nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=15nindex.php?page=treesubj&link=28982_29497_30539من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=16أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون
استئناف اعتراضي بين الجملتين ناشئ عن جملة "
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=14فهل أنتم مسلمون " لأن تلك الجملة تفرعت على نهوض الحجة فإن كانوا طالبين الحق والفوز فقد استتب لهم ما يقتضي تمكن الإسلام من نفوسهم ، وإن كانوا إنما يطلبون الكبرياء والسيادة في الدنيا ويأنفون من أن يكونوا تبعا لغيرهم فهم مريدون الدنيا ؛ فلذلك حذروا من أن يغتروا بالمتاع العاجل ، وأعلموا بأن وراء ذلك العذاب الدائم ، وأنهم على الباطل ، فالمقصود من هذا الكلام هو الجملة الثانية ، أعني جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=16أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار إلخ . . . وما قبل ذلك تمهيد وتنبيه على بوارق الغرور ومزالق الذهول .
ولما كان ذلك هو حالهم كان في هذا الاعتراض زيادة بيان لأسباب مكابرتهم وبعدهم عن الإيمان ، وفيه تنبيه المسلمين بأن لا يغتروا بظاهر حسن
[ ص: 23 ] حال الكافرين في الدنيا ، وأن لا يحسبوا أيضا أن الكفر يوجب تعجيل العذاب فأوقظوا من هذا التوهم ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=196لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد
وفعل الشرط في المقام الخطابي يفيد اقتصار الفاعل على ذلك الفعل ، فالمعنى من كان يريد الحياة الدنيا فقط بقرينة قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=16أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار إذ حصر أمرهم في استحقاق النار وهو معنى الخلود . ونظير هذه الآية
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=18من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=19ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا . فالمعنى من كان لا يطلب إلا منافع الحياة وزينتها . وهذا لا يصدر إلا عن الكافرين لأن المؤمن لا يخلو من إرادة خير الآخرة وما آمن إلا لذلك ، فمورد هذه الآيات ونظائرها في حال الكافرين الذين لا يؤمنون بالآخرة .
فأما قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=28إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما فذلك في معنى آخر من معاني الحياة وزينتها وهو ترف العيش وزينة اللباس ، خلافا لما يقتضيه إعراض الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن كثير من ذلك الترف وتلك الزينة .
وضمير إليهم عائد إلى من الموصولة لأن المراد بها الأقوام الذين اتصفوا بمضمون الصلة .
والتوفية : إعطاء الشيء وافيا ، أي كاملا غير منقوص ، أي نجعل أعمالهم في الدنيا وافية ومعنى وفائها أنها غير مشوبة بطلب تكاليف الإيمان والجهاد والقيام بالحق ، فإن كل ذلك لا يخلو من نقصان في تمتع أصحاب تلك الأعمال
[ ص: 24 ] بأعمالهم وهو النقصان الناشئ عن معاكسة هوى النفس ، فالمراد أنهم لا ينقصون من لذاتهم التي هيئوها لأنفسهم على اختلاف طبقاتهم في التمتع بالدنيا ، بخلاف المؤمنين فإنهم تتهيأ لهم أسباب التمتع بالدنيا على اختلاف درجاتهم في ذلك التهيؤ فيتركون كثيرا من ذلك لمراعاتهم مرضاة الله - تعالى - وحذرهم من تبعات ذلك في الآخرة على اختلاف مراتبهم في هذه المراعاة .
وعدي فعل نوف بحرف إلى لتضمنه معنى نوصل أو نبلغ لإفادة معنيين .
فليس معنى الآية أن من أراد الحياة وزينتها أعطاه الله مراده لأن ألفاظ الآية لا تفيد ذلك لقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=15نوف إليهم أعمالهم ، فالتوفية : عدم النقص . وعلقت بالأعمال وهي المساعي . وإضافة الأعمال إلى ضمير هم تفيد أنها الأعمال التي عنوا بها وأعدوها لصالحهم أي نتركها لهم كما أرادوا لا ندخل عليهم نقصا في ذلك . وهذه التوفية متفاوتة والقدر المشترك فيها بينهم هو خلوهم من كلف الإيمان ومصاعب القيام بالحق والصبر على عصيان الهوى ، فكأنه قيل نتركهم وشأنهم في ذلك .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=15وهم فيها لا يبخسون أي في الدنيا لا يجازون على كفرهم بجزاء سلب بعض النعم عنهم بل يتركون وشأنهم استدراجا لهم وإمهالا . فهذا كالتكملة لمعنى جملة (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=15نوف إليهم أعمالهم فيها ) ، إذ البخس هو الحط من الشيء والنقص منه على ما ينبغي أن يكون عليه ظلما . وفي هذه الآية دليل لما رآه
الأشعري أن
nindex.php?page=treesubj&link=29485_32412الكفر لا يمنع من نعمة الله .
وضمير فيها يجوز أن يعود إلى الحياة وأن يعود إلى الأعمال
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=16أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار مستأنفة ، ولكن اسم الإشارة يربط بين الجملتين ، وأتي باسم الإشارة لتمييزهم بتلك الصفات المذكورة قبل اسم الإشارة . وفي اسم الإشارة تنبيه على أن المشار إليه استحق ما يذكر
[ ص: 25 ] بعد اختياره من الحكم من أجل الصفات التي ذكرت قبل اسم الإشارة كما تقدم في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=5أولئك على هدى من ربهم في سورة البقرة .
و " إلا النار " استثناء مفرغ من ليس لهم أي ليس لهم شيء مما يعطاه الناس في الآخرة إلا النار ، وهذا يدل على الخلود في النار فيدل على أن هؤلاء كفار عندنا .
والحبط : البطلان أي الانعدام .
والمراد بـ ( ما صنعوا ) ما عملوا ، ومن الإحسان في الدنيا كإطعام العفاة ونحوه من مواساة بعضهم بعضا ، ولذلك عبر هنا بـ ( صنعوا ) لأن الإحسان يسمى صنيعة .
وضمير فيها يجوز أن يعود إلى الدنيا المتحدث عنها فيتعلق المجرور بفعل صنعوا . ويجوز أن يعود إلى الآخرة فيتعلق المجرور بفعل بطل ، أي انعدم أثره . ومعنى الكلام تنبيه على أن حظهم من النعمة هو ما يحصل لهم في الدنيا ، وأن رحمة الله بهم لا تعدو ذلك . وقد قال النبيء - صلى الله عليه وسلم -
لعمر لما ذكر له فارس والروم وما هم فيه من المتعة
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341954أولئك عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا .
والباطل : الشيء الذي يذهب ضياعا وخسرانا .
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=15nindex.php?page=treesubj&link=28982_29497_30539مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=16أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
اسْتِئْنَافٌ اعْتِرَاضِيٌّ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ نَاشِئٌ عَنْ جُمْلَةِ "
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=14فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ " لِأَنَّ تِلْكَ الْجُمْلَةَ تَفَرَّعَتْ عَلَى نُهُوضِ الْحُجَّةِ فَإِنْ كَانُوا طَالِبِينَ الْحَقَّ وَالْفَوْزَ فَقَدِ اسْتَتَبَّ لَهُمْ مَا يَقْتَضِي تَمَكُّنَ الْإِسْلَامِ مِنْ نُفُوسِهِمْ ، وَإِنْ كَانُوا إِنَّمَا يَطْلُبُونَ الْكِبْرِيَاءَ وَالسِّيَادَةَ فِي الدُّنْيَا وَيَأْنَفُونَ مِنْ أَنْ يَكُونُوا تَبَعًا لِغَيْرِهِمْ فَهُمْ مُرِيدُونَ الدُّنْيَا ؛ فَلِذَلِكَ حُذِّرُوا مِنْ أَنْ يَغْتَرُّوا بِالْمَتَاعِ الْعَاجِلِ ، وَأُعْلِمُوا بِأَنَّ وَرَاءَ ذَلِكَ الْعَذَابَ الدَّائِمَ ، وَأَنَّهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ ، فَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ هُوَ الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ ، أَعْنِي جُمْلَةَ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=16أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ إلَخْ . . . وَمَا قَبْلَ ذَلِكَ تَمْهِيدٌ وَتَنْبِيهٌ عَلَى بِوَارِقِ الْغُرُورِ وَمَزَالِقِ الذُّهُولِ .
وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ هُوَ حَالَهُمْ كَانَ فِي هَذَا الِاعْتِرَاضِ زِيَادَةُ بَيَانٍ لِأَسْبَابِ مُكَابَرَتِهِمْ وَبُعْدِهِمْ عَنِ الْإِيمَانِ ، وَفِيهِ تَنْبِيهُ الْمُسْلِمِينَ بِأَنْ لَا يَغْتَرُّوا بِظَاهِرِ حُسْنِ
[ ص: 23 ] حَالِ الْكَافِرِينَ فِي الدُّنْيَا ، وَأَنْ لَا يَحْسَبُوا أَيْضًا أَنَّ الْكُفْرَ يُوجِبُ تَعْجِيلَ الْعَذَابِ فَأُوقِظُوا مِنْ هَذَا التَّوَهُّمِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=196لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ
وَفِعْلُ الشَّرْطِ فِي الْمَقَامِ الْخِطَابِيِّ يُفِيدُ اقْتِصَارَ الْفَاعِلِ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ ، فَالْمَعْنَى مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَقَطْ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=16أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ إِذْ حُصِرَ أَمْرُهُمْ فِي اسْتِحْقَاقِ النَّارِ وَهُوَ مَعْنَى الْخُلُودِ . وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=18مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=19وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا . فَالْمَعْنَى مَنْ كَانَ لَا يَطْلُبُ إِلَّا مَنَافِعَ الْحَيَاةِ وَزِينَتَهَا . وَهَذَا لَا يَصْدُرُ إِلَّا عَنِ الْكَافِرِينَ لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَخْلُو مِنْ إِرَادَةِ خَيْرِ الْآخِرَةِ وَمَا آمَنَ إِلَّا لِذَلِكَ ، فَمَوْرِدُ هَذِهِ الْآيَاتِ وَنَظَائِرِهَا فِي حَالِ الْكَافِرِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ .
فَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=28إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا فَذَلِكَ فِي مَعْنًى آخَرَ مِنْ مَعَانِي الْحَيَاةِ وَزِينَتِهَا وَهُوَ تَرَفُ الْعَيْشِ وَزِينَةُ اللِّبَاسِ ، خِلَافًا لِمَا يَقْتَضِيه إِعْرَاضُ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ كَثِيرٍ مِنْ ذَلِكَ التَّرَفِ وَتِلْكَ الزِّينَةِ .
وَضَمِيرُ إِلَيْهِمْ عَائِدٌ إِلَى مَنِ الْمَوْصُولَةِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْأَقْوَامُ الَّذِينَ اتَّصَفُوا بِمَضْمُونِ الصِّلَةِ .
وَالتَّوْفِيَةُ : إِعْطَاءُ الشَّيْءِ وَافِيًا ، أَيْ كَامِلًا غَيْرَ مَنْقُوصٍ ، أَيْ نَجْعَلُ أَعْمَالَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَافِيَةً وَمَعْنَى وَفَائِهَا أَنَّهَا غَيْرُ مَشُوبَةٍ بِطَلَبِ تَكَالِيفِ الْإِيمَانِ وَالْجِهَادِ وَالْقِيَامِ بِالْحَقِّ ، فَإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ لَا يَخْلُو مِنْ نُقْصَانٍ فِي تَمَتُّعِ أَصْحَابِ تِلْكَ الْأَعْمَالِ
[ ص: 24 ] بِأَعْمَالِهِمْ وَهُوَ النُّقْصَانُ النَّاشِئُ عَنْ مُعَاكَسَةِ هَوَى النَّفْسِ ، فَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ لَا يَنْقُصُونَ مِنْ لَذَّاتِهِمُ الَّتِي هَيَّئُوهَا لِأَنْفُسِهِمْ عَلَى اخْتِلَافِ طَبَقَاتِهِمْ فِي التَّمَتُّعِ بِالدُّنْيَا ، بِخِلَافِ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهُمْ تَتَهَيَّأُ لَهُمْ أَسْبَابُ التَّمَتُّعِ بِالدُّنْيَا عَلَى اخْتِلَافِ دَرَجَاتِهِمْ فِي ذَلِكَ التَّهَيُّؤِ فَيَتْرُكُونَ كَثِيرًا مِنْ ذَلِكَ لِمُرَاعَاتِهِمْ مَرْضَاةَ اللَّهِ - تَعَالَى - وَحَذَّرَهُمْ مِنْ تَبِعَاتِ ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ عَلَى اخْتِلَافِ مَرَاتِبِهِمْ فِي هَذِهِ الْمُرَاعَاةِ .
وَعُدِّيَ فِعْلُ نُوَفِّ بِحَرْفِ إِلَى لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى نُوَصِّلُ أَوْ نُبْلِغُ لِإِفَادَةِ مَعْنَيَيْنِ .
فَلَيْسَ مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ مَنْ أَرَادَ الْحَيَاةَ وَزِينَتَهَا أَعْطَاهُ اللَّهُ مُرَادَهُ لِأَنَّ أَلْفَاظَ الْآيَةِ لَا تُفِيدُ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=15نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ ، فَالتَّوْفِيَةُ : عَدَمُ النَّقْصِ . وَعُلِّقَتْ بِالْأَعْمَالِ وَهِيَ الْمَسَاعِي . وَإِضَافَةُ الْأَعْمَالِ إِلَى ضَمِيرِ هُمْ تُفِيدُ أَنَّهَا الْأَعْمَالُ الَّتِي عَنَوْا بِهَا وَأَعَدُّوهَا لِصَالِحِهِمْ أَيْ نَتْرُكُهَا لَهُمْ كَمَا أَرَادُوا لَا نُدْخِلُ عَلَيْهِمْ نَقْصًا فِي ذَلِكَ . وَهَذِهِ التَّوْفِيَةُ مُتَفَاوِتَةٌ وَالْقَدْرُ الْمُشْتَرِكُ فِيهَا بَيْنَهُمْ هُوَ خَلُوُّهُمْ مِنْ كُلَفِ الْإِيمَانِ وَمَصَاعِبِ الْقِيَامِ بِالْحَقِّ وَالصَّبْرِ عَلَى عِصْيَانِ الْهَوَى ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ نَتْرُكُهُمْ وَشَأْنَهُمْ فِي ذَلِكَ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=15وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ أَيْ فِي الدُّنْيَا لَا يُجَازَوْنَ عَلَى كُفْرِهِمْ بِجَزَاءِ سَلْبِ بَعْضِ النِّعَمِ عَنْهُمْ بَلْ يُتْرَكُونَ وَشَأْنَهُمْ اسْتِدْرَاجًا لَهُمْ وَإِمْهَالًا . فَهَذَا كَالتَّكْمِلَةِ لِمَعْنَى جُمْلَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=15نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا ) ، إِذِ الْبَخْسُ هُوَ الْحَطُّ مِنَ الشَّيْءِ وَالنَّقْصُ مِنْهُ عَلَى مَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ ظُلْمًا . وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ لِمَا رَآهُ
الْأَشْعَرِيُّ أَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=29485_32412الْكُفْرَ لَا يَمْنَعُ مِنْ نِعْمَةِ اللَّهِ .
وَضَمِيرُ فِيهَا يَجُوزُ أَنْ يَعُودَ إِلَى الْحَيَاةِ وَأَنْ يَعُودَ إِلَى الْأَعْمَالِ
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=16أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ مُسْتَأْنَفَةٌ ، وَلَكِنَّ اسْمَ الْإِشَارَةِ يَرْبُطُ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ ، وَأُتِيَ بِاسْمِ الْإِشَارَةِ لِتَمْيِيزِهِمْ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ قَبْلَ اسْمِ الْإِشَارَةِ . وَفِي اسْمِ الْإِشَارَةِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْمُشَارَ إِلَيْهِ اسْتَحَقَّ مَا يُذْكَرُ
[ ص: 25 ] بَعْدَ اخْتِيَارِهِ مِنَ الْحُكْمِ مِنْ أَجْلِ الصِّفَاتِ الَّتِي ذُكِرَتْ قَبْلَ اسْمِ الْإِشَارَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=5أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ .
وَ " إِلَّا النَّارُ " اسْتِثْنَاءٌ مُفَرَّغٌ مِنْ لَيْسَ لَهُمْ أَيْ لَيْسَ لَهُمْ شَيْءٌ مِمَّا يُعْطَاهُ النَّاسُ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى الْخُلُودِ فِي النَّارِ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ كُفَّارٌ عِنْدَنَا .
وَالْحَبْطُ : الْبُطْلَانُ أَيِ الِانْعِدَامُ .
وَالْمُرَادُ بِـ ( مَا صَنَعُوا ) مَا عَمِلُوا ، وَمِنَ الْإِحْسَانِ فِي الدُّنْيَا كَإِطْعَامِ الْعُفَاةِ وَنَحْوِهِ مِنْ مُوَاسَاةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا ، وَلِذَلِكَ عَبَّرَ هُنَا بِـ ( صَنَعُوا ) لِأَنَّ الْإِحْسَانَ يُسَمَّى صَنِيعَةً .
وَضَمِيرُ فِيهَا يَجُوزُ أَنْ يَعُودَ إِلَى الدُّنْيَا الْمُتَحَدَّثِ عَنْهَا فَيَتَعَلَّقُ الْمَجْرُورُ بِفِعْلِ صَنَعُوا . وَيَجُوزُ أَنْ يَعُودَ إِلَى الْآخِرَةِ فَيَتَعَلَّقُ الْمَجْرُورُ بِفِعْلِ بَطَلَ ، أَيِ انْعَدَمَ أَثَرُهُ . وَمَعْنَى الْكَلَامِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ حَظَّهُمْ مِنَ النِّعْمَةِ هُوَ مَا يَحْصُلُ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا ، وَأَنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ بِهِمْ لَا تَعْدُو ذَلِكَ . وَقَدْ قَالَ النَّبِيءُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
لِعُمَرَ لَمَّا ذَكَرَ لَهُ فَارِسَ وَالرُّومَ وَمَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْمُتْعَةِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341954أُولَئِكَ عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا .
وَالْبَاطِلُ : الشَّيْءُ الَّذِي يَذْهَبُ ضَيَاعًا وَخُسْرَانًا .