ومعنى فصلت : ابتعدت عن المكان ، كما تقدم في قوله تعالى فلما فصل طالوت بالجنود في سورة البقرة .
والعير تقدم آنفا ، وهي العير التي أقبلوا فيها من فلسطين .
ووجدان يعقوب ريح يوسف عليه السلام إلهام خارق للعادة جعله الله بشارة له إذ ذكره بشمه الريح الذي ضمخ به يوسف عليه السلام حين خروجه مع إخوته وهذا من صنف الوحي بدون كلام ملك مرسل ، وهو داخل في قوله تعالى وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا .
والريح : الرائحة ، وهي ما يعبق من طيب تدركه حاسة الشم .
وأكد هذا الخبر بـ ( أن ) واللام لأنه مظنة الإنكار ، ولذلك أعقبه بـ ( لولا أن تفندون ) .
وجواب ( لولا ) محذوف دل عليه التأكيد ، أي لولا أن تفندوني لتحققتم ذلك .
والتفنيد : النسبة للفند بفتحتين ، وهو اختلال العقل من الخوف .
وحذفت ياء المتكلم تخفيفا بعد نون الوقاية وبقيت الكسرة .
والذين قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم هم الحاضرون من أهله ولم يسبق ذكرهم لظهور المراد منهم وليسوا أبناءه لأنهم كانوا سائرين في طريقهم إليه .
[ ص: 53 ] والضلال : البعد عن الطريق الموصلة . والظرفية مجاز في قوة الاتصاف والتلبس وأنه كتلبس المظروف بالظرف . والمعنى : أنك مستمر في التلبس بتطلب شيء من غير طريقه . أرادوا طمعه في لقاء يوسف عليه السلام ووصفوا ذلك بالقديم لطول مدته ، وكانت مدة غيبة يوسف عن أبيه عليهما السلام اثنين وعشرين سنة . وكان خطابهم إياه بهذا مشتملا على شيء من الخشونة إذ لم يكن أدب عشيرته منافيا لذلك في عرفهم .
و ( أن ) في قوله ( فلما أن جاء البشير ) مزيدة للتأكيد . ووقوع ( أن ) بعد ( لما ) التوقيتية كثير من الكلام كما في مغني اللبيب .
وفائدة التأكيد في هذه الآية تحقيق هذه الكرامة الحاصلة ليعقوب عليه السلام لأنها خارق عادة ، ولذلك لم يؤت بـ ( أن ) في نظائر هذه الآية مما لم يكن فيه داع للتأكيد .
والبشير : فعيل بمعنى مفعل ، أي المبشر مثل السميع في قول عمرو بن معديكرب :
أمن ريحانة الداعي السميع
والتبشير : . وتقدم عند قوله تعالى المبادرة بإبلاغ الخبر المسر بقصد إدخال السرور يبشرهم ربهم برحمة منه في سورة براءة . وهذا البشير هو يهوذا بن يعقوب عليه السلام تقدم بين يدي العير ليكون أول من يخبر أباه بخبر يوسف عليه السلاموارتد : رجع ، وهو افتعال مطاوع رده ، أي رد الله إليه قوة بصره كرامة له وليوسف عليهما السلام وخارقة للعادة . وقد أشرت إلى ذلك عند قوله تعالى وابيضت عيناه من الحزن .