الزاهد ، شيخ الديار المصرية ، ثوبان بن إبراهيم ، وقيل : فيض بن أحمد ، وقيل : فيض بن إبراهيم النوبي الإخميمي يكنى أبا الفيض ، ويقال : أبا الفياض . ولد في أواخر أيام المنصور . [ ص: 533 ]
وروى عن : مالك ، ، والليث وابن لهيعة ، ، وفضيل بن عياض وسلم الخواص ، ، وطائفة . وسفيان بن عيينة
وعنه : أحمد بن صبيح الفيومي ، وربيعة بن محمد الطائي ، ورضوان بن محيميد ، وحسن بن مصعب ، والجنيد بن محمد الزاهد ، ومقدام بن داود الرعيني ، وآخرون .
وقل ما روى من الحديث ، ولا كان يتقنه . قيل : إنه من موالي قريش ، وكان أبوه نوبيا .
وقال : روى عن الدارقطني مالك أحاديث فيها نظر . وكان واعظا .
قال ابن يونس : كان عالما فصيحا حكيما . توفي في ذي القعدة سنة خمس وأربعين ومائتين .
وقال السلمي : حملوه على البريد من مصر إلى المتوكل ليعظه في سنة 244 وكان إذا ذكر بين يدي المتوكل أهل الورع ، بكى .
وقال يوسف بن أحمد البغدادي : كان أهل ناحيته يسمونه الزنديق .
فلما مات ، أظلت الطير جنازته ، فاحترموا بعد قبره .
عن أيوب مؤدب ذي النون ، قال : جاء أصحاب المطالب ذا النون ، فخرج معهم إلى قفط وهو شاب ، فحفروا قبرا ، فوجدوا لوحا فيه اسم الله الأعظم ، فأخذه ذو النون ، وسلم إليهم ما وجدوا .
قال يوسف بن الحسين الرازي : حضرت ذا النون ، فقيل له : يا أبا الفيض ، ما كان سبب توبتك ؟ قال : نمت في الصحراء ، ففتحت عيني فإذا [ ص: 534 ] قنبرة عمياء سقطت من وكر ، فانشقت الأرض ، فخرج منها سكرجتان ذهب وفضة ، في إحداهما سمسم ، وفي الأخرى ماء ، فأكلت وشربت . فقلت : حسبي ، فتبت ولزمت الباب إلى أن قبلني .
قال السلمي في " محن الصوفية " : ذو النون أول من تكلم ببلدته في . ترتيب الأحوال ، ومقامات الأولياء ، فأنكر عليه ، وهجره علماء عبد الله بن عبد الحكم مصر . وشاع أنه أحدث علما لم يتكلم فيه السلف ، وهجروه حتى رموه بالزندقة . فقال أخوه : إنهم يقولون : إنك زنديق . فقال :
وما لي سوى الإطراق والصمت حيلة ووضعي كفي تحت خدي وتذكاري
قال : وقال محمد بن الفرخي : كنت مع في زورق ، فمر بنا زورق آخر ، فقيل ذي النون : إن هؤلاء يمرون إلى السلطان ، يشهدون عليك بالكفر . فقال : اللهم إن كانوا كاذبين ، فغرقهم ، فانقلب الزورق ، وغرقوا . فقلت له : فما بال الملاح ؟ قال : لم حملهم وهو يعلم قصدهم ؟ ولأن يقفوا بين يدي الله غرقى خير لهم من أن يقفوا شهود زور ، ثم انتفض وتغير ، وقال : وعزتك لا أدعو على أحد بعدها . لذي النون
ثم دعاه أمير مصر ، وسأله عن اعتقاده ، فتكلم ، فرضي أمره . وطلبه المتوكل ، فلما سمع كلامه ، ولع به وأحبه . وكان يقول : إذا ذكر الصالحون ، فحيهلا بذي النون . [ ص: 535 ]
قال علي بن حاتم : سمعت ذا النون ، يقول : القرآن كلام الله غير مخلوق .
وقال يوسف بن الحسين : سمعت ذا النون ، يقول : مهما تصور في وهمك ، فالله بخلاف ذلك ، وسمعته يقول : الاستغفار جامع لمعان : أولهما : الندم على ما مضى . الثاني : العزم على الترك . الثالث : أداء ما ضيعت من فرض لله . الرابع : رد المظالم في الأموال والأعراض والمصالحة عليها . الخامس : إذابة كل لحم ودم نبت على الحرام . السادس : إذاقة ألم الطاعة كما وجدت حلاوة المعصية .
وعن عمرو بن السرح : قلت : كيف خلصت من لذي النون المتوكل ، وقد أمر بقتلك ؟ قال : لما أوصلني الغلام ، قلت في نفسي : يا من ليس في البحار قطرات ، ولا في ديلج الرياح ديلجات ، ولا في الأرض خبيئات ، ولا في القلوب خطرات ، إلا وهي عليك دليلات ، ولك شاهدات ، وبربوبيتك معترفات ، وفي قدرتك متحيرات ، فبالقدرة التي تجير بها من في الأرضين والسماوات إلا صليت على محمد وعلى آل محمد ، وأخذت قلبه عني ، فقام المتوكل يخطو حتى اعتنقني ، ثم قال : أتعبناك يا أبا الفيض .
وقال يوسف بن الحسين : حضرت مع مجلس ذي النون المتوكل ، وكان مولعا به ، يفضله على الزهاد ، فقال : صف لي أولياء الله . قال : يا أمير المؤمنين ، هم قوم ألبسهم الله النور الساطع من محبته ، وجللهم بالبهاء من إرادة كرامته ، ووضع على مفارقهم تيجان مسرته . فذكر كلاما طويلا .
وقد استوفى أحوال ابن عساكر في " تاريخه " ، ذي النون وأبو نعيم في " الحلية " . [ ص: 536 ] ومن كلامه : العارف لا يلتزم حالة واحدة ; بل يلتزم أمر ربه في الحالات كلها .
أرخ عبيد الله بن سعيد بن عفير وفاته ، كما مر ، في سنة خمس وأربعين ومائتين .
وأما حيان بن أحمد السهمي ، فقال : مات بالجيزة ، وعدي به إلى مصر في مركب خوفا من زحمة الناس على الجسر ، لليلتين خلتا من ذي القعدة سنة ست وأربعين ومائتين . وقال آخر : مات سنة ثمان وأربعين .
والأول أصح . وكان من أبناء التسعين .