nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=34nindex.php?page=treesubj&link=28982_33953_29723ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون .
عطف على وعظهم بحلول العذاب وتوقعه بيان حال مجادلته إياهم التي امتعضوا منها بأنها مجادلة لنفعهم وصلاحهم ، وفي ذلك تعريض بتحميقهم وتسفيه آرائهم حيث كرهوا ما هو نفع لهم .
nindex.php?page=treesubj&link=18245والنصح : قول أو عمل يريد صاحبه صلاح المعمول لأجله . وأكثر ما يطلق على الأقوال النافعة المنقذة من الأضرار . ويكون بالعمل كقوله - تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=91إذا نصحوا لله ورسوله في سورة التوبة . وفي الحديث "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341956الدين النصيحة لله ولرسوله " أي الإخلاص في العمل لهما لأن الله لا ينبأ بشيء لا يعلمه . وقد تقدم في قوله - تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=79ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين في سورة الأعراف . فالمراد بالنصح هنا هو ما سماه قومه بالجدال ، أي هو أولى بأن يسمى نصحا لأن الجدال يكون للخير والشر كما تقدم .
[ ص: 62 ] وجملة الشرط في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=34إن كان الله يريد أن يغويكم هي المقصود من الكلام ، فجوابها في معنى قوله : لا ينفعكم نصحي ، ولكن نظم الكلام بني على الإخبار بعدم نفع النصح اهتماما بذلك فجعل معطوفا على ما قبله وأتي بالشرط قيدا له .
وأما قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=34إن أردت أن أنصح لكم فهو شرط معترض بين الشرط وبين دليل جوابه لأنه ليس هو المقصود من التعليق ولكنه تعليق على تعليق ، وغير مقصود به التقييد أصلا ، فليس هذا من الشرط في الشروط المفروضة في مسائل الفقه وأصوله في نحو قول القائل : إن أكلت إن شربت فأنت طالق ; لأنها مفروضة في شرط مقيد لشرط آخر . على أن المقصود إذا اجتمع فعلا الشرطين حصل مضمون جوابهما . ومثلوه بقول الشاعر :
إن تستغيثوا بنا إن تذعروا تجدوا منا معاقل عز زانهـا كـرم
فأما قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=34إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم فكل من الشرطين مقصود التعليق به . وقد حذف جواب أحدهما لدلالة جواب الآخر عليه .
والتعليق بالشرط في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=34إن أردت أن أنصح لكم مؤذن بعزمه على تجديد النصح في المستقبل لأن واجبه هو البلاغ وإن كرهوا ذلك .
وأشار بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=34إن كان الله يريد أن يغويكم إلى ما هم فيه من كراهية دعوة
نوح - عليه السلام - سببه خذلان الله إياهم ولولاه لنفعهم نصحه ، ولكن
نوحا - عليه السلام - لا يعلم مراد الله من إغوائهم ولا مدى استمرار غوايتهم فلذلك كان عليه أن ينصح لهم إلى نهاية الأمر .
وتقدم الكلام على دخول اللام على مفعول نصح عند قوله - تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=91إذا نصحوا لله ورسوله في براءة .
[ ص: 63 ] والإغواء : جعل الشخص ذا غواية ، وهي الضلال عن الحق والرشد .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=34هو ربكم ابتدائية لتعليمهم أن الله ربهم إن كانوا لا يؤمنون بوجود الله ، أو لتذكيرهم بذلك إن كانوا يؤمنون بوجوده ويشركون معه ودا ، وسواعا ، ويغوث ، ويعوق ، ونسرا .
والتقديم في
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=34وإليه ترجعون للاهتمام ولرعاية الفاصلة وليس للقصر ; لأنهم لا يؤمنون بالبعث أصلا بله أن يزعموا أنهم يحضرون إلى الله وإلى غيره .
وتمثلت فيما قصه الله من قصة
نوح - عليه السلام - مع قومه صورة واضحة من تفكير أهل العقول السخيفة التي ران عليها الضلال فقلب أفكارها إلى اعوجاج فظيع ، وهي الصورة التي تتمثل في الأمم التي لم يثقف عقولها الإرشاد الديني فغلب عليها الانسياق وراء داعي الهوى ، وامتلكها الغرور بظن الخطأ صوابا ، ومصانعة من تصأصئ عين بصيرته بلائح من النور ، من يدعوه إلى إغماضها وعدمت الوازع النفساني فلم تعبأ إلا بالصور المحسوسة ولم تهتم إلا باللذات وحب الذات ولا تزن بمعيار النقد الصحيح خلوص النفوس من دخل النقائص .
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=34nindex.php?page=treesubj&link=28982_33953_29723وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِيَ إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ .
عَطْفٌ عَلَى وَعْظِهِمْ بِحُلُولِ الْعَذَابِ وَتَوَقُّعِهِ بَيَانَ حَالِ مُجَادَلَتِهِ إِيَّاهُمُ الَّتِي امْتَعَضُوا مِنْهَا بِأَنَّهَا مُجَادَلَةٌ لِنَفْعِهِمْ وَصَلَاحِهِمْ ، وَفِي ذَلِكَ تَعْرِيضٌ بِتَحْمِيقِهِمْ وَتَسْفِيهِ آرَائِهِمْ حَيْثُ كَرِهُوا مَا هُوَ نَفْعٌ لَهُمْ .
nindex.php?page=treesubj&link=18245وَالنُّصْحُ : قَوْلٌ أَوْ عَمَلٌ يُرِيدُ صَاحِبُهُ صَلَاحَ الْمَعْمُولِ لِأَجْلِهِ . وَأَكْثَرُ مَا يُطْلَقُ عَلَى الْأَقْوَالِ النَّافِعَةِ الْمُنْقِذَةِ مِنَ الْأَضْرَارِ . وَيَكُونُ بِالْعَمَلِ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=91إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ فِي سُورَةِ التَّوْبَةِ . وَفِي الْحَدِيثِ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341956الدِّينُ النَّصِيحَةُ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ " أَيِ الْإِخْلَاصُ فِي الْعَمَلِ لَهُمَا لِأَنَّ اللَّهَ لَا يُنَبَّأُ بِشَيْءٍ لَا يَعْلَمُهُ . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=79وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ . فَالْمُرَادُ بِالنُّصْحِ هُنَا هُوَ مَا سَمَّاهُ قَوْمُهُ بِالْجِدَالِ ، أَيْ هُوَ أَوْلَى بِأَنْ يُسَمَّى نُصْحًا لِأَنَّ الْجِدَالَ يَكُونُ لِلْخَيْرِ وَالشَّرِّ كَمَا تَقَدَّمَ .
[ ص: 62 ] وَجُمْلَةُ الشَّرْطِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=34إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هِيَ الْمَقْصُودُ مِنَ الْكَلَامِ ، فَجَوَابُهَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ : لَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِيَ ، وَلَكِنَّ نَظْمَ الْكَلَامِ بُنِيَ عَلَى الْإِخْبَارِ بِعَدَمِ نَفْعِ النُّصْحِ اهْتِمَامًا بِذَلِكَ فَجُعِلَ مَعْطُوفًا عَلَى مَا قَبْلَهُ وَأُتِيَ بِالشَّرْطِ قَيْدًا لَهُ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=34إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ فَهُوَ شَرْطٌ مُعْتَرِضٌ بَيْنَ الشَّرْطِ وَبَيْنَ دَلِيلِ جَوَابِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنَ التَّعْلِيقِ وَلَكِنَّهُ تَعْلِيقٌ عَلَى تَعْلِيقٍ ، وَغَيْرُ مَقْصُودٍ بِهِ التَّقْيِيدُ أَصْلًا ، فَلَيْسَ هَذَا مِنَ الشَّرْطِ فِي الشُّرُوطِ الْمَفْرُوضَةِ فِي مَسَائِلِ الْفِقْهِ وَأُصُولِهِ فِي نَحْوِ قَوْلِ الْقَائِلِ : إِنْ أَكَلْتِ إِنْ شَرِبْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ; لِأَنَّهَا مَفْرُوضَةٌ فِي شَرْطٍ مُقَيِّدٍ لِشَرْطٍ آخَرَ . عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ إِذَا اجْتَمَعَ فِعْلَا الشَّرْطَيْنِ حَصَلَ مَضْمُونُ جَوَابِهِمَا . وَمَثَّلُوهُ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ :
إِنْ تَسْتَغِيثُوا بِنَا إِنْ تُذْعَرُوا تَجِدُوا مِنَّا مَعَاقِلَ عِزٍّ زَانَهَـا كَـرَمُ
فَأَمَّا قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=34إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ فَكُلٌّ مِنَ الشَّرْطَيْنِ مَقْصُودٌ التَّعْلِيقِ بِهِ . وَقَدْ حُذِفَ جَوَابُ أَحَدِهِمَا لِدَلَالَةِ جَوَابِ الْآخَرِ عَلَيْهِ .
وَالتَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=34إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ مُؤْذِنٌ بِعَزْمِهِ عَلَى تَجْدِيدِ النُّصْحِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِأَنَّ وَاجِبَهُ هُوَ الْبَلَاغُ وَإِنْ كَرِهُوا ذَلِكَ .
وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=34إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ إِلَى مَا هُمْ فِيهِ مِنْ كَرَاهِيَةِ دَعْوَةِ
نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سَبَبُهُ خِذْلَانُ اللَّهِ إِيَّاهُمْ وَلَوْلَاهُ لَنَفَعَهُمْ نُصْحُهُ ، وَلَكِنَّ
نُوحًا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يَعْلَمُ مُرَادَ اللَّهِ مِنْ إِغْوَائِهِمْ وَلَا مَدَى اسْتِمْرَارِ غَوَايَتِهِمْ فَلِذَلِكَ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْصَحَ لَهُمْ إِلَى نِهَايَةِ الْأَمْرِ .
وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى دُخُولِ اللَّامِ عَلَى مَفْعُولِ نَصَحَ عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=91إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ فِي بَرَاءَةَ .
[ ص: 63 ] وَالْإِغْوَاءُ : جَعْلُ الشَّخْصِ ذَا غِوَايَةٍ ، وَهِيَ الضَّلَالُ عَنِ الْحَقِّ وَالرُّشْدِ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=34هُوَ رَبُّكُمْ ابْتِدَائِيَّةٌ لِتَعْلِيمِهِمْ أَنَّ اللَّهَ رَبُّهُمْ إِنْ كَانُوا لَا يُؤْمِنُونَ بِوُجُودِ اللَّهِ ، أَوْ لِتَذْكِيرِهِمْ بِذَلِكَ إِنْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِوُجُودِهِ وَيُشْرِكُونَ مَعَهُ وَدًّا ، وَسُوَاعًا ، وَيَغُوثَ ، وَيَعُوقَ ، وَنَسْرًا .
وَالتَّقْدِيمُ فِي
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=34وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ لِلِاهْتِمَامِ وَلِرِعَايَةِ الْفَاصِلَةِ وَلَيْسَ لِلْقَصْرِ ; لِأَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْبَعْثِ أَصْلًا بَلْهَ أَنْ يَزْعُمُوا أَنَّهُمْ يَحْضُرُونَ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى غَيْرِهِ .
وَتَمَثَّلَتْ فِيمَا قَصَّهُ اللَّهُ مِنْ قِصَّةِ
نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَعَ قَوْمِهِ صُورَةٌ وَاضِحَةٌ مِنْ تَفْكِيرِ أَهْلِ الْعُقُولِ السَّخِيفَةِ الَّتِي رَانَ عَلَيْهَا الضَّلَالُ فَقَلَبَ أَفْكَارَهَا إِلَى اعْوِجَاجٍ فَظِيعٍ ، وَهِيَ الصُّورَةُ الَّتِي تَتَمَثَّلُ فِي الْأُمَمِ الَّتِي لَمْ يُثَقِّفْ عُقُولَهَا الْإِرْشَادُ الدِّينِيُّ فَغَلَبَ عَلَيْهَا الِانْسِيَاقُ وَرَاءَ دَاعِي الْهَوَى ، وَامْتَلَكَهَا الْغُرُورُ بِظَنِّ الْخَطَأِ صَوَابًا ، وَمُصَانَعَةِ مَنْ تُصَأْصِئُ عَيْنُ بَصِيرَتِهِ بِلَائِحٍ مِنَ النُّورِ ، مَنْ يَدْعُوهُ إِلَى إِغْمَاضِهَا وَعَدِمَتِ الْوَازِعَ النَّفْسَانِيَّ فَلَمْ تَعْبَأْ إِلَّا بِالصُّوَرِ الْمَحْسُوسَةِ وَلَمْ تَهْتَمَّ إِلَّا بِاللَّذَّاتِ وَحُبِّ الذَّاتِ وَلَا تَزِنُ بِمِعْيَارِ النَّقْدِ الصَّحِيحِ خُلُوصَ النُّفُوسِ مِنْ دَخَلِ النَّقَائِصِ .