ابن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، الإمام الزاهد ، الحافظ ، مفتي المدينة ، [ ص: 458 ] أبو عمر ، وأبو عبد الله ، القرشي ، العدوي ، المدني ، وأمه أم ولد . مولده في خلافة عثمان .
أخبرنا أحمد بن هبة الله سنة اثنتين وتسعين وستمائة ، أنبأنا أبو روح الهروي ، أنبأنا تميم الجرجاني ، أنبأنا أبو سعد الأديب ، أنبأنا أبو عمرو بن حمدان ، أنبأنا أبو يعلى الموصلي ، حدثنا حوثرة بن أشرس ، حدثنا عقبة بن أبي الصهباء - وسألت عنه فوثقه - عن يحيى بن معين سالم ، عن أبيه ، . أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى الصبح ، ثم استقبل مطلع الشمس ، فقال : ألا إن الفتن من هاهنا - ثلاث مرات - ومن ثم يطلع قرن الشيطان
إسناده حسن عال ، ولا يقع لنا حديث سالم أعلى من هذا .
حدث عن أبيه فجود وأكثر ، وعن عائشة - وذلك في سنن - النسائي - وذلك في وأبي هريرة البخاري ومسلم - وعن زيد بن الخطاب العدوي ، وأبي لبابة بن عبد المنذر - وذلك مرسل - وعن رافع بن خديج ، وسفينة ، وأبي رافع مولى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وامرأة أبيه وسعيد بن المسيب صفية .
وعنه : ابنه أبو بكر ، ، وسالم بن أبي الجعد ، وعمرو بن دينار وعمرو بن دينار القهرمان ، ومحمد بن واسع ، ويحيى بن أبي إسحاق الحضرمي ، وأبو بكر بن حزم ، ، والزهري ومحمد بن أبي حرملة ، وكثير بن زيد ، وفضيل بن غزوان ، ، وحنظلة بن أبي سفيان ، وصالح بن كيسان وصالح بن محمد بن زائدة أبو واقد ، وعاصم بن عبد الله ، ، وعبد العزيز بن أبي رواد ، وعبيد الله بن عمر ، وابن أخيه وعكرمة بن عمار عمر بن حمزة ، وابن ابن أخيه عمر بن محمد بن زيد ، [ ص: 459 ] وابن ابن أخيه خالد بن أبي بكر بن عبيد الله ، وابن أخيه القاسم بن عبيد الله ، وخلق سواهم .
روى علي بن زيد ، عن ابن المسيب ، قال : قال لي ابن عمر : أتدري لم سميت ابني سالما ؟ قلت : لا . قال : باسم - يعني أحد السابقين . سالم مولى أبي حذيفة
يحيى بن سعيد ، عن ابن المسيب ، قال : كان عبد الله بن عمر أشبه ولد عمر به ، وكان سالم أشبه ولد عبد الله به .
روى ، عن سلمة الأبرش ابن إسحاق قال : رأيت يلبس الصوف ، وكان علج الخلق ، يعالج بيديه ويعمل . سالم بن عبد الله
قال يحيى بن بكير : قدم جماعة من المصريين المدينة ، فأتوا باب ، فسمعوا رغاء بعير ، فبينا هم كذلك خرج عليهم رجل شديد الأدمة ، متزر بكساء صوف إلى ثندوته ، فقالوا له : مولاك داخل ؟ قال : من تريدون ؟ قالوا : سالم بن عبد الله سالم . قال : فلما كلمهم جاء شيء غير المنظر ، قال : من أردتم ؟ قالوا : سالم . قال : ها أنا ذا فما جاء بكم ؟ قالوا : أردنا أن نسائلك . قال : سلوا عما شئتم . وجلس ويده ملطخة بالدم والقيح الذي أصابه من البعير ، فسألوه .
قال أشهب ، عن مالك ، قال : لم يكن أحد في زمان سالم أشبه بمن مضى من الصالحين ، في الزهد والفضل والعيش منه ; كان يلبس الثوب [ ص: 460 ] بدرهمين ، ويشتري الشمال ليحملها . قال : فقال سليمان بن عبد الملك لسالم - ورآه حسن السحنة - : أي شيء تأكل ؟ قال : الخبز والزيت ، وإذا وجدت اللحم أكلته . فقال له عمر : أوتشتهيه ؟ قال : إذا لم أشتهه تركته حتى أشتهيه . وروى ، عن أبو المليح الرقي قال : دخلت على ميمون بن مهران ابن عمر ، فقومت كل شيء في بيته ، فما وجدته يسوى مائة درهم ، ثم دخلت مرة أخرى ، فما وجدت ما يسوى ثمن طيلسان ، ودخلت على سالم من بعده ، فوجدته على مثل حال أبيه .
روى زيد بن محمد بن زيد ، عن نافع ، قال : كان ابن عمر يقبل سالما ويقول : شيخ يقبل شيخا .
ابن سعد ، عن محمد بن حرب المكي : سمع خالد بن أبي بكر يقول : بلغني أن ابن عمر كان يلام في حب سالم ، فكان يقول :
يلومونني في سالم وألومهم وجلدة بين العين والأنف سالم
قال ابن أبي الزناد : كان أهل المدينة يكرهون اتخاذ أمهات الأولاد حتى نشأ فيهم الغر السادة : علي بن الحسين ، ، والقاسم بن محمد ، ففاقوا وسالم بن عبد الله أهل المدينة علما وتقى وعبادة وورعا ، فرغب الناس حينئذ في السراري . [ ص: 461 ]
قال ابن المبارك : كان فقهاء أهل المدينة الذين كانوا يصدرون عن رأيهم سبعة : ابن المسيب ، ، وسليمان بن يسار وسالم ، والقاسم ، وعروة ، وعبيد الله بن عبد الله ، . وكانوا إذا جاءتهم مسألة دخلوا فيها جميعا فنظروا فيها ، ولا يقضي القاضي حتى يرفع إليهم ، فينظرون فيها فيصدرون . وخارجة بن زيد
ابن وهب : حدثنا مالك ، عن يزيد بن رومان ، عن : أنه كان يخرج إلى السوق في حوائج نفسه . واشترى شملة ، فانتهى بها إلى المسجد ، فرمى بها إلى سالم بن عبد الله عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز ، فحبسها عنده ساعة ، ثم قال : ألا تبعث من يحملها لك ؟ فقال : بل أنا أحملها .
وحدثني مالك ، قال : كان ابن عمر يخرج إلى السوق فيشتري ، وكان سالم دهره يشتري في الأسواق ، وكان من أفضل أهل زمانه .
وروى أبو سعيد الحارثي ، عن العتبي ، عن أبيه ، قال : دخل سالم على سليمان بن عبد الملك ، وعلى سالم ثياب غليظة رثة ، فلم يزل سليمان يرحب به ، ويرفعه حتى أقعده معه على سريره ، في المجلس ، فقال له رجل من أخريات الناس : ما استطاع خالك أن يلبس ثيابا فاخرة أحسن من هذه ، يدخل فيها على أمير المؤمنين ؟ ! قال : وعلى المتكلم ثياب سرية ، لها قيمة ، فقال له وعمر بن عبد العزيز عمر : ما رأيت هذه الثياب التي على خالي وضعته في مكانك ، ولا رأيت ثيابك هذه رفعتك إلى مكان خالي ذاك . [ ص: 462 ]
قال : أحمد بن عبد الله العجلي تابعي ثقة . سالم بن عبد الله
وقال أحمد : أصح الأسانيد ; وابن راهويه الزهري ، عن سالم ، عن أبيه .
وروى عباس ، عن ، قال : يحيى بن معين سالم والقاسم حديثهما قريب من السواء ، - أيضا - قريب منهما ، وسعيد بن المسيب وإبراهيم أعجب إلي مرسلات منهم . قال عباس : قلت ليحيى : فسالم أعلم بابن عمر أو نافع ؟ قال : يقولون : إن لم يحدث حتى مات نافعا سالم .
وقال : لم يسمع البخاري سالم من عائشة .
وقال في حديث النسائي الزهري ، عن سالم ، عن أبيه مرفوعا الحديث : ورواه " فيما سقت السماء العشر . . " نافع عن ابن عمر قوله ، قال : واختلف سالم ونافع على ابن عمر في ثلاثة أحاديث ; هذا أحدها .
والثاني : فقال : " من باع عبدا له مال " سالم عن أبيه مرفوعا . وقال : نافع عن ابن عمر قوله . [ ص: 463 ]
وقال : سالم عن أبيه مرفوعا : ورواه " يخرج نار من قبل اليمن . . " نافع عن ابن عمر ، عن كعب قوله . قال : وسالم أجل من نافع ، وأحاديث نافع أولى بالصواب .
وقال ابن سعد كان سالم ثقة ، كثير الحديث ، عاليا من الرجال ورعا .
قال أبو ضمرة الليثي : حج هشام بن عبد الملك في ، فأعجبته سحنته ، فقال : أي شيء تأكل ؟ فقال : الخبز والزيت . قال : فإذا لم تشتهه ؟ قال : أخمره حتى أشتهيه . فعانه سالم بن عبد الله هشام ، فمرض ومات ، فشهده هشام وأجفل الناس في جنازته فرآهم هشام فقال : إن أهل المدينة لكثير . فضرب عليهم بعثا أخرج فيه جماعة منهم ، فلم يرجع منه أحد ، فتشاءم به أهل المدينة ، فقالوا : عان فقيهنا ، وعان أهل بلدنا .
قال : حدثني جويرية بن أسماء أشعب الطمع ، قال : قال لي سالم : لا تسأل أحدا غير الله تعالى .
وقال فطر بن خليفة : رأيت أبيض الرأس واللحية . [ ص: 464 ] سالم بن عبد الله
وقال : حدثني معن بن عيسى خالد بن أبي بكر ، قال : رأيت على سالم قلنسوة بيضاء ، وعمامة بيضاء يسدل منها خلفه أكثر من شبر .
قال أيوب السختياني : أتينا وهو في قميص وجبة قد اتزر فوقها . سالم بن عبد الله
قال نافع : كان سالم يركب في عهد ابن عمر بالقطيفة الأرجوان .
قال ابن سعد أخبرت عن عبد الرحمن بن مهدي ، عن مالك ، عن ابن المسيب ، قال : أشبه ولد ابن عمر به سالم .
وقيل : كان سالم يركب حمارا عتيقا زريا ، فعمد أولاده فقطعوا ذنبه حتى لا يعود يركبه سالم ، فركب وهو أقطش الذنب ، فعمدوا فقطعوا أذنه ، فركبه ولم يغيره ذلك ، ثم جدعوا أذنه الأخرى ; وهو مع ذلك يركبه تواضعا واطراحا للتكلف .
الأصمعي ، عن أشعب ، قال : دخلت على فقال : حمل إلينا هريسة وأنا صائم ، فاقعد كل . قال : فأمعنت ، فقال : ارفق فما بقي يحمل معك . قال : فرجعت ، فقالت المرأة : يا مشئوم بعث سالم بن عبد الله عبد الله بن عمرو بن عثمان يطلبك ، وقلت : إنك مريض ! قال : أحسنت ، فدخل حماما وتمرج بدهن وصفرة ، قال : وعصبت رأسي ، وأخذت قصبة أتوكأ عليها وأتيته ، فقال : أشعب ؟ قلت : نعم ، جعلت فداك ، ما قمت منذ شهرين . قال : وعنده سالم ولم أشعر ، فقال : ويحك يا أشعب ، وغضب وخرج ، فقال عبد الله : [ ص: 465 ] ما غضب خالي سالم إلا من شيء ، فاعترفت له ، فضحك هو وجلساؤه . ووهب لي ، فخرجت فإذا أشعب قد لقي سالما فقال : ويحك ، ألم تأكل عندي الهريسة ؟ قلت : بلى ، فقال : والله لقد شككتني .
وحكى الأصمعي ، أن أشعب مر في طريق ، فعبث به الصبيان ، فقال : ويحكم ، سالم يقسم جوزا أو تمرا ، فمروا يعدون ، فغدا أشعب معهم ، وقال : ما يدريني لعله حق .
مات سالم في سنة ست ومائة . قاله ابن شوذب ، وعطاف بن خالد ، وضمرة ، وأبو نعيم ، وعدة . زاد بعضهم : في ذي القعدة ، وقال بعضهم : في ذي الحجة . فصلى عليه هشام بن عبد الملك بعد انصرافه من الحج .
وقال خليفة ، وأبو أمية بن يعلى : سنة سبع ومائة .
وقال الهيثم بن عدي ، وأبو عمر الضرير : سنة ثمان . والأول أصح .
قال الحافظ : قدم ابن عساكر سالم الشام وافدا على عبد الملك ببيعة والده له ، ثم قدم على الوليد ، ثم على عمر بن عبد العزيز .
قال يحيى بن سعيد : قلت لسالم في حديث : أسمعته من ابن عمر ؟ فقال : مرة واحدة ! أكثر من مائة مرة . [ ص: 466 ]
قال همام ، عن عطاء بن السائب : دفع الحجاج رجلا إلى ليقتله ، فقال للرجل : أمسلم أنت ؟ قال : نعم : قال : فصليت اليوم الصبح ؟ قال : نعم ، فرد إلى سالم بن عبد الله الحجاج ، فرمى بالسيف ، وقال : ذكر أنه مسلم ، وأنه صلى الصبح ، وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : فقال : لسنا نقتله على صلاة ، ولكنه ممن أعان على قتل " من صلى الصبح فهو في ذمة الله " عثمان ، فقال : هاهنا من هو أولى بعثمان مني . فبلغ ذلك ابن عمر فقال : مكيس مكيس .
قال ابن عيينة : دخل هشام الكعبة ، فإذا هو بسالم بن عبد الله ، فقال : سلني حاجة . قال : إني أستحيي من الله أن أسأل في بيته غيره . فلما خرجا قال : الآن فسلني حاجة ، فقال له سالم : من حوائج الدنيا أم من حوائج الآخرة ؟ فقال : من حوائج الدنيا . قال : والله ما سألت الدنيا من يملكها ، فكيف أسألها من لا يملكها .
وكان سالم حسن الخلق ، فروي عن إبراهيم بن عقبة ، قال : كان سالم إذا خلا حدثنا حديث الفتيان .
وعن أبي سعد قال : كان سالم غليظا كأنه حمال . وقيل : كان على سمت أبيه في عدم الرفاهية .
حماد بن عيسى الجهني ، حدثنا حنظلة ، عن سالم ، عن أبيه ، عن [ ص: 467 ] عمر ، قال : . كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا مد يديه في الدعاء ، لم يرسلهما حتى يمسح بهما وجهه
تفرد به حماد ، وفيه لين .