nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=37nindex.php?page=treesubj&link=28987_19881إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدى من يضل وما لهم من ناصرين استئناف بياني ; لأن تقسيم كل أمة ضالة إلى مهتد منها وباق على الضلال يثير سؤالا في نفس النبيء - صلى الله عليه وسلم - عن حال هذه الأمة : أهو جار على حال الأمم التي قبلها ، أو أن الله يهديهم جميعا ، وذلك من حرصه على خيرهم ورأفته بهم ، فأعلمه الله أنه مع حرصه على هداهم فإنهم سيبقى منهم فريق على ضلالة .
وفي الآية لطيفتان :
الأولى : التعريض بالثناء على النبيء - صلى الله عليه وسلم - في
nindex.php?page=treesubj&link=31788حرصه على خيرهم مع ما لقيه منهم من الأذى الذي شأنه أن يثير الحنق في نفس من يلحقه الأذى ، ولكن نفس
محمد - صلى الله عليه وسلم - مطهرة من كل نقص ينشأ عن الأخلاق الحيوانية .
واللطيفة الثانية :
nindex.php?page=treesubj&link=30231_25028الإيماء إلى أن غالب أمة الدعوة المحمدية سيكونون مهتدين ، وأن الضلال منهم فئة قليلة ، وهم الذين لم يقدر الله هديهم في سابق علمه بما نشأ عن خلقه وقدرته من الأسباب التي هيأت لهم البقاء في الضلال .
والحرص : فرط الإرادة الملحة في تحصيل المراد بالسعي في أسبابه .
والشرط هنا ليس لتعليق حصول مضمون الجواب على حصول مضمون الشرط ; لأن مضمون الشرط معلوم الحصول ; لأن علاماته ظاهرة بحيث يعلمه
[ ص: 152 ] الناس ، كما قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=128حريص عليكم ، وإنما هو لتعليق العلم بمضمون الجواب على دوام حصول مضمون الشرط ، فالمعنى : إن كنت حريصا على هداهم حرصا مستمرا فاعلم أن من أضله الله لا تستطيع هديه ، ولا تجد لهديه وسيلة ، ولا يهديه أحد ، فالمضارع مستعمل في معنى التجدد لا غير ، كقول
عنترة :
إن تغد في دوني القناع فإنني طب بأخذ الفارس المستلئم
وأظهر منه في هذا المعنى قوله أيضا :
إن كنت أزمعت الفراق فإنما زمت ركابكم بليل مظـلـم
فإن فعل الشرط في البيتين في معنى : إن كان ذلك تصميما ، وجواب الشرط فيهما في معنى إفادة العلم .
وجعل المسند إليه في جملة الإخبار عن استمرار ضلالهم اسم الجلالة للتهويل المشوق إلى استطلاع الخبر ، والخبر هو أن هداهم لا يحصل إلا إذا أراده الله ، ولا يستطيع أحد تحصيله لا أنت ولا غيرك ، فمن قدر الله دوام ضلاله فلا هادي له ، ولولا هذه النكتة لكان مقتضى الظاهر أن يكون المسند إليه ضمير المتحدث عنهم بأن يقال : فإنهم لا يهديهم غير الله .
وقرأ
نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وأبو جعفر ويعقوب ( لا يهدى ) بضم الياء وفتح الدال مبنيا للنائب . وحذف الفاعل للتعميم ، أي لا يهديه هاد .
و ( من ) نائب فاعل ، وضمير ( يضل ) عائد إلى الله ، أي فإن الله لا يهدي المضلل بفتح اللام منه ، فالمسند سببي وحذف الضمير السببي المنصوب لظهوره ، وهو في معنى قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=33ومن يضلل الله فما له من هاد ، وقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=186من يضلل الله فلا هادي له .
وقرأه
عاصم وحمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي وخلف ( لا يهدي ) بفتح الياء بالبناء للفاعل ، وضمير اسم الجلالة هو الفاعل ، و ( من ) مفعول ( يهدي ) ، والضمير
[ ص: 153 ] في ( يضل ) لله ، والضمير السببي أيضا محذوف ، والمعنى : أن الله لا يهدي من قدر دوام ضلاله ، كقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=23وأضله الله على علم إلى قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=23فمن يهديه من بعد الله .
ومعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=37وما لهم من ناصرين ما لهم ناصر ينجيهم من العذاب ، أي كما أنهم ما لهم منقذ من الضلال الواقعين فيه ما لهم ناصر يدفع عنهم عواقب الضلال .
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=37nindex.php?page=treesubj&link=28987_19881إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُهْدَى مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ ; لِأَنَّ تَقْسِيمَ كُلِّ أُمَّةٍ ضَالَّةٍ إِلَى مُهْتَدٍ مِنْهَا وَبَاقٍ عَلَى الضَّلَالِ يُثِيرُ سُؤَالًا فِي نَفْسِ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ حَالِ هَذِهِ الْأُمَّةِ : أَهُوَ جَارٍ عَلَى حَالِ الْأُمَمِ الَّتِي قَبْلَهَا ، أَوْ أَنَّ اللَّهَ يَهْدِيهِمْ جَمِيعًا ، وَذَلِكَ مِنْ حِرْصِهِ عَلَى خَيْرِهِمْ وَرَأْفَتِهِ بِهِمْ ، فَأَعْلَمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ مَعَ حِرْصِهِ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّهُمْ سَيَبْقَى مِنْهُمْ فَرِيقٌ عَلَى ضَلَالَةٍ .
وَفِي الْآيَةِ لَطِيفَتَانِ :
الْأُولَى : التَّعْرِيضُ بِالثَّنَاءِ عَلَى النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي
nindex.php?page=treesubj&link=31788حِرْصِهِ عَلَى خَيْرِهِمْ مَعَ مَا لَقِيَهُ مِنْهُمْ مِنَ الْأَذَى الَّذِي شَأْنُهُ أَنْ يُثِيرَ الْحَنَقَ فِي نَفْسِ مَنْ يَلْحَقُهُ الْأَذَى ، وَلَكِنَّ نَفْسَ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُطَهَّرَةٌ مِنْ كُلِّ نَقْصٍ يَنْشَأُ عَنِ الْأَخْلَاقِ الْحَيَوَانِيَّةِ .
واللَّطِيفَةُ الثَّانِيَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=30231_25028الْإِيمَاءُ إِلَى أَنَّ غَالِبَ أُمَّةِ الدَّعْوَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ سَيَكُونُونَ مُهْتَدِينَ ، وَأَنَّ الضَّلَالَ مِنْهُمْ فِئَةٌ قَلِيلَةٌ ، وَهُمُ الَّذِينَ لَمْ يُقَدِّرِ اللَّهُ هَدْيَهُمْ فِي سَابِقِ عِلْمِهِ بِمَا نَشَأَ عَنْ خَلْقِهِ وَقُدْرَتِهِ مِنَ الْأَسْبَابِ الَّتِي هَيَّأَتْ لَهُمُ الْبَقَاءَ فِي الضَّلَالِ .
وَالْحِرْصُ : فَرْطُ الْإِرَادَةِ الْمُلِحَّةِ فِي تَحْصِيلِ الْمُرَادِ بِالسَّعْيِ فِي أَسْبَابِهِ .
وَالشَّرْطُ هُنَا لَيْسَ لِتَعْلِيقِ حُصُولِ مَضْمُونِ الْجَوَابِ عَلَى حُصُولِ مَضْمُونِ الشَّرْطِ ; لِأَنَّ مَضْمُونَ الشَّرْطِ مَعْلُومُ الْحُصُولِ ; لِأَنَّ عَلَامَاتِهِ ظَاهِرَةٌ بِحَيْثُ يَعْلَمُهُ
[ ص: 152 ] النَّاسُ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=128حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ ، وَإِنَّمَا هُوَ لِتَعْلِيقِ الْعِلْمِ بِمَضْمُونِ الْجَوَابِ عَلَى دَوَامِ حُصُولِ مَضْمُونِ الشَّرْطِ ، فَالْمَعْنَى : إِنْ كُنْتَ حَرِيصًا عَلَى هُدَاهُمْ حِرْصًا مُسْتَمِرًّا فَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ أَضَلَّهُ اللَّهُ لَا تَسْتَطِيعُ هَدْيَهُ ، وَلَا تَجِدُ لِهَدْيهِ وَسِيلَةً ، وَلَا يَهْدِيهِ أَحَدٌ ، فَالْمُضَارِعُ مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَى التَّجَدُّدِ لَا غَيْرَ ، كَقَوْلِ
عَنْتَرَةَ :
إِنْ تُغْدِ فِي دُونِي الْقِنَاعِ فَإِنَّنِي طَبٌّ بِأَخْذِ الْفَارِسِ الْمُسْتَلْئِمِ
وَأَظْهَرُ مِنْهُ فِي هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ أَيْضًا :
إِنْ كُنْتِ أَزْمَعْتِ الْفِرَاقَ فَإِنَّمَا زُمَّتْ رِكَابُكُمُ بِلَيْلٍ مُظْـلِـمِ
فَإِنَّ فِعْلَ الشَّرْطِ فِي الْبَيْتَيْنِ فِي مَعْنَى : إِنْ كَانَ ذَلِكَ تَصْمِيمًا ، وَجَوَابُ الشَّرْطِ فِيهِمَا فِي مَعْنَى إِفَادَةِ الْعِلْمِ .
وَجُعِلَ الْمُسْنَدُ إِلَيْهِ فِي جُمْلَةِ الْإِخْبَارِ عَنِ اسْتِمْرَارِ ضَلَالِهِمُ اسْمَ الْجَلَالَةِ لِلتَّهْوِيلِ الْمُشَوِّقِ إِلَى اسْتِطْلَاعِ الْخَبَرِ ، وَالْخَبَرُ هُوَ أَنَّ هُدَاهُمْ لَا يَحْصُلُ إِلَّا إِذَا أَرَادَهُ اللَّهُ ، وَلَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ تَحْصِيلَهُ لَا أَنْتَ وَلَا غَيْرُكَ ، فَمَنْ قَدَّرَ اللَّهُ دَوَامَ ضَلَالِهِ فَلَا هَادِيَ لَهُ ، وَلَوْلَا هَذِهِ النُّكْتَةُ لَكَانَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ يَكُونَ الْمُسْنَدُ إِلَيْهِ ضَمِيرَ الْمُتَحَدَّثِ عَنْهُمْ بِأَنْ يُقَالَ : فَإِنَّهُمْ لَا يَهْدِيهِمْ غَيْرُ اللَّهِ .
وَقَرَأَ
نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبُ ( لَا يُهْدَى ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الدَّالِ مَبْنِيًّا لِلنَّائِبِ . وَحُذِفَ الْفَاعِلُ لِلتَّعْمِيمِ ، أَيْ لَا يَهْدِيهِ هَادٍ .
وَ ( مَنْ ) نَائِبُ فَاعِلٍ ، وَضَمِيرُ ( يُضِلُّ ) عَائِدٌ إِلَى اللَّهِ ، أَيْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْمُضَلَّلَ بِفَتْحِ اللَّامِ مِنْهُ ، فَالْمُسْنَدُ سَبَبِيٌّ وَحُذِفَ الضَّمِيرُ السَّبَبِيُّ الْمَنْصُوبُ لِظُهُورِهِ ، وَهُوَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=33وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=186مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ .
وَقَرَأَهُ
عَاصِمٌ وَحَمْزَةُ nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ ( لَا يَهْدِي ) بِفَتْحِ الْيَاءِ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ ، وَضَمِيرُ اسْمِ الْجَلَالَةِ هُوَ الْفَاعِلُ ، وَ ( مَنْ ) مَفْعُولُ ( يَهْدِي ) ، وَالضَّمِيرُ
[ ص: 153 ] فِي ( يُضِلُّ ) لِلَّهِ ، وَالضَّمِيرُ السَّبَبِيُّ أَيْضًا مَحْذُوفٌ ، وَالْمَعْنَى : أَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ قَدَّرَ دَوَامَ ضَلَالِهِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=23وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ إِلَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=23فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ .
وَمَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=37وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ مَا لَهُمْ نَاصِرٌ يُنْجِيهِمْ مِنَ الْعَذَابِ ، أَيْ كَمَا أَنَّهُمْ مَا لَهُمْ مُنْقِذٌ مِنَ الضَّلَالِ الْوَاقِعِينَ فِيهِ مَا لَهُمْ نَاصِرٌ يَدْفَعُ عَنْهُمْ عَوَاقِبَ الضَّلَالِ .