nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=35nindex.php?page=treesubj&link=28985_31854وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=36رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم
عطف على جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=28ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا فإنهم كما بدلوا نعمة الله كفرا أهملوا الشكر على ما بوأهم الله من النعم بإجابة دعوة أبيهم
إبراهيم - عليه السلام - ، وبدلوا اقتداءهم بسلفهم الصالح اقتداء بأسلافهم من أهل الضلالة ، وبدلوا دعاء سلفهم الصالح لهم بالإنعام عليهم كفرا بمفيض تلك النعم .
[ ص: 238 ] ويجوز أن تكون معطوفة على جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=32الله الذي خلق السماوات والأرض بأن انتقل من ذكر النعم العامة للناس التي يدخل تحت منتها
أهل مكة بحكم العموم إلى ذكر النعم التي خص الله بها
أهل مكة ، وغير الأسلوب في الامتنان بها إلى أسلوب الحكاية عن
إبراهيم لإدماج التنويه
بإبراهيم - عليه السلام - والتعريض بذريته من المشركين .
( وإذ ) اسم زمان ماض منصوب على المفعولية لفعل محذوف شائع الحذف في أمثاله ، تقديره : واذكر إذ قال
إبراهيم ، زيادة في التعجيب من شأن المشركين الذي مر في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=28ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا ، فموقع العبرة من الحالين واحد .
و ( رب ) : منادى محذوف منه حرف النداء ، وأصله ربي ، حذفت ياء المتكلم تخفيفا ، وهو كثير في المنادى المضاف إلى الياء .
والبلد : المكان المعين من الأرض ، ويطلق على القرية ، والتعريف في البلد تعريف العهد ; لأنه معهود بالحضور ، و البلد : بدل من اسم الإشارة .
وحكاية دعائه بدون بيان البلد إبهام يرد بعده البيان بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=37عند بيتك المحرم ، أو هو حوالة على ما في علم العرب من أنه
مكة ، وقد مضى في سورة البقرة تفسير نظيره ، والتعريف هنا للعهد ، والتنكير في آية البقرة تنكير النوعية ، فهنا دعا للبلد بأن يكون آمنا ، وفي آية سورة البقرة دعا لمشار إليه أن يجعله الله من نوع البلاد الآمنة ، فمآل المفادين متحد .
واجنبني : أمر من الثلاثي المجرد ، يقال : جنبه الشيء ، إذا جعله جانبا عنه ، أي : باعده عنه ، وهي لغة
أهل نجد ،
وأهل الحجاز يقولون : جنبه بالتضعيف أو أجنبه بالهمز ، وجاء القرآن هنا بلغة
أهل نجد ; لأنها أخف .
وأراد ببنيه : أبناء صلبه ، وهم يومئذ
إسماعيل وإسحاق ، فهو من استعمال الجمع في التثنية ، أو أراد جميع نسله تعميما في الخير فاستجيب له في البعض .
[ ص: 239 ] والأصنام : جمع صنم ، وهو صورة أو حجارة أو بناء يتخذ معبودا ويدعى إلها ، وأراد
إبراهيم - عليه السلام - مثل ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر ، أصنام
قوم نوح ، ومثل الأصنام التي عبدها
قوم إبراهيم .
وإعادة النداء في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=36رب إنهن أضللن كثيرا من الناس لإنشاء التحسر على ذلك .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=36إنهن أضللن كثيرا من الناس تعليل للدعوة بإجنابه عبادتها بأنها ضلال راج بين كثير من الناس ، فحق للمؤمن الضنين بإيمانه أن يخشى أن تجترفه فتنتها ، فافتتاح الجملة بحرف التوكيد لما يفيده حرف ( إن ) في هذا المقام من معنى التعليل .
وذلك أن
إبراهيم - عليه السلام - خرج من بلده
أور الكلدانيين إنكارا على عبدة الأصنام ، فقال
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=99إني ذاهب إلى ربي سيهدين وقال لقومه
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=48وأعتزلكم وما تدعون من دون الله ، فلما مر
بمصر وجدهم يعبدون الأصنام ثم دخل
فلسطين فوجدهم عبدة أصنام ، ثم جاء عربة
تهامة فأسكن بها زوجه فوجدها خالية ووجد حولها
جرهم قوما على الفطرة والسذاجة فأسكن بها
هاجر وابنه
إسماعيل - عليه السلام - ، ثم أقام هنالك معلم التوحيد ، وهو بيت الله
الكعبة بناه هو وابنه
إسماعيل ، وأراد أن يكون مأوى التوحيد ، وأقام ابنه هنالك ليكون داعية للتوحيد ، فلا جرم سأل أن يكون ذلك بلدا آمنا حتى يسلم ساكنوه وحتى يأوي إليهم من إذا آوى إليهم لقنوه أصول التوحيد .
ففرع على ذلك قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=36فمن تبعني فإنه مني ، أي : فمن تبعني من الناس فتجنب عبادة الأصنام فهو مني ، فدخل في ذلك أبوه وقومه ، ويدخل فيه ذريته ; لأن الشرط يصلح للماضي والمستقبل .
و ( من ) في قوله مني اتصالية ، وأصلها التبعيض المجازي ، أي : فإنه متصل بي اتصال البعض بكله .
[ ص: 240 ] وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=36ومن عصاني فإنك غفور رحيم تأدب في مقام الدعاء ونفع للعصاة من الناس بقدر ما يستطيعه ، والمعنى : ومن عصاني أفوض أمره إلى رحمتك وغفرانك ، وليس المقصود الدعاء بالمغفرة لمن عصى ، وهذا من غلبة الحلم على
إبراهيم - عليه السلام - ، وخشية من استئصال عصاة ذريته ، ولذلك متعهم الله قليلا في الحياة الدنيا ، كما أشار إليه قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=126قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=26وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=27إلا الذي فطرني فإنه سيهدين nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=28وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=29بل متعت هؤلاء وآباءهم حتى جاءهم الحق ورسول مبين ، وسوق هذه الدعوة هنا للتعريض بالمشركين من العرب بأنهم لم يبروا بأبيهم
إبراهيم - عليه السلام - .
وإذ كان قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=36فإنك غفور رحيم تفويضا لم يكن فيه دلالة على أن الله يغفر لمن يشرك به .
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=35nindex.php?page=treesubj&link=28985_31854وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=36رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ
عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=28أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا فَإِنَّهُمْ كَمَا بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا أَهْمَلُوا الشُّكْرَ عَلَى مَا بَوَّأَهُمُ اللَّهُ مِنَ النِّعَمِ بِإِجَابَةِ دَعْوَةِ أَبِيهِمْ
إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ، وَبَدَّلُوا اقْتِدَاءَهُمْ بِسَلَفِهِمُ الصَّالِحِ اقْتِدَاءً بِأَسْلَافِهِمْ مِنْ أَهْلِ الضَّلَالَةِ ، وَبَدَّلُوا دُعَاءَ سَلَفِهِمُ الصَّالِحِ لَهُمْ بِالْإِنْعَامِ عَلَيْهِمْ كُفْرًا بِمَفِيضِ تِلْكَ النِّعَمِ .
[ ص: 238 ] وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَعْطُوفَةً عَلَى جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=32اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِأَنِ انْتَقَلَ مِنْ ذِكْرِ النِّعَمِ الْعَامَّةِ لِلنَّاسِ الَّتِي يَدْخُلُ تَحْتَ مِنَّتِهَا
أَهْلُ مَكَّةَ بِحُكْمِ الْعُمُومِ إِلَى ذِكْرِ النِّعَمِ الَّتِي خَصَّ اللَّهُ بِهَا
أَهْلَ مَكَّةَ ، وَغَيَّرَ الْأُسْلُوبَ فِي الِامْتِنَانِ بِهَا إِلَى أُسْلُوبِ الْحِكَايَةِ عَنْ
إِبْرَاهِيمَ لِإِدْمَاجِ التَّنْوِيهِ
بِإِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَالتَّعْرِيضِ بِذُرِّيَّتِهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ .
( وَإِذْ ) اسْمُ زَمَانٍ مَاضٍ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ شَائِعِ الْحَذْفِ فِي أَمْثَالِهِ ، تَقْدِيرُهُ : وَاذْكُرْ إِذْ قَالَ
إِبْرَاهِيمُ ، زِيَادَةً فِي التَّعْجِيبِ مِنْ شَأْنِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِي مَرَّ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=28أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا ، فَمَوْقِعُ الْعِبْرَةِ مِنَ الْحَالَيْنِ وَاحِدٌ .
وَ ( رَبِّ ) : مُنَادَى مَحْذُوفٌ مِنْهُ حَرْفُ النِّدَاءِ ، وَأَصْلُهُ رَبِّي ، حُذِفَتْ يَاءُ الْمُتَكَلِّمِ تَخْفِيفًا ، وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْمُنَادَى الْمُضَافِ إِلَى الْيَاءِ .
وَالْبَلَدُ : الْمَكَانُ الْمُعَيَّنُ مِنَ الْأَرْضِ ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْقَرْيَةِ ، وَالتَّعْرِيفُ فِي الْبَلَدِ تَعْرِيفُ الْعَهْدِ ; لِأَنَّهُ مَعْهُودٌ بِالْحُضُورِ ، وَ الْبَلَدُ : بَدَلٌ مِنَ اسْمِ الْإِشَارَةِ .
وَحِكَايَةُ دُعَائِهِ بِدُونِ بَيَانِ الْبَلَدِ إِبْهَامٌ يَرِدُ بَعْدَهُ الْبَيَانُ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=37عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ ، أَوْ هُوَ حَوَالَةُ عَلَى مَا فِي عِلْمِ الْعَرَبِ مِنْ أَنَّهُ
مَكَّةُ ، وَقَدْ مَضَى فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ تَفْسِيرُ نَظِيرِهِ ، وَالتَّعْرِيفُ هُنَا لِلْعَهْدِ ، وَالتَّنْكِيرُ فِي آيَةِ الْبَقَرَةِ تَنْكِيرُ النَّوْعِيَّةِ ، فَهُنَا دَعَا لِلْبَلَدِ بِأَنْ يَكُونَ آمِنًا ، وَفِي آيَةِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ دَعَا لِمُشَارٍ إِلَيْهِ أَنْ يَجْعَلَهُ اللَّهُ مِنْ نَوْعِ الْبِلَادِ الْآمِنَةِ ، فَمَآلُ الْمُفَادَيْنِ مُتَّحِدٌ .
وَاجْنُبْنِي : أَمْرٌ مِنَ الثُّلَاثِيِّ الْمُجَرَّدِ ، يُقَالُ : جَنَّبَهُ الشَّيْءَ ، إِذَا جَعَلَهُ جَانِبًا عَنْهُ ، أَيْ : بَاعَدَهُ عَنْهُ ، وَهِيَ لُغَةُ
أَهْلِ نَجْدٍ ،
وَأَهْلُ الْحِجَازِ يَقُولُونَ : جَنَّبَهُ بِالتَّضْعِيفِ أَوْ أَجْنَبَهُ بِالْهَمْزِ ، وَجَاءَ الْقُرْآنُ هُنَا بِلُغَةِ
أَهْلِ نَجْدٍ ; لِأَنَّهَا أَخَفُّ .
وَأَرَادَ بِبَنِيهِ : أَبْنَاءَ صُلْبِهِ ، وَهُمْ يَوْمَئِذٍ
إِسْمَاعِيلُ وَإِسْحَاقُ ، فَهُوَ مِنَ اسْتِعْمَالِ الْجَمْعِ فِي التَّثْنِيَةِ ، أَوْ أَرَادَ جَمِيعَ نَسْلِهِ تَعْمِيمًا فِي الْخَيْرِ فَاسْتُجِيبَ لَهُ فِي الْبَعْضِ .
[ ص: 239 ] وَالْأَصْنَامُ : جَمْعُ صَنَمٍ ، وَهُوَ صُورَةٌ أَوْ حِجَارَةٌ أَوْ بِنَاءٌ يُتَّخَذُ مَعْبُودًا وَيُدْعَى إِلَهًا ، وَأَرَادَ
إِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِثْلَ وَدٍّ وَسُوَاعٍ وَيَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرٍ ، أَصْنَامِ
قَوْمِ نُوحٍ ، وَمِثْلَ الْأَصْنَامِ الَّتِي عَبَدَهَا
قَوْمُ إِبْرَاهِيمَ .
وَإِعَادَةُ النِّدَاءِ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=36رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لِإِنْشَاءِ التَّحَسُّرِ عَلَى ذَلِكَ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=36إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ تَعْلِيلٌ لِلدَّعْوَةِ بِإِجْنَابِهِ عِبَادَتَهَا بِأَنَّهَا ضَلَالٌ رَاجَ بَيْنَ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ ، فَحَقٌّ لِلْمُؤْمِنَ الضَّنِينِ بِإِيمَانِهِ أَنْ يَخْشَى أَنْ تَجْتَرِفَهُ فِتْنَتُهَا ، فَافْتِتَاحُ الْجُمْلَةِ بِحَرْفِ التَّوْكِيدِ لِمَا يُفِيدُهُ حَرْفُ ( إِنَّ ) فِي هَذَا الْمَقَامِ مِنْ مَعْنَى التَّعْلِيلِ .
وَذَلِكَ أَنَّ
إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خَرَجَ مِنْ بَلَدِهِ
أُورَ الْكَلْدَانِيِّينَ إِنْكَارًا عَلَى عَبَدَةِ الْأَصْنَامِ ، فَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=99إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ وَقَالَ لِقَوْمِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=48وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ، فَلَمَّا مَرَّ
بِمِصْرَ وَجَدَهُمْ يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ ثُمَّ دَخَلَ
فِلَسْطِينَ فَوَجَدَهُمْ عَبْدَةَ أَصْنَامٍ ، ثُمَّ جَاءَ عَرَبَةَ
تِهَامَةَ فَأَسْكَنَ بِهَا زَوْجَهُ فَوَجَدَهَا خَالِيَةً وَوَجَدَ حَوْلَهَا
جُرْهُمَ قَوْمًا عَلَى الْفِطْرَةِ وَالسَّذَاجَةِ فَأَسْكَنَ بِهَا
هَاجَرَ وَابْنَهُ
إِسْمَاعِيلَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ، ثُمَّ أَقَامَ هُنَالِكَ مَعْلَمَ التَّوْحِيدِ ، وَهُوَ بَيْتُ اللَّهِ
الْكَعْبَةُ بَنَاهُ هُوَ وَابْنُهُ
إِسْمَاعِيلُ ، وَأَرَادَ أَنْ يَكُونَ مَأْوَى التَّوْحِيدِ ، وَأَقَامَ ابْنُهُ هُنَالِكَ لِيَكُونَ دَاعِيَةً لِلتَّوْحِيدِ ، فَلَا جَرَمَ سَأَلَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بَلَدًا آمِنًا حَتَّى يَسْلَمَ سَاكِنُوهُ وَحَتَّى يَأْوِيَ إِلَيْهِمْ مَنْ إِذَا آوَى إِلَيْهِمْ لَقَّنُوهُ أُصُولَ التَّوْحِيدِ .
فَفَرَّعَ عَلَى ذَلِكَ قَوْلَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=36فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ، أَيْ : فَمَنْ تَبِعَنِي مِنَ النَّاسِ فَتَجَنَّبَ عِبَادَةَ الْأَصْنَامِ فَهُوَ مِنِّي ، فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ أَبُوهُ وَقَوْمُهُ ، وَيَدْخُلُ فِيهِ ذُرِّيَّتُهُ ; لِأَنَّ الشَّرْطَ يَصْلُحُ لِلْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ .
وَ ( مِنْ ) فِي قَوْلِهِ مِنِّي اتِّصَالِيَّةٌ ، وَأَصْلُهَا التَّبْعِيضُ الْمَجَازِيُّ ، أَيْ : فَإِنَّهُ مُتَّصِلٌ بِي اتِّصَالَ الْبَعْضِ بِكُلِّهِ .
[ ص: 240 ] وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=36وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ تَأَدُّبٌ فِي مَقَامِ الدُّعَاءِ وَنَفْعٌ لِلْعُصَاةِ مِنَ النَّاسِ بِقَدْرِ مَا يَسْتَطِيعُهُ ، وَالْمَعْنَى : وَمَنْ عَصَانِي أُفَوِّضُ أَمْرَهُ إِلَى رَحْمَتِكَ وَغُفْرَانِكَ ، وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ الدُّعَاءُ بِالْمَغْفِرَةِ لِمَنْ عَصَى ، وَهَذَا مِنْ غَلَبَةِ الْحِلْمِ عَلَى
إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ، وَخَشْيَةٍ مِنَ اسْتِئْصَالِ عُصَاةِ ذُرِّيَّتِهِ ، وَلِذَلِكَ مَتَّعَهُمُ اللَّهُ قَلِيلًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ، كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=126قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=26وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=27إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=28وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=29بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ ، وَسَوْقُ هَذِهِ الدَّعْوَةِ هُنَا لِلتَّعْرِيضِ بِالْمُشْرِكِينَ مِنَ الْعَرَبِ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَبَرُّوا بِأَبِيهِمْ
إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - .
وَإِذْ كَانَ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=36فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ تَفْوِيضًا لَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لِمَنْ يُشْرِكُ بِهِ .