كمثله شيء وهو اللطيف الخبير فحدثت به
أبا عبد الله ، فقال : قاتل الله الخبيث ، عمد إلى كلام الله ، فغيره -عنى
ابن أبي دواد .
وفي سنة اثنتين وعشرين : كان المصاف بين
بابك الخرمي وبين
الأفشين ، فطحنه
الأفشين ، واستباح عسكره ، وهرب . ثم إنه أسر بعد فصول طويلة وكان أحد الأبطال ، أخاف الإسلام وأهله ، وهزم الجيوش
[ ص: 294 ] عشرين سنة ، وغلب على
أذربيجان وغيرها ، وأراد أن يقيم الملة المجوسية ، وظهر في أيامه
المازيار أيضا بالمجوسية
بطبرستان وعظم البلاء .
وكان
المعتصم والمأمون قد أنفقوا على حرب
بابك قناطير مقنطرة من الذهب والفضة ، ففي هذه السنة ، بعث
المعتصم نفقات إلى جيشه مع
الأفشين فكانت ثلاثين ألف ألف درهم ، وأخذت البذ مدينة
بابك اللعين واختفى في
غيضة ، وأسر أهله وأولاده ، وقطع دابر
الخرمية .
ثم ورد أمان من
المعتصم لبابك ، فبعث به
الأفشين إليه مع اثنين ، وكتب ابنه إليه يشير عليه بقبول الأمان ، فلما دخلا إلى الشعراء التي فيها
بابك ، قتل أحدهما ، وقال للآخر : امض إلى ابن الفاعلة ابني ، فقل : لو كان ابني للحق بي .
ثم مزق الأمان ، وفارق
الغيضة ، وصعد الجبل في
[ ص: 295 ] طرق يعرفها ، لا تسلك . وكان
الأفشين قد رتب الكمناء في المضايق ، فنجا
بابك ، ولجأ إلى جبال
أرمينية ، فلقيه
سهل البطريق ، فقال : الطلب وراءك ، فانزل عندي ، فنزل ، وركن إليه ، فبعث البطريق إلى
الأفشين بذلك ، فجاء فرسان ، فأحاطوا به وأخذوه ، وكان
المعتصم قد جعل لمن جاء به حيا ألفي ألف درهم ، ولمن جاء برأسه ألف ألف ، فأعطي البطريق ألف ألف ، وأطلق له خراجه عشرين سنة .
وقال
المسعودي : هرب
بابك بأخيه وأهله وخواصه في زي التجار ، فنزل بأرض
أرمينية بعمل
سهل بن سنباط ، فابتاعوا شاة من راع ، فنكرهم ، فأتى
سهلا ، فأعلمه ، فقال : هذا
بابك بلا شك ، فركب في أجناده حتى أتى
بابك ، فترجل وسلم عليه بالملك ، وقال : قم إلى قصرك ، فأنا عبدك ، فمضى معه ، ومد السماط له ، وأكل معه ، فقال
بابك : أمثلك يأكل معي ! فوقف واعتذر ، ثم أحضر حدادا ليقيده ، فقال : أغدرا يا
سهل ؟ ! قال : يا ابن الفاعلة ، إنما أنت راعي بقر ، ثم قيد أتباعه ، وكاتب
الأفشين ، فجهز أربعة آلاف ، فتسلموه ، وجاء
سهل ، فخلع عليه
الأفشين ، وبعثت بطاقة بذلك إلى
بغداد ، فضج الناس بالتكبير والشكر لله ، ثم قدموا
ببابك في صفر سنة ثلاث .
وكان
المعتصم يبعث كل يوم بخلعة وفرس
للأفشين ، ومن سروره بذلك رتب البريد منه إلى
الأفشين ، فكان يجيئه الخبر في أربعة أيام وذلك
[ ص: 296 ] مسيرة شهر ، ثم أتى
أحمد بن أبي دواد متنكرا في الليل ، فشاهد
بابك ، ثم أعلم
المعتصم ، فما صبر ، وأتاه متنكرا ، فتأمله .
وكان هذا الشقي ثنويا على دين
ماني ومزدك ، يقول بتناسخ الأرواح ، ويستحل البنت وأمها .
وقيل : كان ولد زنى ، وكانت أمه عوراء ، يقال لها :
رومية العلجة ، وكان
علي بن مزدكان يدعي أنه زنى بها ،
وبابك منه .
وقيل : كانت صعلوكة من قرى
أذربيجان ، فزنى بها نبطي ، فحملت منه
ببابك ، فربي
بابك أجيرا في القرية ، وكان هناك قوم من
الخرمية لهم كبيران :
جاوندان وعمران ، فتفرس
جاوندان النجابة في
بابك ، فاكتراه من أمه ، فهويته زوجة
جاوندان ، وأطلعته على الأسرار ، ثم قتل زوجها في محاربة لابن عمه ، فزعمت أن زوجها استخلف
بابك ، فصدقها الجميع ، فأمرهم أن يقتلوا من وجدوه في الليل ، فأصبح عدة قتلى ، وانضاف إليهم كل شرير وقاطع طريق ، وصار أمر
بابك إلى ما صار ، وكانت دولته عشرين سنة بل أزيد ، وكان معه نحو من عشرين ألف مقاتل فارغين من الدين ، وبعضهم زنادقة ، وقتلوا ، وسبوا ، وأخذوا الحصون .
[ ص: 297 ] نعم وأمر المعتصم ، فأركب
بابك فيلا ، وألبسه الديباج وقلنسوة كبيرة من سمور ، وطافوا به ، ثم قطعت أربعته وهو ساكت ، ثم ذبح ، وطيف برأسه بسامراء ، ثم بعث بأخيه إلى
بغداد ، فعمل به كذلك .
ويقال : كان أشجع من
بابك ، فقال : يا
بابك قد عملت ما لم يعمله أحد ، فاصبر صبرا لم يصبره أحد ، قال : سوف ترى ، فلما قطعوا يده خضب صورته بالدم ، فقال
المعتصم : لم فعلت ؟ قال : إنك أمرت بقطع أطرافي ، وفي نفسك أن لا تكويها ، فينزف الدم ، فيصفر لوني ، فتظنونه جزعا مني ، فقال : لولا أن أفعاله لا تسوغ الصنيعة والعفو لاستبقيته ، ثم أحرق .
وقيل : إنه أباد من الأمة خلائق . وبخط الإمام
ابن الصلاح : أن قتلى بابك بلغوا ألف ألف وخمسمائة ألف وأحصي قتلى أبي مسلم الخراساني ، فبلغوا ألفي ألف .
وفيها : التقى طاغية
الروم والأفشين ، فهزمه ولكن بعد أيام ، وخرب
المعتصم أنقرة ، وأنكى في
الروم ، وأخذ
عمورية عنوة ، وأوطأ
الروم خوفا وذلا ، وأخذ بثأر الإسلام من الطاغية
توفيل بن ميخائيل الذي أغار على
زبطرة ،
وملطية . فدخل
المعتصم الروم في مائتي ألف مقاتل وأزيد ، حتى لقيل : كان في خمسمائة ألف ، وصمم على محاصرة
قسطنطينية ،
[ ص: 298 ] فأتاه ما أزعجه من خروج
العباس بن المأمون عليه ، فظفر
بالعباس ، وكان
العباس بديع الحسن ، وكان بليدا ، غزا في أيام أبيه
الروم ، وولي
الجزيرة ، وذهبت منه الخلافة بغيبته ، ثم نخاه
عجيف ، وشجعه على الخروج ، ووافقه عدة أمراء ، وعرف
المعتصم ، فأخذ
العباس ، فقيل : غمه بكساء حتى تلف بمنبج .
وقيل : إن
nindex.php?page=showalam&ids=17299يحيى بن أكثم ، نظر إليه ، فتبسم
المأمون ، فروى
يحيى حديثا في النظر إلى الوجه الحسن ، فقال
المأمون : اتق الله ، فهذا الحديث كذب .
ولما عظم
الأفشين باستئصاله
لبابك ، طلب نيابة
خراسان ، وبلغه خروج
المازيار ومحاربته
nindex.php?page=showalam&ids=13312لابن طاهر ، فدس من استماله له ، وقوى عزمه ، وخرب
المازيار البلاد ، وقتل وعسف .
ثم جهز
المعتصم في سنة أربع وعشرين
الأفشين لحربه ، وبعث
ابن طاهر جيشا عليهم عمه لحربه أيضا ، وجرت حروب يطول بسطها ، وقتل
المازيار .
وفي سنة خمس : قبض
المعتصم على
الأفشين ، وكان عدوا
nindex.php?page=showalam&ids=13312لابن طاهر ،
وابن أبي دواد ، فعقراه ، وألقيا في ذهن المعتصم أنه يريد قتلك ، فتهدد كاتبه ، فاعترف ، وقال : أمرني أن أكتب إلى
المازيار : إنه لم يبق غيري وغيرك ، وجيش الخليفة عند
ابن طاهر ، وما عند الخليفة سواي ، فإن هزمت
ابن طاهر كفيتك
المعتصم ، ويخلص لنا الدين الأبيض -يعني
[ ص: 299 ] المجوسية- وكان يتهم بها ، فوهب
المعتصم للكاتب ذهبا ، وقال : إن نطقت ، قتلتك .
وعن
ابن أبي دواد ، قال : دخلت عليه وهو يبكي ، ويقلق ، وقال لي : رجل أنفقت عليه ألفي ألف دينار ، ويريد قتلي ! قد تصدقت بعشرة آلاف ألف درهم ، فخذها ففرقها .
وكان
الأفشين قد بعث أموالا له إلى
أشروسنة وهم بالهرب إليها ، ثم هيأ دعوة ليسم فيها
المعتصم وقواده ، فإن لم يجئ سم القواد ، ويذهب إلى
أرمينية ، ومنها إلى
أشروسنة ، فما تهيأ له ذلك ، وقبض عليه
المعتصم ، وعلى ابنه
حسن ، وأتي
بالمازيار أسيرا .
فقيل : أحضر هو ،
والأفشين ،
وموبذ ملك
السغد ،
ومرزبان عند
المعتصم ، فأحضر اثنان ، فعريا ، فإذا أجنابهما عرية من اللحم ، فقال
ابن الزيات للأفشين : يا
حيدر ، تعرفهما ؟ قال : نعم ، هذا مؤذن ، وهذا إمام ، بنيا مسجدا
بأشروسنة ، ضربتهما ألف سوط ، لأن بيني وبين ملوك
السغد عهدا أن أترك كل قوم على دينهم ، فوثب هذان على بيت أصنام
أشروسنة ، فرميا الأصنام ، وعملاه مسجدا ، فضربتهما .
قال
ابن الزيات : فما كتاب قد زينته بالذهب والجواهر فيه الكفر ؟
قال : كتاب ورثته من أبي ، فيه آداب وحكم للأكاسرة ، فآخذ منه الأدب ،
[ ص: 300 ] وأدع ما سواه ، مثل كتاب " كليلة ودمنة " .
فقال
ابن الزيات للموبذ : ما تقول ؟ قال : إنه يأكل المخنوقة ، ويحملني على أكلها ، ويقول : لحمها أرطب . وقال لي : إني دخلت لهؤلاء في كل ما أكره حتى أكلت الزيت ، وركبت الجمل ، ولبست النعل ، غير أني ما حلقت عانتي قط ، ولم يختتن -وكان
الموبذ مجوسيا ، وأسلم بعد- قال
الأفشين : خبروني عن هذا المتكلم ، أثقة هو في دينه ؟ قالوا : لا . قال : فكيف تصدقونه ؟ فقام
المرزبان ، فقال : يا
أفشين ، كيف يكتب إليك أهل مملكتك ؟ قال : كما يكتبون إلى آبائي : إلى الإله من عبده . قال
ابن أبي دواد : فما أبقيت
لفرعون ؟ قال : خفت فسادهم بتغيير العادة .
قال له
إسحاق بن إبراهيم المصعبي : كيف تحلف فنصدقك ، وأنت تدعي ما يدعي
فرعون ؟ قال : يا
إسحاق ، هذه سورة قرأها
عجيف على
علي بن هشام ، وأنت تقرؤها علي ، فانظر من يقرؤها عليك .
ثم تقدم
مازيار ، فقيل : أتعرفه ؟ قال : نعم . قالوا : هل كاتبته ؟
قال : لا . فقالوا
للمازيار : أكتب إليك ؟ قال : كتب إلي أخوه على لسانه : إنه لم يكن ينصر هذا الدين الأبيض غيري وغيرك وغير
بابك ، فأما
بابك ، فبحمقه قتل نفسه ، فإن خالفت ، لم يكن للخليفة من يرى لقتالك غيري ، ومعي الفرسان وأهل النجدة والبأس ، فإن وجهت إليك ، لم يبق أحد يحاربنا إلا العرب والمغاربة
والأتراك ، فأما العربي ، فمنزلته ككلب أطرح له كسرة ، ثم أضرب رأسه بالدبوس ، وهؤلاء الذئاب -يعني المغاربة - فأكلة رأس ، وأما التركي ، فإنما هي ساعة ، وتنفد سهامهم ، ثم تجول عليهم الخيل جولة ، ويعود الدين إلى ما كان .
[ ص: 301 ] فقال
الأفشين : هذا يدعي على أخي ، ولو كنت قد كتبت بهذا إليه لأخدعه ، لكان غير مستنكر ، وكنت آخذ برقبته . فزجره
ابن أبي دواد ،
وقال : أختين أنت ؟ قال : لا ، قال : لم ؟ قال : خفت التلف . قال : أنت تلقى الحروب وتخاف من قطعة قلفة ؟ قال : تلك ضرورة أصبر عليها ، وتلك القلفة لا أخرج بها من الإسلام ، فقال
أحمد : قد بان لكم أمره .
وفيها سقطت أكثر
الأهواز من الزلزلة ، ودامت أياما .
وفي سنة ست : وقع برد كالبيض من السماء قتل ثلاثمائة وسبعين نفسا .
ومنع
الأفشين المذكور من الطعام ، حتى هلك ، ثم صلب ميتا ، وأحرق مع أصنام عنده ، وهو من أولاد الأكاسرة ، وكان أكبر الدولة .
وأما
المازيار ، واسمه محمد بن قارن ، فظالم غاشم جبار ، ظهر
بطبرستان ، وحارب عسكر
المعتصم ، ثم أسر فضرب حتى مات ، وصلب ، وترك أموالا لا تنحصر .
وفي سنة 227 : ظهر
أبو حرب المبرقع بفلسطين ! وزعم أنه
[ ص: 302 ] السفياني ، ودعا إلى إقامة الحق ، وكان قتل جنديا آذى زوجته ثم ألبس وجهه برقعا ، وأقام
بالغور ، واستفحل أمره ، واجتمع عليه أهل البر ، وتفاقم الأمر ، فسار لحربه أمير
دمشق رجاء الحصاري في ألف فارس ، فوجده في زهاء مائة ألف ، فهابه ، فلما جاء وقت الزراعة تفرقوا ، حتى بقي في نحو ألفين ، فالتقوا ، وكان المبرقع شجاعا مقداما ، فحمل على الجيش ، فأفرجوا ، فأحاطوا به ، فأسروه وسجن ، فمات .
قال
ابن عائذ : واقع
رجاء أهل المرج ،
وجسرين ، وكفر بطنا وسقبا ، وقتل خلق .
وقيل : بيت أهل كفر بطنا ، فقتل أزيد من مائة ألف ، وقتل الأطفال ، وقتل من الجند ثلاثمائة .
قال
نفطويه : يقال
للمعتصم : المثمن ، فإنه ثامن
بني العباس ، وتملك ثماني سنين ، وثمانية أشهر . وله فتوحات ثمانية :
بابك ،
وعمورية ،
والزط ، وبحر
البصرة ،
وقلعة الأجراف ، وعرب ديار
ربيعة ،
والشاري ، وفتح
مصر - يعني قهر أهلها - قبل خلافته . وقتل ثمانية :
بابك ،
والأفشين ،
ومازيار ،
وباطيس ، ورئيس الزنادقة ،
وعجيفا ،
وقارون ، وأمير
الرافضة .
وقال غير
نفطويه : خلف من الذهب ثمانية آلاف ألف دينار ، وثمانية عشر ألف ألف درهم ، وثمانين ألف فرس ، وثمانية آلاف مملوك ، وثمانية
[ ص: 303 ] آلاف جارية ، وبنى ثمانية قصور . وقيل : بلغ مماليكه ثمانية عشر ألفا ، وكان ذا سطوة إذا غضب لا يبالي من قتل .
قال
إسحاق الموصلي : دخلت عليه ، وعنده قينة تغني ، فقال : كيف ترى ؟ قلت : تقهر الغناء برفق ، وتجيله برفق ، وتخرج من شيء إلى ما هو أحسن منه ، وفي صوتها شجا وشذور أحسن من در على نحور . فقال : وصفك لها أحسن ، خذها لك ، فامتنعت لعلمي بمحبته لها ، فأعطاني مقدار قيمتها .
قيل : لما تجهز لغزو
عمورية ، زعم المنجمون أنه طالع نحس ويكسر ، فانتصر ، فقال
أبو تمام تلك القصيدة
السيف أصدق أنباء من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب والعلم في شهب الأرماح لامعة
بين الخميسين لا في السبعة الشهب [ ص: 304 ] أين الرواية أم أين النجوم وما
صاغوه من زخرف فيها ومن كذب تخرصا وأحاديثا ملفقة
ليست بنبع إذا عدت ولا غرب
عن
أحمد بن أبي دواد ، قال : كان
المعتصم يخرج إلي ساعده ، ويقول : عضه بأكبر قوتك ، فأقول : ما تطيب نفسي ، فيقول : لا يضرني ، فأروم ذلك فإذا هو لا تعمل فيه الأسنة فضلا عن الأسنان .
وقبض على جندي ظالم ، فسمعت صوت عظامه ، ثم أرسله ، فسقط .
وعن
ابن أبي دواد ، وذكر
المعتصم ، فبالغ وقال : كنت أزامله في سفره ، ووصف سعة أخلاقه .
[ ص: 305 ] قال
الخطيب : كثر عسكر
المعتصم ، وضاقت عليهم
بغداد ، فبنى مدينة "
سر من رأى " وتحول إليها . وتسمى أيضا : العسكر .
وقيل : كان عليق دواب
المعتصم خمسين ألف مخلاة .
وقيل : إنه قال في مرضه :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=44حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة .
وقال
علي بن الجعد : جعل
المعتصم يقول : ذهبت الحيلة ، فليس حيلة ، حتى صمت .
وقيل : إنه قال : أوخذ وحدي من بين هذا الخلق .
وله نظم وسط وكلمات جيدة .
وقيل : إنه جعل زند رجل بين أصبعيه ، فكسره .
قيل : إنه قال : عاقل عاقل مرتين أحمق .
[ ص: 306 ] قال
إسحاق المصعبي : والله ما رأيت مثل
المعتصم رجلا ، لقد رأيته يملي كتابا ، ويقرأ كتابا ، ويعقد بيده ، وإنه لينشد شعرا يتمثل به .
مات
المعتصم يوم الخميس لإحدى عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة سبع وعشرين ومائتين وله سبع وأربعون سنة وسبعة أشهر ، ودفن "
بسر من رأى " وصلى عليه ابنه
الواثق .
وقيل : إنه قال : اللهم إني أخافك من قبلي ، ولا أخافك من قبلك ، وأرجوك من قبلك ، ولا أرجوك من قبلي .
ولنذكر معه ابنه
الواثق ، وله من الولد أيضا :
جعفر المتوكل ،
والعباس ،
وعلي ،
وأحمد ،
ومحمد ،
وعبد الله ،
وسليمان ،
وإبراهيم ،
وفاطمة ،
وأم القاسم ،
وأم العباس ،
وأم موسى ،
nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة ،
nindex.php?page=showalam&ids=11696وأم الفضل ،
وأم محمد ،
وأم عيسى ،
وأم موسى ،
وأم أبيها ، وأم عبد الله .
الْمُعْتَصِمُ
الْخَلِيفَةُ أَبُو إِسْحَاقَ مُحَمَّدُ بْنُ الرَّشِيدِ هَارُونَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَهْدِيِّ بْنِ الْمَنْصُورِ الْعَبَّاسِيِّ .
وُلِدَ سَنَةَ ثَمَانِينَ وَمِائَةٍ وَأُمُّهُ
مَارِدَةُ أُمُّ وَلَدٍ .
رَوَى عَنْ : أَبِيهِ ، وَأَخِيهِ
الْمَأْمُونِ يَسِيرًا .
رَوَى عَنْهُ :
إِسْحَاقُ الْمَوْصِلِيُّ ،
وَحَمْدُونُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ .
بُويِعَ بِعَهْدٍ مِنَ
الْمَأْمُونِ فِي رَابِعِ عَشَرَ رَجَبٍ ، سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ .
[ ص: 291 ] وَكَانَ أَبْيَضَ ، أَصْهَبَ اللِّحْيَةِ طَوِيلَهَا ، رَبْعَ الْقَامَةِ ، مُشْرَبَ اللَّوْنِ ، ذَا قُوَّةٍ وَبَطْشٍ وَشَجَاعَةٍ وَهَيْبَةٍ ، لَكِنَّهُ نَزْرُ الْعِلْمِ .
قِيلَ : كَانَ مَعَهُ غُلَامٌ فِي الْمَكْتَبِ ، فَمَاتَ الْغُلَامُ ، فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ : يَا
مُحَمَّدُ ، مَاتَ غُلَامُكَ ، قَالَ : نَعَمْ يَا سَيِّدِي وَاسْتَرَاحَ مِنَ الْكُتَّابِ ، فَقَالَ : أَوَإِنَّ الْكُتَّابَ لَيَبْلُغُ مِنْكَ هَذَا ! دَعُوهُ ، فَكَانَتْ قِرَاءَتُهُ ضَعِيفَةً .
قَالَ
خَلِيفَةُ : حَجَّ بِالنَّاسِ سَنَةَ مِائَتَيْنِ .
قَالَ
الرِّيَاشِيُّ : كَتَبَ طَاغِيَةُ
الرُّومِ إِلَى
الْمُعْتَصِمِ يَتَهَدَّدُهُ ، فَأَمَرَ بِجَوَابِهِ ، فَلَمَّا عَرَضَ عَلَيْهِ رَمَاهُ ، وَقَالَ لِلْكَاتِبِ : اكْتُبْ : " أَمَّا بَعْدُ ، فَقَدْ قَرَأْتُ كِتَابَكَ ، وَسَمِعْتُ خِطَابَكَ ، وَالْجَوَابُ مَا تَرَى لَا مَا تَسْمَعُ ، وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ .
قُلْتُ : وَامْتَحَنَ النَّاسَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ ، وَكَتَبَ بِذَلِكَ إِلَى الْأَمْصَارِ ، وَأَخَذَ بِذَلِكَ الْمُؤَذِّنِينَ وَفُقَهَاءَ الْمَكَاتِبِ ، وَدَامَ ذَلِكَ حَتَّى أَزَالَهُ
الْمُتَوَكِّلُ بَعْدَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ عَامًا .
وَكَانَ فِي سَنَةِ 218 الْوَبَاءُ الْمُفْرِطُ وَالْقَحْطُ
بِمِصْرَ ، وَمَاتَ أَكْثَرُهُمْ ، وَأَمَرَ
الْمُعْتَصِمُ بِهَدِّ "
طُوَانَةَ " الَّتِي بَذَّرَ
الْمَأْمُونُ فِي بِنَائِهَا مِنْ عَامَيْنِ بُيُوتَ
[ ص: 292 ] الْأَمْوَالِ وَاشْتَدَّ الْبَلَاءُ
بِبَابَكَ ، وَهَزَمَ الْجُيُوشَ ، وَدَخَلَ فِي دِينِهِ خَلَائِقُ مِنَ
الْعَجَمِ ، وَعَسْكَرَ
بِهَمَذَانَ ، فَبَرَزَ لِقِتَالِهِ
إِسْحَاقُ الْمُصْعَبِيُّ ، فَكَانَتْ مَلْحَمَةٌ عُظْمَى ، فَقَالَ : قُتِلَ مِنْهُمْ سُتُّونَ أَلْفًا ، وَهَرَبَ بَاقِيهِمْ إِلَى
الرُّومِ .
وَظَهَرَ سَنَةَ 219
مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ الْعَلَوِيُّ ، يَدْعُو إِلَى الرِّضَى مِنْ آلِ
مُحَمَّدٍ ، وَتَمَّتْ لَهُ حُرُوبٌ إِلَى أَنْ قَيَّدَهُ
ابْنُ طَاهِرٍ ، ثُمَّ هَرَبَ مِنَ السِّجْنِ ، وَأَضْمَرَتْهُ الْبِلَادُ .
وَفِي سَنَةِ عِشْرِينَ : عَقَدَ
الْمُعْتَصِمُ لِلْأَفْشِينِ فِي جَيْشٍ لَجِبٍ لِقِتَالِ
بَابَكَ ، فَتَمَّتْ مَلْحَمَةٌ انْهَزَمَ فِيهَا
بَابَكُ إِلَى
مُوغَانَ ، وَمِنْهَا إِلَى مَدِينَةٍ لَهُ تُسَمَّى
الْبَذَّ .
وَفِي رَمَضَانَ كَانْتْ مِحْنَةُ الْإِمَامِ
أَحْمَدَ فِي الْقُرْآنِ ، وَضُرِبَ بِالسِّيَاطِ حَتَّى زَالَ عَقْلُهُ ، وَلَمْ يُجِبْ ، فَأَطْلَقُوهُ وَأَمَرَ
الْمُعْتَصِمُ بِإِنْشَاءِ مَدِينَةِ
[ ص: 293 ] سَامُرَّا اشْتَرَى أَرْضَهَا مِنْ رُهْبَانٍ
بِالْقَاطُولِ وَغَضِبَ عَلَى وَزِيرِهِ
الْفَضْلِ بْنِ مَرْوَانَ ، وَأَخَذَ مِنْهُ نَحْوًا مِنْ عَشَرَةِ آلَافِ أَلْفِ دِينَارٍ ، وَنَفَاهُ وَاسْتَوْزَرَ
مُحَمَّدَ بْنَ الزَّيَّاتِ ، وَاعْتَنَى بِاقْتِنَاءِ الْمَمَالِيكِ
التُّرْكِ ، وَبَعَثَ إِلَى النَّوَاحِي فِي شِرَائِهِمْ ، وَأَلْبَسَهُمُ الْحَرِيرَ وَالذَّهَبَ .
وَفِي سَنَةِ 221 : كَانَتْ وَقْعَةٌ بَيْنَ الْعَسْكَرِ
وَبَابَكَ .
وَحَجَّ فِيهَا
حَنْبَلٌ ، فَقَالَ : رَأَيْتُ كِسْوَةَ الْكَعْبَةِ ، وَقَدْ كُتِبَ فِيهَا فِي الدَّارَاتِ : لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ فَحَدَّثْتُ بِهِ
أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ، فَقَالَ : قَاتَلَ اللَّهُ الْخَبِيثَ ، عَمَدَ إِلَى كَلَامِ اللَّهِ ، فَغَيَّرَهُ -عَنَى
ابْنَ أَبِي دُوَادَ .
وَفِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ : كَانَ الْمَصَافُّ بَيْنَ
بَابَكَ الْخُرَّمِيِّ وَبَيْنَ
الْأَفْشِينِ ، فَطَحَنَهُ
الْأَفْشِينُ ، وَاسْتَبَاحَ عَسْكَرَهُ ، وَهَرَبَ . ثُمَّ إِنَّهُ أُسِرَ بَعْدَ فُصُولٍ طَوِيلَةٍ وَكَانَ أَحَدَ الْأَبْطَالِ ، أَخَافَ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ ، وَهَزَمَ الْجُيُوشَ
[ ص: 294 ] عِشْرِينَ سَنَةً ، وَغَلَبَ عَلَى
أَذْرَبِيجَانَ وَغَيْرِهَا ، وَأَرَادَ أَنْ يُقِيمَ الْمِلَّةَ الْمَجُوسِيَّةَ ، وَظَهَرَ فِي أَيَّامِهِ
الْمَازِيَارُ أَيْضًا بِالْمَجُوسِيَّةِ
بِطَبَرِسْتَانَ وَعَظُمَ الْبَلَاءُ .
وَكَانَ
الْمُعْتَصِمُ وَالْمَأْمُونُ قَدْ أَنْفَقُوا عَلَى حَرْبِ
بَابَكَ قَنَاطِيرَ مُقَنْطَرَةً مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ، فَفِي هَذِهِ السَّنَةِ ، بَعَثَ
الْمُعْتَصِمُ نَفَقَاتٍ إِلَى جَيْشِهِ مَعَ
الْأَفْشِينِ فَكَانَتْ ثَلَاثِينَ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ ، وَأَخَذَتِ الْبَذُّ مَدِينَةَ
بَابَكَ اللَّعِينِ وَاخْتَفَى فِي
غَيْضَةَ ، وَأُسِرَ أَهْلُهُ وَأَوْلَادُهُ ، وَقُطِعَ دَابِرُ
الْخُرَّمِيَّةِ .
ثُمَّ وَرَدَ أَمَانٌ مِنَ
الْمُعْتَصِمِ لِبَابَكَ ، فَبَعَثَ بِهِ
الْأَفْشِينُ إِلَيْهِ مَعَ اثْنَيْنِ ، وَكَتَبَ ابْنُهُ إِلَيْهِ يُشِيرُ عَلَيْهِ بِقَبُولِ الْأَمَانِ ، فَلَمَّا دَخَلَا إِلَى الشُّعَرَاءِ الَّتِي فِيهَا
بَابَكُ ، قَتَلَ أَحَدَهُمَا ، وَقَالَ لِلْآخَرِ : امْضِ إِلَى ابْنِ الْفَاعِلَةِ ابْنِي ، فَقُلْ : لَوْ كَانَ ابْنِي لَلَحِقَ بِي .
ثُمَّ مَزَّقَ الْأَمَانَ ، وَفَارَقَ
الْغَيْضَةَ ، وَصَعِدَ الْجَبَلَ فِي
[ ص: 295 ] طُرُقٍ يَعْرِفُهَا ، لَا تُسْلَكُ . وَكَانَ
الْأَفْشِينُ قَدْ رَتَّبَ الْكُمَنَاءَ فِي الْمَضَايِقِ ، فَنَجَا
بَابَكُ ، وَلَجَأَ إِلَى جِبَالِ
أَرْمِينِيَّةَ ، فَلَقِيَهُ
سَهْلٌ الْبِطْرِيقُ ، فَقَالَ : الطَّلَبُ وَرَاءَكَ ، فَانْزِلْ عِنْدِي ، فَنَزَلَ ، وَرَكَنَ إِلَيْهِ ، فَبَعَثَ الْبِطْرِيقُ إِلَى
الْأَفْشِينِ بِذَلِكَ ، فَجَاءَ فُرْسَانٌ ، فَأَحَاطُوا بِهِ وَأَخَذُوهُ ، وَكَانَ
الْمُعْتَصِمُ قَدْ جَعَلَ لِمَنْ جَاءَ بِهِ حَيًّا أَلْفَيْ أَلْفِ دِرْهَمٍ ، وَلِمَنْ جَاءَ بِرَأْسِهِ أَلْفَ أَلْفٍ ، فَأُعْطِيَ الْبِطْرِيقُ أَلْفَ أَلْفٍ ، وَأُطْلِقَ لَهُ خَرَاجُهُ عِشْرِينَ سَنَةً .
وَقَالَ
الْمَسْعُودِيُّ : هَرَبَ
بَابَكُ بِأَخِيهِ وَأَهْلِهِ وَخَوَاصِّهِ فِي زِيِّ التُّجَّارِ ، فَنَزَلَ بِأَرْضِ
أَرْمِينِيَّةَ بِعَمَلِ
سَهْلِ بْنِ سُنْبَاطٍ ، فَابْتَاعُوا شَاةً مِنْ رَاعٍ ، فَنَكِرَهُمْ ، فَأَتَى
سَهْلًا ، فَأَعْلَمُهُ ، فَقَالَ : هَذَا
بَابَكُ بِلَا شَكٍّ ، فَرَكِبَ فِي أَجْنَادِهِ حَتَّى أَتَى
بَابَكَ ، فَتَرَجَّلَ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ بِالْمُلْكِ ، وَقَالَ : قُمْ إِلَى قَصْرِكَ ، فَأَنَا عَبْدُكَ ، فَمَضَى مَعَهُ ، وَمَدَّ السِّمَاطَ لَهُ ، وَأَكَلَ مَعَهُ ، فَقَالَ
بَابَكُ : أَمِثْلُكَ يَأْكُلُ مَعِي ! فَوَقَفَ وَاعْتَذَرَ ، ثُمَّ أَحْضَرَ حَدَّادًا لِيُقَيِّدَهُ ، فَقَالَ : أَغَدْرًا يَا
سَهْلُ ؟ ! قَالَ : يَا ابْنَ الْفَاعِلَةِ ، إِنَّمَا أَنْتَ رَاعِي بَقَرٍ ، ثُمَّ قَيَّدَ أَتْبَاعَهُ ، وَكَاتَبَ
الْأَفْشِينِ ، فَجَهَّزَ أَرْبَعَةَ آلَافٍ ، فَتَسَلَّمُوهُ ، وَجَاءَ
سَهْلٌ ، فَخَلَعَ عَلَيْهِ
الْأَفْشِينُ ، وَبُعِثَتْ بِطَاقَةٌ بِذَلِكَ إِلَى
بَغْدَادَ ، فَضَجَّ النَّاسُ بِالتَّكْبِيرِ وَالشُّكْرِ لِلَّهِ ، ثُمَّ قَدِمُوا
بِبَابَكَ فِي صَفَرٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ .
وَكَانَ
الْمُعْتَصِمُ يَبْعَثُ كُلَّ يَوْمٍ بِخُلْعَةٍ وَفَرَسٍ
لِلْأَفْشِينِ ، وَمِنْ سُرُورِهِ بِذَلِكَ رَتَّبَ الْبَرِيدَ مِنْهُ إِلَى
الْأَفْشِينِ ، فَكَانَ يَجِيئُهُ الْخَبَرُ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَذَلِكَ
[ ص: 296 ] مَسِيرَةَ شَهْرٍ ، ثُمَّ أَتَى
أَحْمَدُ بْنُ أَبِي دُوَادَ مُتَنَكِّرًا فِي اللَّيْلِ ، فَشَاهَدَ
بَابَكَ ، ثُمَّ أَعْلَمَ
الْمُعْتَصِمَ ، فَمَا صَبَرَ ، وَأَتَاهُ مُتَنَكِّرًا ، فَتَأَمَّلَهُ .
وَكَانَ هَذَا الشَّقِيُّ ثَنَوِيًّا عَلَى دِينِ
مَانِي وَمَزْدَكَ ، يَقُولُ بِتَنَاسُخِ الْأَرْوَاحِ ، وَيَسْتَحِلُّ الْبِنْتَ وَأُمَّهَا .
وَقِيلَ : كَانَ وَلَدَ زِنًى ، وَكَانَتْ أُمُّهُ عَوْرَاءَ ، يُقَالُ لَهَا :
رُومِيَّةَ الْعِلْجَةَ ، وَكَانَ
عَلِيُّ بْنُ مَزْدَكَانَ يَدَّعِي أَنَّهُ زَنَى بِهَا ،
وَبَابَكُ مِنْهُ .
وَقِيلَ : كَانَتْ صُعْلُوكَةً مِنْ قُرَى
أَذْرَبِيجَانَ ، فَزَنَى بِهَا نَبَطِيٌّ ، فَحَمَلَتْ مِنْهُ
بِبَابَكَ ، فَرُبِّيَ
بَابَكُ أَجِيرًا فِي الْقَرْيَةِ ، وَكَانَ هُنَاكَ قَوْمٌ مِنَ
الْخُرَّمِيَّةِ لَهُمْ كَبِيرَانِ :
جَاوَنْدَانُ وَعِمْرَانُ ، فَتَفَرَّسَ
جَاوَنْدَانُ النَّجَابَةَ فِي
بَابَكَ ، فَاكْتَرَاهُ مِنْ أُمِّهِ ، فَهَوِيَتْهُ زَوْجَةُ
جَاوَنْدَانَ ، وَأَطْلَعَتْهُ عَلَى الْأَسْرَارِ ، ثُمَّ قَتَلَ زَوْجَهَا فِي مُحَارَبَةٍ لِابْنِ عَمِّهِ ، فَزَعَمَتْ أَنَّ زَوْجَهَا اسْتَخْلَفَ
بَابَكَ ، فَصَدَّقَهَا الْجَمِيعُ ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَقْتُلُوا مَنْ وَجَدُوهُ فِي اللَّيْلِ ، فَأَصْبَحَ عِدَّةُ قَتْلَى ، وَانْضَافَ إِلَيْهِمْ كُلُّ شِرِّيرٍ وَقَاطِعِ طَرِيقٍ ، وَصَارَ أَمْرُ
بَابَكَ إِلَى مَا صَارَ ، وَكَانَتْ دَوْلَتُهُ عِشْرِينَ سَنَةً بَلْ أَزْيَدَ ، وَكَانَ مَعَهُ نَحْوٌ مِنْ عِشْرِينَ أَلْفَ مُقَاتِلٍ فَارِغِينَ مِنَ الدِّينِ ، وَبَعْضُهُمْ زَنَادِقَةٌ ، وَقَتَلُوا ، وَسَبَوْا ، وَأَخَذُوا الْحُصُونَ .
[ ص: 297 ] نَعَمْ وَأَمَرَ الْمُعْتَصِمُ ، فَأُرْكِبَ
بَابَكُ فِيلًا ، وَأَلْبَسَهُ الدِّيبَاجَ وَقَلَنْسُوَةً كَبِيرَةً مِنْ سَمُّورٍ ، وَطَافُوا بِهِ ، ثُمَّ قُطِعَتْ أَرْبَعَتُهُ وَهُوَ سَاكِتٌ ، ثُمَّ ذُبِحَ ، وَطِيفَ بِرَأْسِهِ بِسَامُرَّاءَ ، ثُمَّ بُعِثَ بِأَخِيهِ إِلَى
بَغْدَادَ ، فَعُمِلَ بِهِ كَذَلِكَ .
وَيُقَالُ : كَانَ أَشْجَعَ مِنْ
بَابَكَ ، فَقَالَ : يَا
بَابَكُ قَدْ عَمِلْتَ مَا لَمْ يَعْمَلْهُ أَحَدٌ ، فَاصْبِرْ صَبْرًا لَمْ يَصْبِرْهُ أَحَدٌ ، قَالَ : سَوْفَ تَرَى ، فَلَمَّا قَطَعُوا يَدَهُ خَضَبَ صُورَتَهُ بِالدَّمِ ، فَقَالَ
الْمُعْتَصِمُ : لِمَ فَعَلْتَ ؟ قَالَ : إِنَّكَ أَمَرْتَ بِقَطْعِ أَطْرَافِي ، وَفِي نَفْسِكَ أَنْ لَا تَكْوِيهَا ، فَيَنْزِفَ الدَّمُ ، فَيَصْفَرَّ لَوْنِي ، فَتَظُنُّونَهُ جَزَعًا مِنِّي ، فَقَالَ : لَوْلَا أَنَّ أَفْعَالَهُ لَا تُسَوِّغُ الصَّنِيعَةَ وَالْعَفْوَ لَاسْتَبْقَيْتُهُ ، ثُمَّ أُحْرِقَ .
وَقِيلَ : إِنَّهُ أَبَادَ مِنَ الْأُمَّةِ خَلَائِقَ . وَبِخَطِّ الْإِمَامِ
ابْنِ الصَّلَاحِ : أَنَّ قَتْلَى بَابَكَ بَلَغُوا أَلْفَ أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةِ أَلْفٍ وَأُحْصِيَ قَتْلَى أَبِي مُسْلِمٍ الْخُرَاسَانِيِّ ، فَبَلَغُوا أَلْفَيْ أَلْفٍ .
وَفِيهَا : الْتَقَى طَاغِيَةُ
الرُّومِ وَالْأَفْشِينُ ، فَهَزَمَهُ وَلَكِنْ بَعْدَ أَيَّامٍ ، وَخَرَّبَ
الْمُعْتَصِمُ أَنْقَرَةَ ، وَأَنْكَى فِي
الرُّومِ ، وَأَخَذَ
عَمُّورِيَّةَ عَنْوَةً ، وَأَوْطَأَ
الرُّومَ خَوْفًا وَذُلًّا ، وَأَخَذَ بِثَأْرِ الْإِسْلَامِ مِنَ الطَّاغِيَةِ
تُوفِيلَ بْنِ مِيخَائِيلَ الَّذِي أَغَارَ عَلَى
زِبَطْرَةَ ،
وَمَلَطِيَّةَ . فَدَخَلَ
الْمُعْتَصِمُ الرُّومَ فِي مِائَتَيْ أَلْفِ مُقَاتِلٍ وَأَزْيَدَ ، حَتَّى لَقِيلَ : كَانَ فِي خَمْسِمِائَةِ أَلْفٍ ، وَصَمَّمَ عَلَى مُحَاصَرَةِ
قُسْطَنْطِينِيَّةَ ،
[ ص: 298 ] فَأَتَاهُ مَا أَزْعَجَهُ مِنْ خُرُوجِ
الْعَبَّاسِ بْنِ الْمَأْمُونِ عَلَيْهِ ، فَظَفِرَ
بِالْعَبَّاسِ ، وَكَانَ
الْعَبَّاسُ بَدِيعَ الْحُسْنِ ، وَكَانَ بَلِيدًا ، غَزَا فِي أَيَّامِ أَبِيهِ
الرُّومَ ، وَوَلِيَ
الْجَزِيرَةَ ، وَذَهَبَتْ مِنْهُ الْخِلَافَةُ بِغَيْبَتِهِ ، ثُمَّ نَخَّاهُ
عُجَيْفٌ ، وَشَجَّعَهُ عَلَى الْخُرُوجِ ، وَوَافَقَهُ عِدَّةُ أُمَرَاءَ ، وَعَرَفَ
الْمُعْتَصِمُ ، فَأَخَذَ
الْعَبَّاسَ ، فَقِيلَ : غَمَّهُ بِكِسَاءٍ حَتَّى تَلِفَ بِمَنْبِجَ .
وَقِيلَ : إِنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=17299يَحْيَى بْنَ أَكْثَمَ ، نَظَرَ إِلَيْهِ ، فَتَبَسَّمَ
الْمَأْمُونُ ، فَرَوَى
يَحْيَى حَدِيثًا فِي النَّظَرِ إِلَى الْوَجْهِ الْحَسَنِ ، فَقَالَ
الْمَأْمُونُ : اتَّقِ اللَّهَ ، فَهَذَا الْحَدِيثُ كَذِبٌ .
وَلَمَّا عَظُمَ
الْأَفْشِينُ بِاسْتِئْصَالِهِ
لِبَابَكَ ، طَلَبَ نِيَابَةَ
خُرَاسَانَ ، وَبَلَغَهُ خُرُوجُ
الْمَازِيَارِ وَمُحَارَبَتُهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13312لِابْنِ طَاهِرٍ ، فَدَسَّ مَنِ اسْتَمَالَهُ لَهُ ، وَقَوَّى عَزْمَهُ ، وَخَرَّبَ
الْمَازِيَارُ الْبِلَادَ ، وَقَتَلَ وَعَسَفَ .
ثُمَّ جَهَّزَ
الْمُعْتَصِمُ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ
الْأَفْشِينَ لِحَرْبِهِ ، وَبَعَثَ
ابْنُ طَاهِرٍ جَيْشًا عَلَيْهِمْ عَمُّهُ لِحَرْبِهِ أَيْضًا ، وَجَرَتْ حُرُوبٌ يَطُولُ بَسْطُهَا ، وَقُتِلَ
الْمَازِيَارُ .
وَفِي سَنَةِ خَمْسٍ : قُبِضَ
الْمُعْتَصِمُ عَلَى
الْأَفْشِينِ ، وَكَانَ عَدُوًّا
nindex.php?page=showalam&ids=13312لِابْنِ طَاهِرٍ ،
وَابْنِ أَبِي دُوَادَ ، فَعَقَرَاهُ ، وَأَلْقَيَا فِي ذِهْنِ الْمُعْتَصِمِ أَنَّهُ يُرِيدُ قَتْلَكَ ، فَتَهَدَّدَ كَاتِبَهُ ، فَاعْتَرَفَ ، وَقَالَ : أَمَرَنِي أَنْ أَكْتُبَ إِلَى
الْمَازِيَارِ : إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ غَيْرِي وَغَيْرُكَ ، وَجَيْشُ الْخَلِيفَةِ عِنْدَ
ابْنِ طَاهِرٍ ، وَمَا عِنْدَ الْخَلِيفَةِ سِوَايَ ، فَإِنْ هَزَمْتَ
ابْنَ طَاهِرٍ كَفَيْتُكَ
الْمُعْتَصِمَ ، وَيَخْلُصُ لَنَا الدِّينُ الْأَبْيَضُ -يَعْنِي
[ ص: 299 ] الْمَجُوسِيَّةَ- وَكَانَ يُتَّهَمُ بِهَا ، فَوَهَبَ
الْمُعْتَصِمُ لِلْكَاتِبِ ذَهَبًا ، وَقَالَ : إِنْ نَطَقْتَ ، قَتَلْتُكَ .
وَعَنِ
ابْنِ أَبِي دُوَادَ ، قَالَ : دَخَلْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ يَبْكِي ، وَيَقْلَقُ ، وَقَالَ لِي : رَجُلٌ أَنْفَقْتُ عَلَيْهِ أَلْفَيْ أَلْفِ دِينَارٍ ، وَيُرِيدُ قَتْلِي ! قَدْ تَصَدَّقْتُ بِعَشَرَةِ آلَافِ أَلْفِ دِرْهَمٍ ، فَخُذْهَا فَفَرِّقْهَا .
وَكَانَ
الْأَفْشِينُ قَدْ بَعَثَ أَمْوَالًا لَهُ إِلَى
أَشْرُوسَنَةَ وَهَمَّ بِالْهَرَبِ إِلَيْهَا ، ثُمَّ هَيَّأَ دَعْوَةً لِيَسُمَّ فِيهَا
الْمُعْتَصِمَ وَقُوَّادَهُ ، فَإِنْ لَمْ يَجِئْ سَمَّ الْقَوَّادَ ، وَيَذْهَبُ إِلَى
أَرْمِينِيَةَ ، وَمِنْهَا إِلَى
أَشْرُوسَنَةَ ، فَمَا تَهَيَّأَ لَهُ ذَلِكَ ، وَقَبَضَ عَلَيْهِ
الْمُعْتَصِمُ ، وَعَلَى ابْنِهِ
حَسَنٍ ، وَأُتِيَ
بِالْمَازِيَارَ أَسِيرًا .
فَقِيلَ : أُحْضِرَ هُوَ ،
وَالْأَفْشِينُ ،
وَمُوبِذُ مَلِكُ
السُّغْدِ ،
وَمَرْزُبَانُ عِنْدَ
الْمُعْتَصِمِ ، فَأُحْضِرَ اثْنَانِ ، فَعُرِّيَا ، فَإِذَا أَجْنَابُهُمَا عَرِيَّةٌ مِنَ اللَّحْمِ ، فَقَالَ
ابْنُ الزَّيَّاتِ لِلْأَفْشِينِ : يَا
حَيْدَرُ ، تَعْرِفُهُمَا ؟ قَالَ : نَعَمْ ، هَذَا مُؤَذِّنٌ ، وَهَذَا إِمَامٌ ، بَنَيَا مَسْجِدًا
بِأَشْرُوسَنَةَ ، ضَرَبْتُهُمَا أَلْفَ سَوْطٍ ، لِأَنَّ بَيْنِي وَبَيْنَ مُلُوكِ
السُّغْدِ عَهْدًا أَنْ أَتْرُكَ كُلَّ قَوْمٍ عَلَى دِينِهِمْ ، فَوَثَبَ هَذَانِ عَلَى بَيْتِ أَصْنَامِ
أَشْرُوسَنَةَ ، فَرَمِيَا الْأَصْنَامَ ، وَعَمِلَاهُ مَسْجِدًا ، فَضَرَبْتُهُمَا .
قَالَ
ابْنُ الزَّيَّاتِ : فَمَا كِتَابٌ قَدْ زَيَّنْتَهُ بِالذَّهَبِ وَالْجَوَاهِرِ فِيهِ الْكُفْرُ ؟
قَالَ : كِتَابٌ وَرِثْتُهُ مِنْ أَبِي ، فِيهِ آدَابٌ وَحِكَمٌ لِلْأَكَاسِرَةِ ، فَآخُذُ مِنْهُ الْأَدَبَ ،
[ ص: 300 ] وَأَدَعُ مَا سِوَاهُ ، مِثْلُ كِتَابِ " كَلَيْلَةَ وَدِمْنَةَ " .
فَقَالَ
ابْنُ الزَّيَّاتِ لِلْمُوبِذِ : مَا تَقُولُ ؟ قَالَ : إِنَّهُ يَأْكُلُ الْمَخْنُوقَةَ ، وَيَحْمِلُنِي عَلَى أَكْلِهَا ، وَيَقُولُ : لَحْمُهَا أَرْطَبُ . وَقَالَ لِي : إِنِّي دَخَلْتُ لِهَؤُلَاءِ فِي كُلِّ مَا أَكْرَهُ حَتَّى أَكَلْتُ الزَّيْتَ ، وَرَكِبْتُ الْجَمَلَ ، وَلَبِسْتُ النَّعْلَ ، غَيْرَ أَنِّي مَا حَلَقْتُ عَانَتِي قَطُّ ، وَلَمْ يَخْتَتِنْ -وَكَانَ
الْمُوبِذُ مَجُوسِيًّا ، وَأَسْلَمَ بَعْدُ- قَالَ
الْأَفْشِينُ : خَبِّرُونِي عَنْ هَذَا الْمُتَكَلِّمِ ، أَثِقَةٌ هُوَ فِي دِينِهِ ؟ قَالُوا : لَا . قَالَ : فَكَيْفَ تُصَدِّقُونَهُ ؟ فَقَامَ
الْمَرْزُبَانُ ، فَقَالَ : يَا
أَفْشِينُ ، كَيْفَ يَكْتُبُ إِلَيْكَ أَهْلُ مَمْلَكَتِكَ ؟ قَالَ : كَمَا يَكْتُبُونَ إِلَى آبَائِي : إِلَى الْإِلَهِ مِنْ عَبْدِهِ . قَالَ
ابْنُ أَبِي دُوَادَ : فَمَا أَبْقَيْتَ
لِفِرْعَوْنَ ؟ قَالَ : خِفْتُ فَسَادَهُمْ بِتَغْيِيرِ الْعَادَةِ .
قَالَ لَهُ
إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمُصْعَبِيُّ : كَيْفَ تَحْلِفُ فَنُصَدِّقُكَ ، وَأَنْتَ تَدَّعِي مَا يَدَّعِي
فِرْعَوْنُ ؟ قَالَ : يَا
إِسْحَاقُ ، هَذِهِ سُورَةٌ قَرَأَهَا
عُجَيْفٌ عَلَى
عَلِيِّ بْنِ هِشَامٍ ، وَأَنْتَ تَقْرَؤُهَا عَلَيَّ ، فَانْظُرْ مَنْ يَقْرَؤُهَا عَلَيْكَ .
ثُمَّ تَقَدَّمَ
مَازِيَارُ ، فَقِيلَ : أَتَعْرِفُهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالُوا : هَلْ كَاتَبْتَهُ ؟
قَالَ : لَا . فَقَالُوا
لِلْمَازِيَارِ : أَكَتَبَ إِلَيْكَ ؟ قَالَ : كَتَبَ إِلَيَّ أَخُوهُ عَلَى لِسَانِهِ : إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَنْصُرُ هَذَا الدِّينَ الْأَبْيَضَ غَيْرِي وَغَيْرُكَ وَغَيْرُ
بَابَكَ ، فَأَمَّا
بَابَكُ ، فَبِحُمْقِهِ قَتَلَ نَفْسَهُ ، فَإِنْ خَالَفْتَ ، لَمْ يَكُنْ لِلْخَلِيفَةِ مَنْ يَرَى لِقِتَالِكَ غَيْرِي ، وَمَعِي الْفُرْسَانُ وَأَهْلُ النَّجْدَةِ وَالْبَأْسِ ، فَإِنْ وَجَّهْتُ إِلَيْكَ ، لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ يُحَارِبُنَا إِلَّا الْعَرَبَ وَالْمَغَارِبَةَ
وَالْأَتْرَاكَ ، فَأَمَّا الْعَرَبِيُّ ، فَمَنْزِلَتُهُ كَكَلْبٍ أَطْرَحُ لَهُ كَسْرَةً ، ثُمَّ أَضْرِبُ رَأْسَهُ بِالدَّبُّوسِ ، وَهَؤُلَاءِ الذِّئَابُ -يَعْنِي الْمَغَارِبَةَ - فَأَكَلَةُ رَأْسٍ ، وَأَمَّا التُّرْكِيُّ ، فَإِنَّمَا هِيَ سَاعَةٌ ، وَتَنْفَدُ سِهَامُهُمْ ، ثُمَّ تَجُولُ عَلَيْهِمُ الْخَيْلُ جَوْلَةً ، وَيَعُودُ الدِّينُ إِلَى مَا كَانَ .
[ ص: 301 ] فَقَالَ
الْأَفْشِينُ : هَذَا يَدَّعِي عَلَى أَخِي ، وَلَوْ كُنْتُ قَدْ كَتَبْتُ بِهَذَا إِلَيْهِ لِأَخْدَعَهُ ، لَكَانَ غَيْرَ مُسْتَنْكَرٍ ، وَكُنْتُ آخُذُ بِرَقَبَتِهِ . فَزَجَرَهُ
ابْنُ أَبِي دُوَادَ ،
وَقَالَ : أَخَتِينٌ أَنْتَ ؟ قَالَ : لَا ، قَالَ : لِمَ ؟ قَالَ : خِفْتُ التَّلَفَ . قَالَ : أَنْتَ تَلْقَى الْحُرُوبَ وَتَخَافُ مِنْ قِطْعَةِ قُلْفَةٍ ؟ قَالَ : تِلْكَ ضَرُورَةٌ أَصْبِرُ عَلَيْهَا ، وَتِلْكَ الْقُلْفَةُ لَا أَخْرُجُ بِهَا مِنَ الْإِسْلَامِ ، فَقَالَ
أَحْمَدُ : قَدْ بَانَ لَكُمْ أَمْرُهُ .
وَفِيهَا سَقَطَتْ أَكْثَرُ
الْأَهْوَازِ مِنَ الزَّلْزَلَةِ ، وَدَامَتْ أَيَّامًا .
وَفِي سَنَةِ سِتٍّ : وَقَعَ بَرَدٌ كَالْبَيْضِ مِنَ السَّمَاءِ قَتَلَ ثَلَاثَمِائَةٍ وَسَبْعِينَ نَفْسًا .
وَمُنِعَ
الْأَفْشِينُ الْمَذْكُورُ مِنَ الطَّعَامِ ، حَتَّى هَلَكَ ، ثُمَّ صُلِبَ مَيِّتًا ، وَأُحْرِقَ مَعَ أَصْنَامٍ عِنْدَهُ ، وَهُوَ مِنْ أَوْلَادِ الْأَكَاسِرَةِ ، وَكَانَ أَكْبَرَ الدَّوْلَةِ .
وَأَمَّا
الْمَازِيَارُ ، وَاسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ قَارَنَ ، فَظَالِمٌ غَاشِمٌ جَبَّارٌ ، ظَهَرَ
بِطَبَرِسْتَانَ ، وَحَارَبَ عَسْكَرَ
الْمُعْتَصِمِ ، ثُمَّ أُسِرَ فَضُرِبَ حَتَّى مَاتَ ، وَصُلِبَ ، وَتَرَكَ أَمْوَالًا لَا تَنْحَصِرُ .
وَفِي سَنَةِ 227 : ظَهَرَ
أَبُو حَرْبٍ الْمُبَرْقَعُ بِفِلَسْطِينَ ! وَزَعَمَ أَنَّهُ
[ ص: 302 ] السُّفْيَانِيُّ ، وَدَعَا إِلَى إِقَامَةِ الْحَقِّ ، وَكَانَ قَتَلَ جُنْدِيًّا آذَى زَوْجَتَهُ ثُمَّ أَلْبَسَ وَجْهَهُ بُرْقُعًا ، وَأَقَامَ
بِالْغَوْرِ ، وَاسْتَفْحَلَ أَمْرُهُ ، وَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْبَرِّ ، وَتَفَاقَمَ الْأَمْرُ ، فَسَارَ لِحَرْبِهِ أَمِيرُ
دِمَشْقَ رَجَاءٌ الْحَصَّارِيُّ فِي أَلْفِ فَارِسٍ ، فَوَجَدَهُ فِي زُهَاءِ مِائَةِ أَلْفٍ ، فَهَابَهُ ، فَلَمَّا جَاءَ وَقْتُ الزِّرَاعَةِ تَفَرَّقُوا ، حَتَّى بَقِيَ فِي نَحْوِ أَلْفَيْنِ ، فَالْتَقَوْا ، وَكَانَ الْمُبَرْقَعُ شُجَاعًا مِقْدَامًا ، فَحَمَلَ عَلَى الْجَيْشِ ، فَأَفْرَجُوا ، فَأَحَاطُوا بِهِ ، فَأَسَرُوهُ وَسُجِنَ ، فَمَاتَ .
قَالَ
ابْنُ عَائِذٍ : وَاقَعَ
رَجَاءٌ أَهْلَ الْمَرْجِ ،
وَجِسْرِينَ ، وَكَفْرِ بَطْنَا وَسَقْبَا ، وَقُتِلَ خَلْقٌ .
وَقِيلَ : بَيَّتَ أَهْلَ كَفْرِ بَطْنَا ، فَقَتَلَ أَزْيَدَ مِنْ مِائَةِ أَلْفٍ ، وَقَتَلَ الْأَطْفَالَ ، وَقَتَلَ مِنَ الْجُنْدِ ثَلَاثَمِائَةٍ .
قَالَ
نِفْطَوَيْهِ : يُقَالُ
لِلْمُعْتَصِمِ : الْمُثَمَّنُ ، فَإِنَّهُ ثَامِنُ
بَنِي الْعَبَّاسِ ، وَتَمَلَّكَ ثَمَانِيَ سِنِينَ ، وَثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ . وَلَهُ فُتُوحَاتٌ ثَمَانِيَةٌ :
بَابَكُ ،
وَعَمُورِيَّةُ ،
وَالزُّطُّ ، وَبَحْرُ
الْبَصْرَةِ ،
وَقَلْعَةُ الْأَجْرَافِ ، وَعَرَبُ دِيَارِ
رَبِيعَةَ ،
وَالشَّارِيُّ ، وَفَتَحَ
مِصْرَ - يَعْنِي قَهَرَ أَهْلَهَا - قَبْلَ خِلَافَتِهِ . وَقَتَلَ ثَمَانِيَةً :
بَابَكَ ،
وَالْأَفْشِينَ ،
وَمَازِيَارَ ،
وَبَاطِيسَ ، وَرَئِيسَ الزَّنَادِقَةِ ،
وَعُجَيْفًا ،
وَقَارُونَ ، وَأَمِيرَ
الرَّافِضَةِ .
وَقَالَ غَيْرُ
نِفْطَوَيْهِ : خَلَّفَ مِنَ الذَّهَبِ ثَمَانِيَةَ آلَافِ أَلْفِ دِينَارٍ ، وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ ، وَثَمَانِينَ أَلْفَ فَرَسٍ ، وَثَمَانِيَةَ آلَافِ مَمْلُوكٍ ، وَثَمَانِيَةَ
[ ص: 303 ] آلَافِ جَارِيَةٍ ، وَبَنَى ثَمَانِيَةَ قُصُورٍ . وَقِيلَ : بَلَغَ مَمَالِيكُهُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَلْفًا ، وَكَانَ ذَا سَطْوَةٍ إِذَا غَضِبَ لَا يُبَالِي مَنْ قَتَلَ .
قَالَ
إِسْحَاقُ الْمَوْصِلِيُّ : دَخَلْتُ عَلَيْهِ ، وَعِنْدَهُ قَيْنَةٌ تُغَنِّي ، فَقَالَ : كَيْفَ تَرَى ؟ قُلْتُ : تَقْهَرُ الْغِنَاءَ بِرِفْقٍ ، وَتُجِيلُهُ بِرِفْقٍ ، وَتَخْرُجُ مِنْ شَيْءٍ إِلَى مَا هُوَ أَحْسَنُ مِنْهُ ، وَفِي صَوْتِهَا شَجًا وَشُذُورٌ أَحْسَنُ مِنْ دُرٍّ عَلَى نُحُورٍ . فَقَالَ : وَصْفُكَ لَهَا أَحْسَنُ ، خُذْهَا لَكَ ، فَامْتَنَعْتُ لِعِلْمِيَ بِمَحَبَّتِهِ لَهَا ، فَأَعْطَانِي مِقْدَارَ قِيمَتِهَا .
قِيلَ : لَمَّا تَجَهَّزَ لِغَزْوِ
عَمُورِيَّةَ ، زَعَمَ الْمُنَجِّمُونَ أَنَّهُ طَالِعُ نَحْسٍ وَيُكْسَرُ ، فَانْتَصَرَ ، فَقَالَ
أَبُو تَمَّامَ تِلْكَ الْقَصِيدَةَ
السَّيْفُ أَصْدَقُ أَنْبَاءً مِنَ الْكُتُبِ فِي حَدِّهِ الْحَدُّ بَيْنَ الْجِدِّ وَاللَّعِبِ وَالْعِلْمُ فِي شُهُبِ الْأَرْمَاحِ لَامِعَةً
بَيْنَ الْخَمِيسَيْنِ لَا فِي السَّبْعَةِ الشُّهُبِ [ ص: 304 ] أَيْنَ الرِّوَايَةُ أَمْ أَيْنَ النُّجُومُ وَمَا
صَاغُوهُ مِنْ زُخْرُفٍ فِيهَا وَمِنْ كَذِبِ تَخَرُّصًا وَأَحَادِيثًا مُلَفَّقَةً
لَيْسَتْ بِنَبْعٍ إِذَا عُدَّتْ وَلَا غَرَبِ
عَنْ
أَحْمَدَ بْنِ أَبِي دُوَادَ ، قَالَ : كَانَ
الْمُعْتَصِمُ يُخْرِجُ إِلَيَّ سَاعِدَهُ ، وَيَقُولُ : عُضَّهُ بِأَكْبَرِ قُوَّتِكَ ، فَأَقُولُ : مَا تَطِيبُ نَفْسِي ، فَيَقُولُ : لَا يَضُرُّنِي ، فَأَرُومُ ذَلِكَ فَإِذَا هُوَ لَا تَعْمَلُ فِيهِ الْأَسِنَّةُ فَضْلًا عَنِ الْأَسْنَانِ .
وَقَبَضَ عَلَى جُنْدِيٍّ ظَالِمٍ ، فَسَمِعْتُ صَوْتَ عِظَامِهِ ، ثُمَّ أَرْسَلَهُ ، فَسَقَطَ .
وَعَنِ
ابْنِ أَبِي دُوَادَ ، وَذَكَرَ
الْمُعْتَصِمَ ، فَبَالَغَ وَقَالَ : كُنْتُ أُزَامِلُهُ فِي سَفَرِهِ ، وَوَصَفَ سَعَةَ أَخْلَاقِهِ .
[ ص: 305 ] قَالَ
الْخَطِيبُ : كَثُرَ عَسْكَرُ
الْمُعْتَصِمِ ، وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ
بَغْدَادُ ، فَبَنَى مَدِينَةَ "
سُرَّ مَنْ رَأَى " وَتَحَوَّلَ إِلَيْهَا . وَتُسَمَّى أَيْضًا : الْعَسْكَرُ .
وَقِيلَ : كَانَ عَلِيقُ دَوَابِّ
الْمُعْتَصِمِ خَمْسِينَ أَلْفَ مِخْلَاةٍ .
وَقِيلَ : إِنَّهُ قَالَ فِي مَرَضِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=44حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً .
وَقَالَ
عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ : جَعَلَ
الْمُعْتَصِمُ يَقُولُ : ذَهَبَتِ الْحِيلَةُ ، فَلَيْسَ حِيلَةٌ ، حَتَّى صَمَتَ .
وَقِيلَ : إِنَّهُ قَالَ : أُوخَذُ وَحْدِي مِنْ بَيْنِ هَذَا الْخَلْقِ .
وَلَهُ نَظْمٌ وَسَطٌ وَكَلِمَاتٌ جَيِّدَةٌ .
وَقِيلَ : إِنَّهُ جَعَلَ زَنْدَ رَجُلٍ بَيْنَ أُصْبَعَيْهِ ، فَكَسَرَهُ .
قِيلَ : إِنَّهُ قَالَ : عَاقِلٌ عَاقِلٌ مَرَّتَيْنِ أَحْمَقُ .
[ ص: 306 ] قَالَ
إِسْحَاقُ الْمُصْعَبِيُّ : وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ مِثْلَ
الْمُعْتَصِمِ رَجُلًا ، لَقَدْ رَأَيْتُهُ يُمْلِي كِتَابًا ، وَيَقْرَأُ كِتَابًا ، وَيَعْقِدُ بِيَدِهِ ، وَإِنَّهُ لَيُنْشِدُ شِعْرًا يَتَمَثَّلُ بِهِ .
مَاتَ
الْمُعْتَصِمُ يَوْمَ الْخَمِيسِ لِإِحْدَى عَشْرَةَ لَيْلَةٍ خَلَتْ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ وَلَهُ سَبْعٌ وَأَرْبَعُونَ سَنَةً وَسَبْعَةُ أَشْهُرٍ ، وَدُفِنَ "
بِسُرَّ مَنْ رَأَى " وَصَلَّى عَلَيْهِ ابْنُهُ
الْوَاثِقُ .
وَقِيلَ : إِنَّهُ قَالَ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَخَافُكَ مِنْ قِبَلِي ، وَلَا أَخَافُكَ مِنْ قِبَلِكَ ، وَأَرْجُوكَ مِنْ قِبَلِكَ ، وَلَا أَرْجُوكَ مِنْ قِبَلِي .
وَلْنَذْكُرْ مَعَهُ ابْنَهُ
الْوَاثِقَ ، وَلَهُ مِنَ الْوَلَدِ أَيْضًا :
جَعْفَرٌ الْمُتَوَكِّلُ ،
وَالْعَبَّاسُ ،
وَعَلِيٌّ ،
وَأَحْمَدُ ،
وَمُحَمَّدٌ ،
وَعَبْدُ اللَّهِ ،
وَسُلَيْمَانُ ،
وَإِبْرَاهِيمُ ،
وَفَاطِمَةُ ،
وَأُمُّ الْقَاسِمِ ،
وَأُمُّ الْعَبَّاسِ ،
وَأُمُّ مُوسَى ،
nindex.php?page=showalam&ids=25وَعَائِشَةُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=11696وَأُمُّ الْفَضْلِ ،
وَأُمُّ مُحَمَّدٍ ،
وَأُمُّ عِيسَى ،
وَأُمُّ مُوسَى ،
وَأُمُّ أَبِيهَا ، وَأُمُّ عَبْدِ اللَّهِ .