: حدثنا أحمد بن كامل القاضي أبو عبد الله غلام خليل ، عن العباس بن عبد العظيم قال : دخلت على علي ابن المديني يوما ، فرأيته واجما مغموما ، فقلت : ما شأنك ؟ قال : رؤيا رأيت ، كأني أخطب على منبر داود عليه السلام .
فقلت : خيرا رأيت ، تخطب على منبر نبي ، فقال : لو رأيت أني أخطب على [ ص: 52 ] منبر أيوب ، كان خيرا لي ؛ لأنه بلي في دينه ، وداود فتن في دينه . قال : فكان منه ما كان ، يعني إجابته في محنة القرآن .
قلت : غلام خليل غير ثقة .
الحسين بن فهم : حدثني أبي ، قال : قال ابن أبي دواد للمعتصم : يا أمير المؤمنين ، هذا يزعم - يعني : - أن الله يرى في الآخرة ، والعين لا تقع إلا على محدود ، والله لا يحد ، فقال : ما عندك ؟ قال : يا أمير المؤمنين عندي ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : وما هو ؟ قال : حدثني أحمد بن حنبل غندر ، حدثنا شعبة ، عن إسماعيل ، عن قيس ، عن جرير قال : . كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في ليلة أربع عشرة ، فنظر إلى البدر ، فقال : إنكم سترون ربكم كما ترون هذا البدر ، لا تضامون في رؤيته
فقال لابن أبي دواد : ما تقول ؟ قال : أنظر في إسناد هذا الحديث ، ثم انصرف . فوجه إلى علي ابن المديني ، وعلي ببغداد مملق ، ما يقدر على درهم ، فأحضره ، فما كلمه بشيء حتى وصله بعشرة آلاف درهم ، وقال : هذه وصلك بها أمير المؤمنين ، وأمر أن يدفع إليه جميع ما استحق من أرزاقه . وكان له رزق سنتين . ثم قال له : يا أبا الحسن حديث في الرؤية ما هو ؟ قال : صحيح . قال : فهل عندك عنه شيء ؟ قال : يعفيني القاضي من هذا . جرير بن عبد الله
قال : هذه حاجة الدهر . ثم أمر له بثياب وطيب ومركب بسرجه ولجامه . ولم يزل [ ص: 53 ] حتى قال له : في هذا الإسناد من لا يعمل عليه ، ولا على ما يرويه ، وهو ، إنما كان أعرابيا بوالا على عقبيه . فقبل قيس بن أبي حازم ابن أبي دواد عليا واعتنقه .
فلما كان الغد ، وحضروا ، قال ابن أبي دواد : يا أمير المؤمنين : يحتج في الرؤية بحديث جرير ، وإنما رواه عنه قيس ، وهو أعرابي بوال على عقبيه ؟ قال : فقال أحمد بعد ذلك : فحين أطلع لي هذا ، علمت أنه من عمل علي ابن المديني ، فكان هذا وأشباهه من أوكد الأمور في ضربه .
رواها المرزباني : أخبرني محمد بن يحيى يعني : الصولي ، حدثنا الحسين .
ثم قال الخطيب : أما ما حكي عن علي في هذا الخبر من أنه لا يعمل على ما يرويه قيس ، فهو باطل . قد نزه الله عليا عن قول ذلك ؛ لأن أهل الأثر - وفيهم علي - مجمعون على الاحتجاج برواية قيس وتصحيحها ، إذ كان من كبراء تابعي أهل الكوفة . وليس في التابعين من أدرك العشرة ، وروى عنهم ، غير قيس مع روايته عن خلق من الصحابة . إلى أن قال : فإن كان هذا محفوظا عن ابن فهم ، فأحسب أن ابن أبي دواد ، تكلم في قيس بما ذكر في الحديث ، وعزا ذلك إلى ابن المديني ، والله أعلم .
قلت : إن صحت الحكاية ، فلعل عليا قال في قيس ما عنده عن يحيى القطان ، أنه قال : هو منكر الحديث ، ثم سمى له أحاديث استنكرها ، فلم يصنع شيئا ، بل هي ثابتة ، فلا ينكر له التفرد في سعة ما روى ، من ذلك حديث كلاب الحوأب ، وقد كاد قيس أن يكون صحابيا ، أسلم في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم [ ص: 54 ] هاجر إليه ، فما أدركه ، بل قدم المدينة بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بليال . وقد قال فيما نقله عنه يحيى بن معين معاوية بن صالح ، كان أوثق من قيس بن أبي حازم الزهري .
نعم ، ورؤية الله - تعالى - في الآخرة منقولة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نقل تواتر ، فنعوذ بالله من الهوى ، ورد النص بالرأي .
قال أبو داود : أجود التابعين إسنادا ، قد روى عن تسعة من العشرة ، لم يرو عن قيس بن أبي حازم عبد الرحمن بن عوف .
قال الخطيب : ولم يحك أحد ممن ساق المحنة أن أحمد نوظر في حديث الرؤية . قال : والذي يحكى عن علي أنه روى لابن أبي دواد حديثا عن في القرآن ، كان الوليد بن مسلم الوليد أخطأ في لفظة منه ، فكان أحمد ينكر على علي روايته لذلك الحديث . فقال المروذي : قلت لأبي عبد الله : إن علي ابن المديني حدث عن الوليد حديث عمر : " كلوه إلى عالمه " فقال : " إلى خالقه " . فقال : هذا كذب . ثم قال : هذا قد كتبناه عن الوليد ، إنما هو وهذه اللفظة قد روي عن فكلوه إلى عالمه ابن المديني غيرها .
قال محمد بن طاهر بن أبي الدميك : حدثنا ابن المديني ، حدثنا الوليد ، [ ص: 55 ] حدثنا الأوزاعي ، حدثنا الزهري ، حدثني أنس بن مالك قال : بينما عمر جالس في أصحابه إذ تلا هذه الآية : وفاكهة وأبا ثم قال : هذا كله قد عرفناه ، فما الأب ؟ قال ، وفي يده عصية يضرب بها الأرض ، فقال : هذا لعمر الله التكلف . فخذوا أيها الناس بما بين لكم ، فاعملوا به ، وما لم تعرفوه فكلوه إلى ربه .
قال الخطيب : أخبرنيه أبو طالب بن بكير ، أخبرنا مخلد بن جعفر الدقاق ، حدثنا ابن أبي الدميك .
وقال أحمد بن محمد الصيدلاني : حدثنا المروذي قلت لأبي عبد الله : إن عليا يحدث عن الوليد ، فذكر الحديث ، وقال : " فكلوه إلى خالقه " . فقال أبو عبد الله : كذب . حدثنا مرتين إنما هو : الوليد بن مسلم كلوه إلى عالمه .
وقال : قلت عباس العنبري : إنهم قد أنكروه عليك ، فقال : حدثتكم به لابن المديني بالبصرة ، وذكر أن الوليد أخطأ فيه . فغضب أبو عبد الله وقال : فنعم ، قد علم أن الوليد أخطأ فيه ، فلم حدثهم به ؟ أيعطيهم الخطأ ؟! قال المروذي : سمعت رجلا من أهل العسكر يقول لأبي عبد الله : ابن المديني يقرئك السلام ، فسكت . فقلت لأبي عبد الله قال لي : قال عباس العنبري علي ابن المديني : وذكر رجلا فتكلم فيه ، فقلت له : إنهم لا يقبلون منك ، إنما يقبلون من . قال : قوي أحمد بن حنبل أحمد على السوط ، وأنا لا أقوى .
أبو بكر الجرجاني : حدثنا أبو العيناء قال : دخل ابن المديني إلى ابن أبي دواد بعدما تم من محنة أحمد ما جرى ، فناوله رقعة ، قال : هذه طرحت في داري ، فإذا فيها : [ ص: 56 ]
يا ابن المديني الذي شرعت له دنيا فجاد بدينه لينالها ماذا دعاك إلى اعتقاد مقالة
قد كان عندك كافرا من قالها أمر بدا لك رشده فقبلته
أم زهرة الدنيا أردت نوالها ؟ فلقد عهدتك - لا أبا لك - مرة
صعب المقادة للتي تدعى لها إن الحريب لمن يصاب بدينه
لا من يرزى ناقة وفصالها
قال زكريا الساجي : قدم ابن المديني البصرة ، فصار إليه بندار ، فجعل علي يقول : قال أبو عبد الله ، قال أبو عبد الله ، فقال بندار على رءوس الملأ : من أبو عبد الله ، أأحمد بن حنبل ؟ قال : لا ، أحمد بن أبي دواد . فقال بندار : عند الله أحتسب خطاي ، شبه علي هذا ، وغضب وقام .
قال أبو بكر الشافعي : كان عند قمطر من حديث إبراهيم الحربي ابن المديني ، وما كان يحدث به . فقيل له : لم لا تحدث عنه ؟ قال : لقيته يوما ، وبيده نعله ، وثيابه في فمه ، فقلت : إلى أين ؟ فقال : ألحق الصلاة خلف أبي عبد الله ، فظننت أنه يعني ، فقلت : من أحمد بن حنبل أبو عبد الله ؟ قال : ابن أبي دواد ، فقلت : والله لا حدثت عنك بحرف . [ ص: 57 ] وقال سليمان بن إسحاق الجلاب ، وآخر : قيل : أكان لإبراهيم الحربي ابن المديني يتهم ؟ قال : لا ، إنما كان إذا حدث بحديث فزاد في خبره كلمة ، ليرضي بها ابن أبي دواد . فقيل له : أكان يتكلم في ؟ قال : لا ، إنما كان إذا رأى في كتاب حديثا عن أحمد بن حنبل أحمد قال : اضرب على ذا ، ليرضي به ابن أبي دواد ، وكان قد سمع من أحمد ، وكان في كتابه : سمعت أحمد ، وقال أحمد ، وحدثنا أحمد . وكان ابن أبي دواد إذا رأى في كتابه حديثا عن الأصمعي قال : اضرب على ذا ، ليرضي نفسه بذلك .
قال إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد : سمعت ، وذكر عنده علي يحيى بن معين ابن المديني ، فحملوا عليه . فقلت : ما هو عند الناس إلا مرتد ، فقال : ما هو بمرتد ، هو على إسلامه ، رجل خاف فقال .
قال ابن عمار الموصلي في " تاريخه " قال لي علي ابن المديني : ما يمنعك أن تكفر الجهمية ، وكنت أنا أولا لا أكفرهم ؟ فلما أجاب علي إلى المحنة ، كتبت إليه أذكره ما قال لي ، وأذكره الله . فأخبرني رجل عنه أنه بكى حين قرأ كتابي . ثم رأيته بعد ، فقال لي : ما في قلبي مما قلت ، وأجبت إلى شيء ، ولكني خفت أن أقتل ، وتعلم ضعفي أني لو ضربت سوطا واحدا لمت ، أو نحو هذا .
قال ابن عمار : ودفع عني علي امتحان ابن أبي دواد إياي ، شفع في ، ودفع عن غير واحد من أهل الموصل من أجلي ، فما أجاب ديانة إلا خوفا .
وعن علي بن سلمة النيسابوري : سمعت علي بن الحسين بن الوليد يقول : ودعت علي بن عبد الله ، فقال : بلغ أصحابنا عني أن القوم كفار ضلال ، [ ص: 58 ] ولم أجد بدا من متابعتهم ، لأني جلست في بيت مظلم ثمانية أشهر ، وفي رجلي قيد ثمانية أمناء ، حتى خفت على بصري . فإن قالوا : يأخذ منهم ، فقد سبقت إلى ذلك ، قد أخذ من هو خير مني .
إسنادها منقطع .
رواها ، فقال : أخبرت عن الحاكم أبي الحسن محمد بن أحمد بن زهير ، سمعت علي بن سلمة .
قال : سمعت ابن عدي مسدد بن أبي يوسف القلوسي ، سمعت أبي يقول : قلت : مثلك يجيب إلى ما أجبت إليه ؟ فقال : يا لابن المديني أبا يوسف ، ما أهون عليك السيف .
قال : سمعت الحاكم أبا عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ يذكر فضل ابن المديني وتقدمه ، فقيل له : قد تكلم فيه عمرو بن علي ، فقال : والله لو وجدت قوة لخرجت إلى البصرة ، فبلت على قبر عمرو .
أجاز لنا ابن علان وغيره ، قالوا : أخبرنا الكندي ، أخبرنا الشيباني ، أخبرنا الخطيب ، أخبرنا أبو نعيم الحافظ ، حدثنا موسى بن إبراهيم بن النضر العطار ، حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، سمعت عليا على المنبر يقول : من زعم أن القرآن مخلوق فهو كافر ، ومن زعم أن الله لا يرى فهو كافر ، ومن زعم أن الله لم يكلم موسى على الحقيقة فهو كافر .
ابن مخلد العطار : حدثنا محمد بن عثمان ، سمعت علي ابن المديني يقول قبل أن يموت بشهرين : القرآن كلام الله غير مخلوق . ومن قال مخلوق ، فهو كافر . [ ص: 59 ] وقال عثمان بن سعيد الدارمي ، سمعت علي ابن المديني يقول : هو كفر ، يعني : من قال : القرآن مخلوق .
قال : كان عبد الرحمن بن أبي حاتم أبو زرعة ترك الرواية عن علي من أجل ما بدا منه في المحنة . وكان والدي يروي عنه لنزوعه عما كان منه . قال أبي : كان علي علما في الناس في معرفة الحديث والعلل .
قلت : ويروى عن عبد الله بن أحمد ، أن أباه أمسك عن الرواية عن ابن المديني ، ولم أر ذلك ، بل في " مسنده " عنه أحاديث ، وفي " صحيح " عنه جملة وافرة . البخاري
قال الإمام أبو زكريا صاحب " الروضة " : ولابن المديني في الحديث نحو من مائتي مصنف .
قال حنبل بن إسحاق : أقدم المتوكل عليا إلى هاهنا ورجع إلى البصرة ، فمات .
قلت : إنما مات بسامراء . قاله البغوي وغيره .
قال الحارث بن محمد : مات بسامراء في ذي القعدة سنة أربع وثلاثين ومائتين .
وقال : مات ليومين بقيا من ذي القعدة سنة أربع . البخاري
ووهم الفسوي ، فقال : مات سنة خمس ، رحمه الله وغفر له .
وفي سنة أربع مات أبو جعفر النفيلي ، ، وأبو بكر بن أبي شيبة ، وأبو خيثمة وابن نمير ، والشاذكوني ، وعثمان بن طالوت ، وعبد الله بن براد الأشعري ، [ ص: 60 ] وعلي بن بحر القطان ، ومحمد بن أبي بكر المقدمي ، وأخوه محمد ، وعقبة بن مكرم الكوفي ، وأبو الربيع الزهراني . ، ومحمد بن عائذ والمعافي بن سليمان الجزري ، وشجاع بن مخلد ، ويحيى بن يحيى الليثي .
قال : سمعت قاضي القضاة أبو عبد الله الحاكم محمد بن صالح الهاشمي يقول : هذه أسامي مصنفات علي ابن المديني : " الأسماء والكنى " ثمانية أجزاء ، " الضعفاء " عشرة أجزاء ، " المدلسون " خمسة أجزاء ، " أول من فحص عن الرجال " جزء ، " الطبقات " عشرة أجزاء ، " من روى عمن لم يره " جزء ، " علل المسند " ثلاثون جزءا ، " العلل من رواية إسماعيل القاضي " أربعة عشر جزءا ، " علل حديث ابن عيينة " ثلاثة عشر جزءا " من لا يحتج به ولا يسقط " جزءان ، " من نزل من الصحابة النواحي " خمسة أجزاء ، " التاريخ " عشرة أجزاء ، " العرض على المحدث " جزءان ، " من حدث ورجع عنه " جزءان ، " سؤال يحيى وابن مهدي عن الرجال " خمسة أجزاء ، " سؤالات " أيضا جزءان ، " الأسانيد الشاذة " جزءان ، " الثقات " عشرة أجزاء ، " اختلاف الحديث " خمسة أجزاء ، " الأشربة " ثلاثة أجزاء ، " الغريب " خمسة أجزاء ، " الإخوة والأخوات " ثلاثة أجزاء ، " من عرف بغير اسم أبيه " جزءان ، " من عرف بلقبه " ، " العلل المتفرقة " ثلاثون جزءا ، " مذاهب المحدثين " جزءان . ثم قال عقيب هذا يحيى القطان أبو بكر الخطيب : فجميع هذه الكتب انقرضت ، رأينا منها أربعة كتب أو خمسة .