الخليفة أبو إسحاق محمد بن الرشيد هارون بن محمد المهدي بن المنصور العباسي .
ولد سنة ثمانين ومائة وأمه ماردة أم ولد .
روى عن : أبيه ، وأخيه المأمون يسيرا .
روى عنه : إسحاق الموصلي ، وحمدون بن إسماعيل .
بويع بعهد من المأمون في رابع عشر رجب ، سنة ثمان عشرة .
[ ص: 291 ] وكان أبيض ، أصهب اللحية طويلها ، ربع القامة ، مشرب اللون ، ذا قوة وبطش وشجاعة وهيبة ، لكنه نزر العلم .
قيل : كان معه غلام في المكتب ، فمات الغلام ، فقال له أبوه : يا محمد ، مات غلامك ، قال : نعم يا سيدي واستراح من الكتاب ، فقال : أوإن الكتاب ليبلغ منك هذا ! دعوه ، فكانت قراءته ضعيفة .
قال خليفة : حج بالناس سنة مائتين .
قال الرياشي : كتب طاغية الروم إلى المعتصم يتهدده ، فأمر بجوابه ، فلما عرض عليه رماه ، وقال للكاتب : اكتب : " أما بعد ، فقد قرأت كتابك ، وسمعت خطابك ، والجواب ما ترى لا ما تسمع ، وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار .
قلت : وامتحن الناس بخلق القرآن ، وكتب بذلك إلى الأمصار ، وأخذ بذلك المؤذنين وفقهاء المكاتب ، ودام ذلك حتى أزاله المتوكل بعد أربعة عشر عاما .
وكان في سنة 218 الوباء المفرط والقحط بمصر ، ومات أكثرهم ، وأمر المعتصم بهد " طوانة " التي بذر المأمون في بنائها من عامين بيوت [ ص: 292 ] الأموال واشتد البلاء ببابك ، وهزم الجيوش ، ودخل في دينه خلائق من العجم ، وعسكر بهمذان ، فبرز لقتاله إسحاق المصعبي ، فكانت ملحمة عظمى ، فقال : قتل منهم ستون ألفا ، وهرب باقيهم إلى الروم .
وظهر سنة 219 محمد بن القاسم العلوي ، يدعو إلى الرضى من آل محمد ، وتمت له حروب إلى أن قيده ابن طاهر ، ثم هرب من السجن ، وأضمرته البلاد .
وفي سنة عشرين : عقد المعتصم للأفشين في جيش لجب لقتال بابك ، فتمت ملحمة انهزم فيها بابك إلى موغان ، ومنها إلى مدينة له تسمى البذ .
وفي رمضان كانت محنة الإمام أحمد في القرآن ، وضرب بالسياط حتى زال عقله ، ولم يجب ، فأطلقوه وأمر المعتصم بإنشاء مدينة [ ص: 293 ] سامرا اشترى أرضها من رهبان بالقاطول وغضب على وزيره الفضل بن مروان ، وأخذ منه نحوا من عشرة آلاف ألف دينار ، ونفاه واستوزر محمد بن الزيات ، واعتنى باقتناء المماليك الترك ، وبعث إلى النواحي في شرائهم ، وألبسهم الحرير والذهب .
وفي سنة 221 : كانت وقعة بين العسكر وبابك .
وحج فيها حنبل ، فقال : رأيت كسوة الكعبة ، وقد كتب فيها في الدارات : ليس كمثله شيء وهو اللطيف الخبير فحدثت به أبا عبد الله ، فقال : قاتل الله الخبيث ، عمد إلى كلام الله ، فغيره -عنى ابن أبي دواد .
وفي سنة اثنتين وعشرين : كان المصاف بين بابك الخرمي وبين الأفشين ، فطحنه الأفشين ، واستباح عسكره ، وهرب . ثم إنه أسر بعد فصول طويلة وكان أحد الأبطال ، أخاف الإسلام وأهله ، وهزم الجيوش [ ص: 294 ] عشرين سنة ، وغلب على أذربيجان وغيرها ، وأراد أن يقيم الملة المجوسية ، وظهر في أيامه المازيار أيضا بالمجوسية بطبرستان وعظم البلاء .
وكان المعتصم والمأمون قد أنفقوا على حرب بابك قناطير مقنطرة من الذهب والفضة ، ففي هذه السنة ، بعث المعتصم نفقات إلى جيشه مع الأفشين فكانت ثلاثين ألف ألف درهم ، وأخذت البذ مدينة بابك اللعين واختفى في غيضة ، وأسر أهله وأولاده ، وقطع دابر الخرمية .
ثم ورد أمان من المعتصم لبابك ، فبعث به الأفشين إليه مع اثنين ، وكتب ابنه إليه يشير عليه بقبول الأمان ، فلما دخلا إلى الشعراء التي فيها بابك ، قتل أحدهما ، وقال للآخر : امض إلى ابن الفاعلة ابني ، فقل : لو كان ابني للحق بي .
ثم مزق الأمان ، وفارق الغيضة ، وصعد الجبل في [ ص: 295 ] طرق يعرفها ، لا تسلك . وكان الأفشين قد رتب الكمناء في المضايق ، فنجا بابك ، ولجأ إلى جبال أرمينية ، فلقيه سهل البطريق ، فقال : الطلب وراءك ، فانزل عندي ، فنزل ، وركن إليه ، فبعث البطريق إلى الأفشين بذلك ، فجاء فرسان ، فأحاطوا به وأخذوه ، وكان المعتصم قد جعل لمن جاء به حيا ألفي ألف درهم ، ولمن جاء برأسه ألف ألف ، فأعطي البطريق ألف ألف ، وأطلق له خراجه عشرين سنة .
وقال المسعودي : هرب بابك بأخيه وأهله وخواصه في زي التجار ، فنزل بأرض أرمينية بعمل سهل بن سنباط ، فابتاعوا شاة من راع ، فنكرهم ، فأتى سهلا ، فأعلمه ، فقال : هذا بابك بلا شك ، فركب في أجناده حتى أتى بابك ، فترجل وسلم عليه بالملك ، وقال : قم إلى قصرك ، فأنا عبدك ، فمضى معه ، ومد السماط له ، وأكل معه ، فقال بابك : أمثلك يأكل معي ! فوقف واعتذر ، ثم أحضر حدادا ليقيده ، فقال : أغدرا يا سهل ؟ ! قال : يا ابن الفاعلة ، إنما أنت راعي بقر ، ثم قيد أتباعه ، وكاتب الأفشين ، فجهز أربعة آلاف ، فتسلموه ، وجاء سهل ، فخلع عليه الأفشين ، وبعثت بطاقة بذلك إلى بغداد ، فضج الناس بالتكبير والشكر لله ، ثم قدموا ببابك في صفر سنة ثلاث .
وكان المعتصم يبعث كل يوم بخلعة وفرس للأفشين ، ومن سروره بذلك رتب البريد منه إلى الأفشين ، فكان يجيئه الخبر في أربعة أيام وذلك [ ص: 296 ] مسيرة شهر ، ثم أتى أحمد بن أبي دواد متنكرا في الليل ، فشاهد بابك ، ثم أعلم المعتصم ، فما صبر ، وأتاه متنكرا ، فتأمله .
وكان هذا الشقي ثنويا على دين ماني ومزدك ، يقول بتناسخ الأرواح ، ويستحل البنت وأمها .
وقيل : كان ولد زنى ، وكانت أمه عوراء ، يقال لها : رومية العلجة ، وكان علي بن مزدكان يدعي أنه زنى بها ، وبابك منه .
وقيل : كانت صعلوكة من قرى أذربيجان ، فزنى بها نبطي ، فحملت منه ببابك ، فربي بابك أجيرا في القرية ، وكان هناك قوم من الخرمية لهم كبيران : جاوندان وعمران ، فتفرس جاوندان النجابة في بابك ، فاكتراه من أمه ، فهويته زوجة جاوندان ، وأطلعته على الأسرار ، ثم قتل زوجها في محاربة لابن عمه ، فزعمت أن زوجها استخلف بابك ، فصدقها الجميع ، فأمرهم أن يقتلوا من وجدوه في الليل ، فأصبح عدة قتلى ، وانضاف إليهم كل شرير وقاطع طريق ، وصار أمر بابك إلى ما صار ، وكانت دولته عشرين سنة بل أزيد ، وكان معه نحو من عشرين ألف مقاتل فارغين من الدين ، وبعضهم زنادقة ، وقتلوا ، وسبوا ، وأخذوا الحصون .
[ ص: 297 ] نعم وأمر المعتصم ، فأركب بابك فيلا ، وألبسه الديباج وقلنسوة كبيرة من سمور ، وطافوا به ، ثم قطعت أربعته وهو ساكت ، ثم ذبح ، وطيف برأسه بسامراء ، ثم بعث بأخيه إلى بغداد ، فعمل به كذلك .
ويقال : كان أشجع من بابك ، فقال : يا بابك قد عملت ما لم يعمله أحد ، فاصبر صبرا لم يصبره أحد ، قال : سوف ترى ، فلما قطعوا يده خضب صورته بالدم ، فقال المعتصم : لم فعلت ؟ قال : إنك أمرت بقطع أطرافي ، وفي نفسك أن لا تكويها ، فينزف الدم ، فيصفر لوني ، فتظنونه جزعا مني ، فقال : لولا أن أفعاله لا تسوغ الصنيعة والعفو لاستبقيته ، ثم أحرق .
وقيل : إنه أباد من الأمة خلائق . وبخط الإمام ابن الصلاح : أن قتلى بابك بلغوا ألف ألف وخمسمائة ألف وأحصي قتلى أبي مسلم الخراساني ، فبلغوا ألفي ألف .
وفيها : التقى طاغية الروم والأفشين ، فهزمه ولكن بعد أيام ، وخرب المعتصم أنقرة ، وأنكى في الروم ، وأخذ عمورية عنوة ، وأوطأ الروم خوفا وذلا ، وأخذ بثأر الإسلام من الطاغية توفيل بن ميخائيل الذي أغار على زبطرة ، وملطية . فدخل المعتصم الروم في مائتي ألف مقاتل وأزيد ، حتى لقيل : كان في خمسمائة ألف ، وصمم على محاصرة قسطنطينية ، [ ص: 298 ] فأتاه ما أزعجه من خروج العباس بن المأمون عليه ، فظفر بالعباس ، وكان العباس بديع الحسن ، وكان بليدا ، غزا في أيام أبيه الروم ، وولي الجزيرة ، وذهبت منه الخلافة بغيبته ، ثم نخاه عجيف ، وشجعه على الخروج ، ووافقه عدة أمراء ، وعرف المعتصم ، فأخذ العباس ، فقيل : غمه بكساء حتى تلف بمنبج .
وقيل : إن ، نظر إليه ، فتبسم يحيى بن أكثم المأمون ، فروى يحيى حديثا في النظر إلى الوجه الحسن ، فقال المأمون : اتق الله ، فهذا الحديث كذب .
ولما عظم الأفشين باستئصاله لبابك ، طلب نيابة خراسان ، وبلغه خروج المازيار ومحاربته ، فدس من استماله له ، وقوى عزمه ، وخرب لابن طاهر المازيار البلاد ، وقتل وعسف .
ثم جهز المعتصم في سنة أربع وعشرين الأفشين لحربه ، وبعث ابن طاهر جيشا عليهم عمه لحربه أيضا ، وجرت حروب يطول بسطها ، وقتل المازيار .
وفي سنة خمس : قبض المعتصم على الأفشين ، وكان عدوا ، لابن طاهر وابن أبي دواد ، فعقراه ، وألقيا في ذهن المعتصم أنه يريد قتلك ، فتهدد كاتبه ، فاعترف ، وقال : أمرني أن أكتب إلى المازيار : إنه لم يبق غيري وغيرك ، وجيش الخليفة عند ابن طاهر ، وما عند الخليفة سواي ، فإن هزمت ابن طاهر كفيتك المعتصم ، ويخلص لنا الدين الأبيض -يعني [ ص: 299 ] المجوسية- وكان يتهم بها ، فوهب المعتصم للكاتب ذهبا ، وقال : إن نطقت ، قتلتك .
وعن ابن أبي دواد ، قال : دخلت عليه وهو يبكي ، ويقلق ، وقال لي : رجل أنفقت عليه ألفي ألف دينار ، ويريد قتلي ! قد تصدقت بعشرة آلاف ألف درهم ، فخذها ففرقها .
وكان الأفشين قد بعث أموالا له إلى أشروسنة وهم بالهرب إليها ، ثم هيأ دعوة ليسم فيها المعتصم وقواده ، فإن لم يجئ سم القواد ، ويذهب إلى أرمينية ، ومنها إلى أشروسنة ، فما تهيأ له ذلك ، وقبض عليه المعتصم ، وعلى ابنه حسن ، وأتي بالمازيار أسيرا .
فقيل : أحضر هو ، والأفشين ، وموبذ ملك السغد ، ومرزبان عند المعتصم ، فأحضر اثنان ، فعريا ، فإذا أجنابهما عرية من اللحم ، فقال ابن الزيات للأفشين : يا حيدر ، تعرفهما ؟ قال : نعم ، هذا مؤذن ، وهذا إمام ، بنيا مسجدا بأشروسنة ، ضربتهما ألف سوط ، لأن بيني وبين ملوك السغد عهدا أن أترك كل قوم على دينهم ، فوثب هذان على بيت أصنام أشروسنة ، فرميا الأصنام ، وعملاه مسجدا ، فضربتهما .
قال ابن الزيات : فما كتاب قد زينته بالذهب والجواهر فيه الكفر ؟
قال : كتاب ورثته من أبي ، فيه آداب وحكم للأكاسرة ، فآخذ منه الأدب ، [ ص: 300 ] وأدع ما سواه ، مثل كتاب " كليلة ودمنة " .
فقال ابن الزيات للموبذ : ما تقول ؟ قال : إنه يأكل المخنوقة ، ويحملني على أكلها ، ويقول : لحمها أرطب . وقال لي : إني دخلت لهؤلاء في كل ما أكره حتى أكلت الزيت ، وركبت الجمل ، ولبست النعل ، غير أني ما حلقت عانتي قط ، ولم يختتن -وكان الموبذ مجوسيا ، وأسلم بعد- قال الأفشين : خبروني عن هذا المتكلم ، أثقة هو في دينه ؟ قالوا : لا . قال : فكيف تصدقونه ؟ فقام المرزبان ، فقال : يا أفشين ، كيف يكتب إليك أهل مملكتك ؟ قال : كما يكتبون إلى آبائي : إلى الإله من عبده . قال ابن أبي دواد : فما أبقيت لفرعون ؟ قال : خفت فسادهم بتغيير العادة .
قال له إسحاق بن إبراهيم المصعبي : كيف تحلف فنصدقك ، وأنت تدعي ما يدعي فرعون ؟ قال : يا إسحاق ، هذه سورة قرأها عجيف على علي بن هشام ، وأنت تقرؤها علي ، فانظر من يقرؤها عليك .
ثم تقدم مازيار ، فقيل : أتعرفه ؟ قال : نعم . قالوا : هل كاتبته ؟
قال : لا . فقالوا للمازيار : أكتب إليك ؟ قال : كتب إلي أخوه على لسانه : إنه لم يكن ينصر هذا الدين الأبيض غيري وغيرك وغير بابك ، فأما بابك ، فبحمقه قتل نفسه ، فإن خالفت ، لم يكن للخليفة من يرى لقتالك غيري ، ومعي الفرسان وأهل النجدة والبأس ، فإن وجهت إليك ، لم يبق أحد يحاربنا إلا العرب والمغاربة والأتراك ، فأما العربي ، فمنزلته ككلب أطرح له كسرة ، ثم أضرب رأسه بالدبوس ، وهؤلاء الذئاب -يعني المغاربة - فأكلة رأس ، وأما التركي ، فإنما هي ساعة ، وتنفد سهامهم ، ثم تجول عليهم الخيل جولة ، ويعود الدين إلى ما كان .
[ ص: 301 ] فقال الأفشين : هذا يدعي على أخي ، ولو كنت قد كتبت بهذا إليه لأخدعه ، لكان غير مستنكر ، وكنت آخذ برقبته . فزجره ابن أبي دواد ،
وقال : أختين أنت ؟ قال : لا ، قال : لم ؟ قال : خفت التلف . قال : أنت تلقى الحروب وتخاف من قطعة قلفة ؟ قال : تلك ضرورة أصبر عليها ، وتلك القلفة لا أخرج بها من الإسلام ، فقال أحمد : قد بان لكم أمره .
وفيها سقطت أكثر الأهواز من الزلزلة ، ودامت أياما .
وفي سنة ست : وقع برد كالبيض من السماء قتل ثلاثمائة وسبعين نفسا .
ومنع الأفشين المذكور من الطعام ، حتى هلك ، ثم صلب ميتا ، وأحرق مع أصنام عنده ، وهو من أولاد الأكاسرة ، وكان أكبر الدولة .
وأما المازيار ، واسمه محمد بن قارن ، فظالم غاشم جبار ، ظهر بطبرستان ، وحارب عسكر المعتصم ، ثم أسر فضرب حتى مات ، وصلب ، وترك أموالا لا تنحصر .
وفي سنة 227 : ظهر أبو حرب المبرقع بفلسطين ! وزعم أنه [ ص: 302 ] السفياني ، ودعا إلى إقامة الحق ، وكان قتل جنديا آذى زوجته ثم ألبس وجهه برقعا ، وأقام بالغور ، واستفحل أمره ، واجتمع عليه أهل البر ، وتفاقم الأمر ، فسار لحربه أمير دمشق رجاء الحصاري في ألف فارس ، فوجده في زهاء مائة ألف ، فهابه ، فلما جاء وقت الزراعة تفرقوا ، حتى بقي في نحو ألفين ، فالتقوا ، وكان المبرقع شجاعا مقداما ، فحمل على الجيش ، فأفرجوا ، فأحاطوا به ، فأسروه وسجن ، فمات .
قال ابن عائذ : واقع رجاء أهل المرج ، وجسرين ، وكفر بطنا وسقبا ، وقتل خلق .
وقيل : بيت أهل كفر بطنا ، فقتل أزيد من مائة ألف ، وقتل الأطفال ، وقتل من الجند ثلاثمائة .
قال نفطويه : يقال للمعتصم : المثمن ، فإنه ثامن بني العباس ، وتملك ثماني سنين ، وثمانية أشهر . وله فتوحات ثمانية : بابك ، وعمورية ، والزط ، وبحر البصرة ، وقلعة الأجراف ، وعرب ديار ربيعة ، والشاري ، وفتح مصر - يعني قهر أهلها - قبل خلافته . وقتل ثمانية : بابك ، والأفشين ، ومازيار ، وباطيس ، ورئيس الزنادقة ، وعجيفا ، وقارون ، وأمير الرافضة .
وقال غير نفطويه : خلف من الذهب ثمانية آلاف ألف دينار ، وثمانية عشر ألف ألف درهم ، وثمانين ألف فرس ، وثمانية آلاف مملوك ، وثمانية [ ص: 303 ] آلاف جارية ، وبنى ثمانية قصور . وقيل : بلغ مماليكه ثمانية عشر ألفا ، وكان ذا سطوة إذا غضب لا يبالي من قتل .
قال إسحاق الموصلي : دخلت عليه ، وعنده قينة تغني ، فقال : كيف ترى ؟ قلت : تقهر الغناء برفق ، وتجيله برفق ، وتخرج من شيء إلى ما هو أحسن منه ، وفي صوتها شجا وشذور أحسن من در على نحور . فقال : وصفك لها أحسن ، خذها لك ، فامتنعت لعلمي بمحبته لها ، فأعطاني مقدار قيمتها .
قيل : لما تجهز لغزو عمورية ، زعم المنجمون أنه طالع نحس ويكسر ، فانتصر ، فقال أبو تمام تلك القصيدة
السيف أصدق أنباء من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب والعلم في شهب الأرماح لامعة
بين الخميسين لا في السبعة الشهب [ ص: 304 ] أين الرواية أم أين النجوم وما
صاغوه من زخرف فيها ومن كذب تخرصا وأحاديثا ملفقة
ليست بنبع إذا عدت ولا غرب
عن أحمد بن أبي دواد ، قال : كان المعتصم يخرج إلي ساعده ، ويقول : عضه بأكبر قوتك ، فأقول : ما تطيب نفسي ، فيقول : لا يضرني ، فأروم ذلك فإذا هو لا تعمل فيه الأسنة فضلا عن الأسنان .
وقبض على جندي ظالم ، فسمعت صوت عظامه ، ثم أرسله ، فسقط .
وعن ابن أبي دواد ، وذكر المعتصم ، فبالغ وقال : كنت أزامله في سفره ، ووصف سعة أخلاقه .
[ ص: 305 ] قال الخطيب : كثر عسكر المعتصم ، وضاقت عليهم بغداد ، فبنى مدينة " سر من رأى " وتحول إليها . وتسمى أيضا : العسكر .
وقيل : كان عليق دواب المعتصم خمسين ألف مخلاة .
وقيل : إنه قال في مرضه : حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة .
وقال علي بن الجعد : جعل المعتصم يقول : ذهبت الحيلة ، فليس حيلة ، حتى صمت .
وقيل : إنه قال : أوخذ وحدي من بين هذا الخلق .
وله نظم وسط وكلمات جيدة .
وقيل : إنه جعل زند رجل بين أصبعيه ، فكسره .
قيل : إنه قال : عاقل عاقل مرتين أحمق .
[ ص: 306 ] قال إسحاق المصعبي : والله ما رأيت مثل المعتصم رجلا ، لقد رأيته يملي كتابا ، ويقرأ كتابا ، ويعقد بيده ، وإنه لينشد شعرا يتمثل به .
مات المعتصم يوم الخميس لإحدى عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة سبع وعشرين ومائتين وله سبع وأربعون سنة وسبعة أشهر ، ودفن " بسر من رأى " وصلى عليه ابنه الواثق .
وقيل : إنه قال : اللهم إني أخافك من قبلي ، ولا أخافك من قبلك ، وأرجوك من قبلك ، ولا أرجوك من قبلي .
ولنذكر معه ابنه الواثق ، وله من الولد أيضا : جعفر المتوكل ، والعباس ، وعلي ، وأحمد ، ومحمد ، وعبد الله ، وسليمان ، وإبراهيم ، وفاطمة ، وأم القاسم ، وأم العباس ، وأم موسى ، ، وعائشة ، وأم الفضل وأم محمد ، وأم عيسى ، وأم موسى ، وأم أبيها ، وأم عبد الله .