وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا أمما
عطف على قوله ومن قوم موسى أمة إلخ ، فإن ذلك التقطيع وقع في الأمة الذين يهدون بالحق .
والتقطيع شدة في القطع وهو التفريق ، والمراد به التقسيم ، وليس المراد بهذا الخبر الذم ، ولا بالتقطيع العقاب . لأن ذلك التقطيع منة من الله ، وهو من محاسن سياسة الشريعة الموسوية ، ومن مقدمات نظام الجماعة كما فصله السفر الرابع ، وهو سفر عدد بني إسرائيل وتقسيمهم ، وهو نظير ما فعل من تدوين [ ص: 143 ] الديوان ، وهم كانوا منتسبين إلى أسباط عمر بن الخطاب إسحاق ، ولكنهم لم يكونوا مقسمين عشائر لما كانوا في مصر ، ولما اجتازوا البحر ، فكان التقسيم بعد اجتيازهم البحر الأحمر ، وقبل انفجار العيون ، وهو ظاهر القرآن في سورة البقرة وفي هذه السورة لقوله فيهما قد علم كل أناس مشربهم وذكره هنا الاستسقاء عقب الانقسام إلى اثنتي عشرة أمة ، وذلك ضروري أن يكون قبل الاستسقاء ؛ لأنه لو وقع السقي قبل التقسيم لحصل من التزاحم على الماء ما يفضي إلى الضر بالقوم ، وظاهر التوراة أنهم لما مروا بحوريب ، وجاء شعيب للقاء موسى : أن شعيبا أشار على موسى أن يقيم لهم رؤساء ألوف ، ورؤساء مئات ، ورؤساء خماسين ، ورؤساء عشرات ، حسب الإصحاح 18 من الخروج ، وذلك يقتضي أن الأمة كانت منتسبة قبائل من قبل ، ليسهل وضع الرؤساء على الأعداد ، ووقع في السنة الثانية من خروجهم أن الله أمر موسى أن يحصي جميع بني إسرائيل ، وأن موسى وهارون جمعا جميع بني إسرائيل فانتسبوا إلى عشائرهم وبيوت آبائهم ، كما في الإصحاح الأول من سفر العدد ، وتقدم ذكر الأسباط عند قوله - تعالى - قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا في سورة البقرة .
وجيء باسم العدد بصيغة التأنيث في قوله اثنتي عشرة لأن السبط أطلق هنا على الأمة فحذف تمييز العدد لدلالة قوله أمما عليه .
و ( أسباطا ) حال من الضمير المنصوب في وقطعناهم ولا يجوز كونه تمييزا لأن تمييز اثنتي عشرة ونحوه لا يكون إلا مفردا .
وقوله ( أمما ) بدل من ( أسباطا ) أو من اثنتي عشرة وعدل عن جعل أحد الحالين تمييزا في الكلام إيجازا وتنبيها على قصد المنة بكونهم أمما من آباء إخوة ، وأن كل سبط من أولئك قد صار أمة قال - تعالى - واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم مع ما يذكر به لفظ أسباط من تفضيلهم لأن الأسباط أسباط إسحاق بن إبراهيم - عليه السلام - .