nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=23nindex.php?page=treesubj&link=28988_18003وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=24واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا هذا أصل ثان من أصول الشريعة ، وهو بر الوالدين .
وانتصب إحسانا على المفعولية المطلقة مصدرا نائبا عن فعله ، والتقدير : وأحسنوا إحسانا بالوالدين ، كما يقتضيه العطف على
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=23ألا تعبدوا إلا إياه أي وقضى إحسانا بالوالدين .
[ ص: 68 ] وبالوالدين متعلق بقوله إحسانا ، والباء فيه للتعدية يقال : أحسن بفلان ، كما يقال : أحسن إليه ، وقد تقدم قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=100وقد أحسن بي في سورة يوسف ، وتقديمه على متعلقه للاهتمام به ، والتعريف في الوالدين للاستغراق باعتبار والدي كل مكلف ممن شملهم الجمع في ألا تعبدوا .
وعطف الأمر بالإحسان إلى الوالدين على ما هو في معنى الأمر بعبادة الله ; لأن الله هو الخالق فاستحق العبادة ; لأنه أوجد الناس ، ولما جعل الله الأبوين مظهر إيجاد الناس أمر بالإحسان إليهما ، فالخالق مستحق العبادة لغناه عن الإحسان ، ولأنها أعظم الشكر على أعظم منة ، وسبب الوجود دون ذلك فهو يستحق الإحسان لا العبادة ; لأنه محتاج إلى الإحسان دون العبادة ، ولأنه ليس بموجد حقيقي ، ولأن الله جبل الوالدين على الشفقة على ولدهما ، فأمر الولد بمجازاة ذلك بالإحسان إلى أبويه كما سيأتي
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=24وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا .
وشمل الإحسان كل ما يصدق فيه هذا الجنس من الأقوال والأفعال ، والبذل والمواساة .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=23إما يبلغن بيان لجملة إحسانا ، و ( إما ) مركبة من ( إن ) الشرطية و ( ما ) الزائدة المهيئة لنون التوكيد ، وحقها أن تكتب بنون بعد الهمزة وبعدها ( ما ) ، ولكنهم راعوا حالة النطق بها مدغمة فرسموها كذلك في المصاحف وتبعها رسم الناس غالبا ، أي إن يبلغ أحد الوالدين أو كلاهما حد الكبر ، وهما عندك ، أي في كفالتك فوطئ لهما خلقك ، ولين جانبك .
والخطاب لغير معين فيعم كل مخاطب بقرينة العطف على
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=23ألا تعبدوا إلا إياه وليس خطابا للنبيء صلى الله عليه وسلم إذ لم يكن له أبوان يومئذ ، وإيثار ضمير المفرد هنا دون ضمير الجمع ; لأنه خطاب يختص بمن له أبوان من بين الجماعة المخاطبين بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=23ألا تعبدوا إلا إياه ، فكان الإفراد أنسب به وإن كان الإفراد ، والجمع سواء في المقصود ; لأن خطاب غير المعين يساوي خطاب الجمع .
[ ص: 69 ] وخص هذه الحالة بالبيان ; لأنها مظنة انتفاء الإحسان بما يلقى الولد من أبيه وأمه من مشقة القيام بشئونهما ، ومن سوء الخلق منهما .
ووجه تعدد فاعل يبلغن مظهرا دون جعله بضمير التثنية بأن يقال : إما يبلغان عندك الكبر ، الاهتمام بتخصيص كل حالة من أحوال الوالدين بالذكر ، ولم يستغن بإحدى الحالتين عن الأخرى ; لأن لكل حالة بواعث على التفريط في واجب الإحسان إليهما ، فقد تكون حالة اجتماعهما عند الابن تستوجب الاحتمال منهما لأجل مراعاة أحدهما الذي الابن أشد حبا له دون ما لو كان أحدهما منفردا عنده بدون الآخر الذي ميله إليه أشد ، فالاحتياج إلى ذكر أحدهما في هذه الصورة للتنبيه على وجوب المحافظة على الإحسان له ، وقد تكون حالة انفراد أحد الأبوين عند الابن أخف كلفة عليه من حالة اجتماعهما ، فالاحتياج إلى
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=23أو كلاهما في هذه الصورة للتحذير من اعتذار الابن لنفسه عن التقصير بأن حالة اجتماع الأبوين أحرج عليه ، فلأجل ذلك ذكرت الحالتان ، وأجري الحكم عليهما على السواء ، فكانت جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=23فلا تقل لهما أف بتمامها جوابا ل ( إما ) .
وأكد فعل الشرط بنون التوكيد ; لتحقيق الربط بين مضمون الجواب ، ومضمون الشرط في الوجود ، وقرأ الجمهور
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=23إما يبلغن على أن أحدهما فاعل يبلغن فلا تلحق الفعل علامة ; لأن فاعله اسم ظاهر .
وقرأ
حمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي وخلف ( يبلغان ) بألف التثنية ونون مشددة ، والضمير فاعل عائد إلى الوالدين في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=23وبالوالدين إحسانا ، فيكون
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=23أحدهما أو كلاهما بدلا من ألف المثنى تنبيها على أنه ليس الحكم لاجتماعهما فقط بل هو للحالتين على التوزيع .
والخطاب ب عندك لكل من يصلح لسماع الكلام فيعم كل مخاطب بقرينة سبق قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=23ألا تعبدوا إلا إياه ، وقوله اللاحق
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=25ربكم أعلم بما في نفوسكم .
[ ص: 70 ] أف اسم فعل مضارع معناه أتضجر ، وفيه لغات كثيرة ; أشهرها كلها ضم الهمزة ، وتشديد الفاء ، والخلاف في حركة الفاء ، فقرأ
نافع ،
وأبو جعفر ،
وحفص عن
عاصم بكسر الفاء منونة ، وقرأ
ابن كثير ،
وابن عامر ،
ويعقوب بفتح الفاء غير منونة ، وقرأ الباقون بكسر الفاء غير منونة .
وليس المقصود من النهي عن أن يقول لهما أف خاصة ، وإنما المقصود النهي عن الأذى الذي أقله الأذى باللسان بأوجز كلمة ، وبأنها غير دالة على أكثر من حصول الضجر لقائلها دون شتم أو ذم ، فيفهم منه النهي مما هو أشد أذى بطريق فحوى الخطاب بالأولى .
ثم عطف عليه النهي عن نهرهما ; لئلا يحسب أن ذلك تأديب لصلاحهما ، وليس بالأذى ، والنهر : الزجر ، يقال : نهره وانتهره .
ثم أمر بإكرام القول لهما ، والكريم من كل شيء : الرفيع في نوعه ، وتقدم عند قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=4ومغفرة ورزق كريم في سورة الأنفال .
وبهذا الأمر انقطع العذر بحيث إذا رأى الولد أن ينصح لأحد أبويه أو أن يحذره مما قد يضر به أدى إليه ذلك بقول لين حسن الوقع .
ثم ارتقى في الوصاية بالوالدين إلى أمر الولد بالتواضع لهما تواضعا يبلغ حد الذل لهما ; لإزالة وحشة نفوسهما إن صارا في حاجة إلى معونة الولد ; لأن الأبوين يبغيان أن يكونا هما النافعين لولدهما ، والقصد من ذلك التخلق بشكره على إنعامهما السابقة عليه .
وصيغ التعبير عن التواضع بتصويره في هيئة تذلل الطائر عندما يعتريه خوف من طائر أشد منه إذ يخفض جناحه متذللا ، ففي التركيب استعارة مكنية ، والجناح تخييل بمنزلة الأظفار للمنية في قول
أبي ذؤيب :
وإذا المنية أنشبت أظفارها ألفيت كل تميمة لا تنفع
وبمنزلة تخييل اليد للشمال بفتح الشين والزمام للقرة في قول
لبيد :
وغداة ريح قد كشفت وقرة إذ أصبحت بيد الشمال زمامها
[ ص: 71 ] ومجموع هذه الاستعارة تمثيل ، وقد تقدم في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=88واخفض جناحك للمؤمنين في سورة الحجر .
والتعريف في الرحمة عوض عن المضاف إليه ، أي من رحمتك إياهما . و من ابتدائية ، أي الذل الناشئ عن الرحمة ، لا عن الخوف ، أو عن المداهنة ، والمقصود اعتياد النفس على التخلق بالرحمة باستحضار وجوب معاملته إياهما بها حتى يصير له خلقا ، كما قيل :
إن التخلق يأتي دونه الخلق
وهذه أحكام عامة في الوالدين ، وإن كانا مشركين ، ولا يطاعان في معصية ، ولا كفر كما في آية سورة العنكبوت .
ومقتضى الآية التسوية بين الوالدين في البر ، وإرضاؤهما معا في ذلك ; لأن موردها لفعل يصدر من الولد نحو والديه ، وذلك قابل للتسوية ، ولم تتعرض لما عدا ذلك مما يختلف فيه الأبوان ويتشاحان في طلب فعل الولد إذا لم يمكن الجمع بين رغبتيهما بأن يأمره أحد الأبوين بضد ما يأمره به الآخر ، ويظهر أن ذلك يجري على أحوال تعارض الأدلة بأن يسعى إلى العمل بطلبيهما إن استطاع .
وفي الحديث الصحيح عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342065أن رجلا سأل النبيء صلى الله عليه وسلم من أحق الناس بحسن صحابتي ؟ قال : أمك . قال : ثم من ؟ قال : ثم أمك . قال : ثم من ؟ قال : ثم أمك . قال : ثم من ؟ قال : ثم أبوك .
وهو ظاهر في ترجيح جانب الأم ; لأن سؤال السائل دل على أنه يسأل عن حسن معاملته لأبويه .
وللعلماء أقوال : أحدها : ترجيح الأم على الأب ، وإلى هذا ذهب
nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث بن سعد ،
والمحاسبي ،
وأبو حنيفة ، وهو ظاهر قول
مالك ، فقد حكى
القرافي في الفرق 23 عن
[ ص: 72 ] مختصر الجامع أن رجلا سأل
مالكا فقال : إن أبي في بلد
السودان وقد كتب إلي أن أقدم عليه ، وأمي تمنعني من ذلك ؟ فقال
مالك : أطع أباك ولا تعص أمك ، وذكر
القرافي في المسألة السابعة من ذلك الفرق أن
مالكا أراد منع الابن من الخروج إلى
السودان بغير إذن الأم .
الثاني : قول الشافعية أن الأبوين سواء في البر ، وهذا القول يقتضي وجوب طلب الترجيح إذا أمرا ابنهما بأمرين متضادين .
وحكى
القرطبي عن المحاسبي في كتاب الرعاية أنه قال : لا خلاف بين العلماء في أن للأم ثلاثة أرباع البر ، وللأب الربع ، وحكى
القرطبي عن الليث : أن للأم ثلثي البر ، وللأب الثلث ، بناء على اختلاف رواية الحديث المذكور أنه قال : ثم أبوك بعد المرة الثانية أو بعد المرة الثالثة .
والوجه أن تحديد ذلك بالمقدار حوالة على ما لا ينضبط ، وأن محمل الحديث مع اختلاف روايتيه على أن الأم أرجح على الإجمال .
ثم أمر بالدعاء لهما برحمة الله إياهما ، وهي الرحمة التي لا يستطيع الولد إيصالها إلى أبويه إلا بالابتهال إلى الله تعالى .
وهذا قد انتقل إليه انتقالا بديعا من قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=24واخفض لهما جناح الذل من الرحمة فكان ذكر رحمة العبد مناسبة للانتقال إلى رحمة الله ، وتنبيها على أن التخلق بمحبة الولد الخير لأبويه يدفعه إلى معاملته إياهما به فيما يعلمانه وفيما يخفى عنهما ; حتى فيما يصل إليهما بعد مماتهما ، وفي الحديث
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342059إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ، وعلم بثه في صدور الرجال ، وولد صالح يدعو له بخير .
وفي الآية إيماء إلى أن الدعاء لهما مستجاب ; لأن الله أذن فيه ، والحديث المذكور مؤيد ذلك إذ جعل دعاء الولد عملا لأبويه .
وحكم هذا الدعاء خاص بالأبوين المؤمنين بأدلة أخرى دلت على التخصيص كقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=113ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين الآية .
[ ص: 73 ] والكاف في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=24كما ربياني صغيرا للتشبيه المجازي يعبر عنه النحاة بمعنى التعليل في الكاف ، ومثاله قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=198واذكروه كما هداكم ، أي ارحمهما رحمة تكافئ ما ربياني صغيرا .
و صغيرا حال من ياء المتكلم .
والمقصود منه تمثيل حالة خاصة فيها الإشارة إلى تربية مكيفة برحمة كاملة فإن الأبوة تقتضي رحمة الوالد ، وصغر الولد يقتضي الرحمة به ، ولو لم يكن ولدا فصار قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=24كما ربياني صغيرا قائما مقام قوله : كما ربياني ، ورحماني بتربيتهما ، فالتربية تكملة للوجود ، وهي وحدها تقتضي الشكر عليها ، والرحمة حفظ للوجود من اجتناب انتهاكه ، وهو مقتضى الشكر ، فجمع الشكر على ذلك كله بالدعاء لهما بالرحمة .
والأمر يقتضي الوجوب ، وأما مواقع الدعاء لهما فلا تنضبط وهو بحسب حال كل امرئ في أوقات ابتهاله ، وعن سفيان بن عيينة إذا دعا لهما في كل تشهد فقد امتثل .
ومقصد الإسلام من الأمر ببر الوالدين ، وبصلة الرحم ينحل إلى مقصدين : أحدهما نفساني : وهو تربية نفوس الأمة على الاعتراف بالجميل لصانعه ، وهو الشكر ، تخلقا بأخلاق الباري تعالى في اسمه الشكور ، فكما أمر بشكر الله على نعمة الخلق والرزق أمر بشكر الوالدين على نعمة الإيجاد الصوري ، ونعمة التربية والرحمة ، وفي الأمر بشكر الفضائل تنويه بها ، وتنبيه على المنافسة في إسدائها .
والمقصد الثاني عمراني ، وهو أن تكون أواصر العائلة قوية العرى ، مشدودة الوثوق ، فأمر بما يحقق ذلك الوثوق بين أفراد العائلة ، وهو حسن المعاشرة ; ليربي في نفوسهم من التحاب والتواد ما يقوم مقام عاطفة الأمومة الغريزية في الأم ، ثم عاطفة الأبوة المنبعثة عن إحساس بعضه
[ ص: 74 ] غريزي ضعيف ، وبعضه عقلي قوي حتى أن أثر ذلك الإحساس ليساوي بمجموعه أثر عاطفة الأم الغريزية ، أو يفوقها في حالة كبر الابن ، ثم وزع الإسلام ما دعا إليه من ذلك بين بقية مراتب القرابة على حسب الدنو في القرب النسبي بما شرعه من صلة الرحم ، وقد عزز الله قابلية الانسياق إلى تلك الشرعة في النفوس .
جاء في الحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341888أن الله لما خلق الرحم أخذت بقائمة من قوائم العرش وقالت : هذا مقام العائذ بك من القطيعة ، فقال الله : أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك ، وفي الحديث :
إن الله جعل الرحم من اسمه الرحيم .
وفي هذا التكوين لأواصر القرابة صلاح عظيم للأمة تظهر آثاره في مواساة بعضهم بعضا ، وفي اتحاد بعضهم مع بعض ، قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=13يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا .
وزاده الإسلام توثيقا بما في تضاعيف الشريعة من تأكيد شد أواصر القرابة أكثر مما حاوله كل دين سلف ، وقد بينا ذلك في بابه من كتاب مقاصد الشريعة الإسلامية .
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=23nindex.php?page=treesubj&link=28988_18003وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=24وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا هَذَا أَصْلٌ ثَانٍ مِنْ أُصُولِ الشَّرِيعَةِ ، وَهُوَ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ .
وَانْتَصَبَ إِحْسَانًا عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ مَصْدَرًا نَائِبًا عَنْ فِعْلِهِ ، وَالتَّقْدِيرُ : وَأَحْسِنُوا إِحْسَانًا بِالْوَالِدَيْنِ ، كَمَا يَقْتَضِيهِ الْعَطْفُ عَلَى
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=23أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ أَيْ وَقَضَى إِحْسَانًا بِالْوَالِدَيْنِ .
[ ص: 68 ] وَبِالْوَالِدَيْنِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ إِحْسَانًا ، وَالْبَاءُ فِيهِ لِلتَّعْدِيَةِ يُقَالُ : أَحْسِنْ بِفُلَانٍ ، كَمَا يُقَالُ : أَحْسِنْ إِلَيْهِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=100وَقَدْ أَحْسَنَ بِي فِي سُورَةِ يُوسُفَ ، وَتَقْدِيمُهُ عَلَى مُتَعَلِّقِهِ لِلِاهْتِمَامِ بِهِ ، وَالتَّعْرِيفُ فِي الْوَالِدَيْنِ لِلِاسْتِغْرَاقِ بِاعْتِبَارِ وَالِدَيْ كُلِّ مُكَلَّفٍ مِمَّنْ شَمِلَهُمُ الْجَمْعُ فِي أَلَّا تَعْبُدُوا .
وَعَطْفُ الْأَمْرِ بِالْإِحْسَانِ إِلَى الْوَالِدَيْنِ عَلَى مَا هُوَ فِي مَعْنَى الْأَمْرِ بِعِبَادَةِ اللَّهِ ; لِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْخَالِقُ فَاسْتَحَقَّ الْعِبَادَةَ ; لِأَنَّهُ أَوْجَدَ النَّاسَ ، وَلَمَّا جَعَلَ اللَّهُ الْأَبَوَيْنِ مَظْهَرَ إِيجَادِ النَّاسِ أَمَرَ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمَا ، فَالْخَالِقُ مُسْتَحِقُّ الْعِبَادَةِ لِغِنَاهُ عَنِ الْإِحْسَانِ ، وَلِأَنَّهَا أَعْظَمُ الشُّكْرِ عَلَى أَعْظَمِ مِنَّةٍ ، وَسَبَبُ الْوُجُودِ دُونَ ذَلِكَ فَهُوَ يَسْتَحِقُّ الْإِحْسَانَ لَا الْعِبَادَةَ ; لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إِلَى الْإِحْسَانِ دُونَ الْعِبَادَةِ ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُوجِدٍ حَقِيقِيٍّ ، وَلِأَنَّ اللَّهَ جَبَلَ الْوَالِدَيْنِ عَلَى الشَّفَقَةِ عَلَى وَلَدِهِمَا ، فَأَمَرَ الْوَلَدَ بِمُجَازَاةِ ذَلِكَ بِالْإِحْسَانِ إِلَى أَبَوَيْهِ كَمَا سَيَأْتِي
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=24وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا .
وَشَمِلَ الْإِحْسَانُ كُلَّ مَا يَصْدُقُ فِيهِ هَذَا الْجِنْسُ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ ، وَالْبَذْلِ وَالْمُوَاسَاةِ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=23إِمَّا يَبْلُغَنَّ بَيَانٌ لِجُمْلَةِ إِحْسَانًا ، وَ ( إِمَّا ) مُرَكَّبَةٌ مِنْ ( إِنْ ) الشَّرْطِيَّةِ وَ ( مَا ) الزَّائِدَةِ الْمُهَيِّئَةِ لِنُونِ التَّوْكِيدِ ، وَحَقُّهَا أَنْ تُكْتَبَ بِنُونٍ بَعْدَ الْهَمْزَةِ وَبَعْدَهَا ( مَا ) ، وَلَكِنَّهُمْ رَاعَوْا حَالَةَ النُّطْقِ بِهَا مُدْغَمَةً فَرَسَمُوهَا كَذَلِكَ فِي الْمَصَاحِفِ وَتَبِعَهَا رَسْمُ النَّاسِ غَالِبًا ، أَيْ إِنْ يَبْلُغْ أَحَدُ الْوَالِدَيْنِ أَوْ كِلَاهُمَا حَدَّ الْكِبَرِ ، وَهُمَا عِنْدَكَ ، أَيْ فِي كَفَالَتِكَ فَوَطِّئْ لَهُمَا خُلُقَكَ ، وَلَيِّنْ جَانِبَكَ .
وَالْخِطَابُ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ فَيَعُمُّ كُلَّ مُخَاطَبٍ بِقَرِينَةِ الْعَطْفِ عَلَى
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=23أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَلَيْسَ خِطَابًا لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبَوَانِ يَوْمَئِذٍ ، وَإِيثَارُ ضَمِيرِ الْمُفْرَدِ هُنَا دُونَ ضَمِيرِ الْجَمْعِ ; لِأَنَّهُ خِطَابٌ يَخْتَصُّ بِمَنْ لَهُ أَبَوَانِ مِنْ بَيْنِ الْجَمَاعَةِ الْمُخَاطَبِينَ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=23أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ، فَكَانَ الْإِفْرَادُ أَنْسَبَ بِهِ وَإِنْ كَانَ الْإِفْرَادُ ، وَالْجَمْعُ سَوَاءً فِي الْمَقْصُودِ ; لِأَنَّ خِطَابَ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ يُسَاوِي خِطَابَ الْجَمْعِ .
[ ص: 69 ] وَخَصَّ هَذِهِ الْحَالَةَ بِالْبَيَانِ ; لِأَنَّهَا مَظِنَّةُ انْتِفَاءِ الْإِحْسَانِ بِمَا يَلْقَى الْوَلَدُ مِنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ مِنْ مَشَقَّةِ الْقِيَامِ بِشُئُونِهِمَا ، وَمِنْ سُوءِ الْخُلُقِ مِنْهُمَا .
وَوَجْهُ تَعَدُّدِ فَاعِلِ يَبْلُغَنَّ مَظْهَرًا دُونَ جَعْلِهِ بِضَمِيرِ التَّثْنِيَةِ بِأَنْ يُقَالَ : إِمَّا يَبْلُغَانِّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ ، الِاهْتِمَامُ بِتَخْصِيصِ كُلِّ حَالَةٍ مِنْ أَحْوَالِ الْوَالِدَيْنِ بِالذِّكْرِ ، وَلَمْ يَسْتَغْنِ بِإِحْدَى الْحَالَتَيْنِ عَنِ الْأُخْرَى ; لِأَنَّ لِكُلِّ حَالَةٍ بَوَاعِثَ عَلَى التَّفْرِيطِ فِي وَاجِبِ الْإِحْسَانِ إِلَيْهِمَا ، فَقَدْ تَكُونُ حَالَةُ اجْتِمَاعِهِمَا عِنْدَ الِابْنِ تَسْتَوْجِبُ الِاحْتِمَالَ مِنْهُمَا لِأَجْلِ مُرَاعَاةِ أَحَدِهِمَا الَّذِي الِابْنُ أَشَدُّ حُبًّا لَهُ دُونَ مَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُنْفَرِدًا عِنْدَهُ بِدُونِ الْآخَرِ الَّذِي مَيْلُهُ إِلَيْهِ أَشَدُّ ، فَالِاحْتِيَاجُ إِلَى ذِكْرِ أَحَدِهِمَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى وُجُوبِ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْإِحْسَانِ لَهُ ، وَقَدْ تَكُونُ حَالَةُ انْفِرَادِ أَحَدِ الْأَبَوَيْنِ عِنْدَ الِابْنِ أَخَفَّ كُلْفَةً عَلَيْهِ مِنْ حَالَةِ اجْتِمَاعِهِمَا ، فَالِاحْتِيَاجُ إِلَى
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=23أَوْ كِلَاهُمَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِلتَّحْذِيرِ مِنِ اعْتِذَارِ الِابْنِ لِنَفْسِهِ عَنِ التَّقْصِيرِ بِأَنَّ حَالَةَ اجْتِمَاعِ الْأَبَوَيْنِ أَحْرَجُ عَلَيْهِ ، فَلِأَجْلِ ذَلِكَ ذُكِرَتِ الْحَالَتَانِ ، وَأُجْرِيَ الْحُكْمُ عَلَيْهِمَا عَلَى السَّوَاءِ ، فَكَانَتْ جُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=23فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ بِتَمَامِهَا جَوَابًا لِ ( إِمَّا ) .
وَأُكِّدَ فِعْلُ الشَّرْطِ بِنُونِ التَّوْكِيدِ ; لِتَحْقِيقِ الرَّبْطِ بَيْنَ مَضْمُونِ الْجَوَابِ ، وَمَضْمُونِ الشَّرْطِ فِي الْوُجُودِ ، وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=23إِمَّا يَبْلُغَنَّ عَلَى أَنَّ أَحَدُهُمَا فَاعِلُ يَبْلُغَنَّ فَلَا تَلْحَقُ الْفِعْلَ عَلَامَةٌ ; لِأَنَّ فَاعِلَهُ اسْمٌ ظَاهِرٌ .
وَقَرَأَ
حَمْزَةُ nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ ( يَبْلُغَانِّ ) بِأَلِفِ التَّثْنِيَةِ وَنُونٍ مُشَدَّدَةٍ ، وَالضَّمِيرُ فَاعِلٌ عَائِدٌ إِلَى الْوَالِدَيْنِ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=23وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ، فَيَكُونُ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=23أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا بَدَلًا مِنْ أَلِفِ الْمُثَنَّى تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْحُكْمُ لِاجْتِمَاعِهِمَا فَقَطْ بَلْ هُوَ لِلْحَالَتَيْنِ عَلَى التَّوْزِيعِ .
وَالْخِطَابُ بِ عِنْدَكَ لِكُلِّ مَنْ يَصْلُحُ لِسَمَاعِ الْكَلَامِ فَيَعُمُّ كُلَّ مُخَاطَبٍ بِقَرِينَةٍ سَبْقِ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=23أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ، وَقَوْلِهِ اللَّاحِقِ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=25رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ .
[ ص: 70 ] أُفٍّ اسْمُ فِعْلٍ مُضَارِعٍ مَعْنَاهُ أَتَضَجَّرُ ، وَفِيهِ لُغَاتٌ كَثِيرَةٌ ; أَشْهَرُهَا كُلُّهَا ضَمُّ الْهَمْزَةِ ، وَتَشْدِيدُ الْفَاءِ ، وَالْخِلَافُ فِي حَرَكَةِ الْفَاءِ ، فَقَرَأَ
نَافِعٌ ،
وَأَبُو جَعْفَرٍ ،
وَحَفْصٌ عَنْ
عَاصِمٍ بِكَسْرِ الْفَاءِ مُنَوَّنَةً ، وَقَرَأَ
ابْنُ كَثِيرٍ ،
وَابْنُ عَامِرٍ ،
وَيَعْقُوبُ بِفَتْحِ الْفَاءِ غَيْرَ مُنَوَّنَةٍ ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِكَسْرِ الْفَاءِ غَيْرَ مُنَوَّنَةٍ .
وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنَ النَّهْيِ عَنْ أَنْ يَقُولَ لَهُمَا أُفٍّ خَاصَّةً ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ النَّهْيُ عَنِ الْأَذَى الَّذِي أَقَلُّهُ الْأَذَى بِاللِّسَانِ بِأَوْجَزِ كَلِمَةٍ ، وَبِأَنَّهَا غَيْرُ دَالَّةٍ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ حُصُولِ الضَّجَرِ لِقَائِلِهَا دُونَ شَتْمٍ أَوْ ذَمٍّ ، فَيُفْهَمُ مِنْهُ النَّهْيُ مِمَّا هُوَ أَشَدُّ أَذًى بِطْرِيقِ فَحْوَى الْخِطَابِ بِالْأَوْلَى .
ثُمَّ عُطِفَ عَلَيْهِ النَّهْيُ عَنْ نَهْرِهِمَا ; لِئَلَّا يَحْسَبَ أَنَّ ذَلِكَ تَأْدِيبٌ لِصَلَاحِهِمَا ، وَلَيْسَ بِالْأَذَى ، وَالنَّهْرُ : الزَّجْرُ ، يُقَالُ : نَهَرَهُ وَانْتَهَرَهُ .
ثُمَّ أَمَرَ بِإِكْرَامِ الْقَوْلِ لَهُمَا ، وَالْكَرِيمُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ : الرَّفِيعُ فِي نَوْعِهِ ، وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=4وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ .
وَبِهَذَا الْأَمْرِ انْقَطَعَ الْعُذْرُ بِحَيْثُ إِذَا رَأَى الْوَلَدُ أَنْ يَنْصَحَ لِأَحَدِ أَبَوَيْهِ أَوْ أَنْ يُحَذِّرَهُ مِمَّا قَدْ يَضُرُّ بِهِ أَدَّى إِلَيْهِ ذَلِكَ بِقَوْلٍ لَيِّنٍ حَسَنِ الْوَقْعِ .
ثُمَّ ارْتَقَى فِي الْوِصَايَةِ بِالْوَالِدَيْنِ إِلَى أَمْرِ الْوَلَدِ بِالتَّوَاضُعِ لَهُمَا تَوَاضُعًا يَبْلُغُ حَدَّ الذُّلِّ لَهُمَا ; لِإِزَالَةِ وَحْشَةِ نُفُوسِهِمَا إِنْ صَارَا فِي حَاجَةٍ إِلَى مَعُونَةِ الْوَلَدِ ; لِأَنَّ الْأَبَوَيْنِ يَبْغِيَانِ أَنْ يَكُونَا هُمَا النَّافِعَيْنِ لِوَلَدِهِمَا ، وَالْقَصْدُ مِنْ ذَلِكَ التَّخَلُّقُ بِشُكْرِهِ عَلَى إِنْعَامِهِمَا السَّابِقَةِ عَلَيْهِ .
وَصِيغَ التَّعْبِيرُ عَنِ التَّوَاضُعِ بِتَصْوِيرِهِ فِي هَيْئَةِ تَذَلُّلِ الطَّائِرِ عِنْدَمَا يَعْتَرِيهِ خَوْفٌ مِنْ طَائِرٍ أَشَدَّ مِنْهُ إِذْ يَخْفِضُ جَنَاحَهُ مُتَذَلِّلًا ، فَفِي التَّرْكِيبِ اسْتِعَارَةٌ مَكْنِيَّةٌ ، وَالْجَنَاحُ تَخْيِيلٌ بِمَنْزِلَةِ الْأَظْفَارِ لِلْمَنِيَّةِ فِي قَوْلِ
أَبِي ذُؤَيْبٍ :
وَإِذَا الْمَنِيَّةُ أَنْشَبَتْ أَظْفَارَهَا أَلْفَيْتَ كُلَّ تَمِيمَةٍ لَا تَنْفَعُ
وَبِمَنْزِلَةِ تَخْيِيلِ الْيَدِ لِلشَّمَالِ بِفَتْحِ الشِّينِ وَالزِّمَامِ لِلْقُرَّةِ فِي قَوْلِ
لَبِيدٍ :
وَغَدَاةَ رِيحٍ قَدْ كَشَفَتْ وَقْرَةً إِذْ أَصْبَحَتْ بِيَدِ الشَّمَالِ زِمَامُهَا
[ ص: 71 ] وَمَجْمُوعُ هَذِهِ الِاسْتِعَارَةِ تَمْثِيلٌ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=88وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي سُورَةِ الْحِجْرِ .
وَالتَّعْرِيفُ فِي الرَّحْمَةِ عِوَضٌ عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ ، أَيْ مِنْ رَحْمَتِكَ إِيَّاهُمَا . وَ مِنْ ابْتِدَائِيَّةٌ ، أَيِ الذُّلِّ النَّاشِئِ عَنِ الرَّحْمَةِ ، لَا عَنِ الْخَوْفِ ، أَوْ عَنِ الْمُدَاهَنَةِ ، وَالْمَقْصُودُ اعْتِيَادُ النَّفْسِ عَلَى التَّخَلُّقِ بِالرَّحْمَةِ بِاسْتِحْضَارِ وُجُوبِ مُعَامَلَتِهِ إِيَّاهُمَا بِهَا حَتَّى يَصِيرَ لَهُ خُلُقًا ، كَمَا قِيلَ :
إِنَّ التَّخَلُّقَ يَأْتِي دُونَهُ الْخُلُقُ
وَهَذِهِ أَحْكَامٌ عَامَّةٌ فِي الْوَالِدَيْنِ ، وَإِنْ كَانَا مُشْرِكَيْنِ ، وَلَا يُطَاعَانِ فِي مَعْصِيَةٍ ، وَلَا كُفْرٍ كَمَا فِي آيَةِ سُورَةِ الْعَنْكَبُوتِ .
وَمُقْتَضَى الْآيَةِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْوَالِدَيْنِ فِي الْبِرِّ ، وَإِرْضَاؤُهُمَا مَعًا فِي ذَلِكَ ; لِأَنَّ مَوْرِدَهَا لِفِعْلٍ يَصْدُرُ مِنَ الْوَلَدِ نَحْوَ وَالِدَيْهِ ، وَذَلِكَ قَابِلٌ لِلتَّسْوِيَةِ ، وَلَمْ تَتَعَرَّضْ لِمَا عَدَا ذَلِكَ مِمَّا يَخْتَلِفُ فِيهِ الْأَبَوَانِ وَيَتَشَاحَّانِ فِي طَلَبِ فِعْلِ الْوَلَدِ إِذَا لَمْ يُمْكِنِ الْجَمْعُ بَيْنَ رَغْبَتَيْهِمَا بِأَنْ يَأْمُرَهُ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ بِضِدِّ مَا يَأْمُرُهُ بِهِ الْآخَرُ ، وَيَظْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ يَجْرِي عَلَى أَحْوَالٍ تُعَارِضُ الْأَدِلَّةَ بِأَنْ يَسْعَى إِلَى الْعَمَلِ بِطَلَبَيْهِمَا إِنِ اسْتَطَاعَ .
وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342065أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيءَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي ؟ قَالَ : أُمُّكَ . قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ثُمَّ أُمُّكَ . قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ثُمَّ أُمُّكَ . قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ثُمَّ أَبُوكَ .
وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي تَرْجِيحِ جَانِبِ الْأُمِّ ; لِأَنَّ سُؤَالَ السَّائِلِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَسْأَلُ عَنْ حُسْنِ مُعَامَلَتِهِ لِأَبَوَيْهِ .
وَلِلْعُلَمَاءِ أَقْوَالٌ : أَحَدُهَا : تَرْجِيحُ الْأُمِّ عَلَى الْأَبِ ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=15124اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ،
وَالْمُحَاسِبِيُّ ،
وَأَبُو حَنِيفَةَ ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ
مَالِكٍ ، فَقَدْ حَكَى
الْقَرَافِيُّ فِي الْفَرْقِ 23 عَنْ
[ ص: 72 ] مُخْتَصَرِ الْجَامِعِ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ
مَالِكًا فَقَالَ : إِنَّ أَبِي فِي بَلَدِ
السُّودَانِ وَقَدْ كَتَبَ إِلَيَّ أَنْ أَقْدَمَ عَلَيْهِ ، وَأُمِّي تَمْنَعُنِي مِنْ ذَلِكَ ؟ فَقَالَ
مَالِكٌ : أَطِعْ أَبَاكَ وَلَا تَعْصَ أُمَّكَ ، وَذَكَرَ
الْقَرَافِيُّ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِعَةِ مِنْ ذَلِكَ الْفَرْقَ أَنَّ
مَالِكًا أَرَادَ مَنْعَ الِابْنِ مِنَ الْخُرُوجِ إِلَى
السُّودَانِ بِغَيْرِ إِذْنِ الْأُمِّ .
الثَّانِي : قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْأَبَوَيْنِ سَوَاءٌ فِي الْبِرِّ ، وَهَذَا الْقَوْلُ يَقْتَضِي وُجُوبَ طَلَبِ التَّرْجِيحِ إِذَا أَمَرَا ابْنَهُمَا بِأَمْرَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ .
وَحَكَى
الْقُرْطُبِيُّ عَنِ الْمُحَاسِبِيِّ فِي كِتَابِ الرِّعَايَةِ أَنَّهُ قَالَ : لَا خِلَافَ بَيْنِ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّ لِلْأُمِّ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْبِرِّ ، وَلِلْأَبِ الرُّبُعَ ، وَحَكَى
الْقُرْطُبِيُّ عَنِ اللَّيْثِ : أَنَّ لِلْأُمِّ ثُلُثَيِ الْبِرِّ ، وَلِلْأَبِ الثُّلُثَ ، بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِ رِوَايَةِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ أَنَّهُ قَالَ : ثُمَّ أَبُوكَ بَعْدَ الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ أَوْ بَعْدَ الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ .
وَالْوَجْهُ أَنَّ تَحْدِيدَ ذَلِكَ بِالْمِقْدَارِ حَوَالَةٌ عَلَى مَا لَا يَنْضَبِطُ ، وَأَنَّ مَحْمَلَ الْحَدِيثِ مَعَ اخْتِلَافِ رِوَايَتَيْهِ عَلَى أَنَّ الْأُمَّ أَرْجَحُ عَلَى الْإِجْمَالِ .
ثُمَّ أُمِرَ بِالدُّعَاءِ لَهُمَا بِرَحْمَةِ اللَّهِ إِيَّاهُمَا ، وَهِيَ الرَّحْمَةُ الَّتِي لَا يَسْتَطِيعُ الْوَلَدُ إِيصَالَهَا إِلَى أَبَوَيْهِ إِلَّا بِالِابْتِهَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى .
وَهَذَا قَدِ انْتَقَلَ إِلَيْهِ انْتِقَالًا بَدِيعًا مِنْ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=24وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ فَكَانَ ذِكْرُ رَحْمَةِ الْعَبْدِ مُنَاسِبَةً لِلِانْتِقَالِ إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ ، وَتَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ التَّخَلُّقَ بِمَحَبَّةِ الْوَلَدِ الْخَيْرَ لِأَبَوَيْهِ يَدْفَعُهُ إِلَى مُعَامَلَتِهِ إِيَّاهُمَا بِهِ فِيمَا يَعْلَمَانِهِ وَفِيمَا يَخْفَى عَنْهُمَا ; حَتَّى فِيمَا يَصِلُ إِلَيْهِمَا بَعْدَ مَمَاتِهِمَا ، وَفِي الْحَدِيثِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342059إذا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ : صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، وَعِلْمٍ بَثَّهُ فِي صُدُورِ الرِّجَالِ ، وَوَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ بِخَيْرٍ .
وَفِي الْآيَةِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ الدُّعَاءَ لَهُمَا مُسْتَجَابٌ ; لِأَنَّ اللَّهَ أَذِنَ فِيهِ ، وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ مُؤَيِّدٌ ذَلِكَ إِذْ جَعَلَ دُعَاءَ الْوَلَدِ عَمَلًا لِأَبَوَيْهِ .
وَحُكْمُ هَذَا الدُّعَاءِ خَاصٌّ بِالْأَبَوَيْنِ الْمُؤْمِنَيْنِ بِأَدِلَّةٍ أُخْرَى دَلَّتْ عَلَى التَّخْصِيصِ كَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=113مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ الْآيَةَ .
[ ص: 73 ] وَالْكَافُ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=24كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا لِلتَّشْبِيهِ الْمَجَازِيِّ يُعَبِّرُ عَنْهُ النُّحَاةُ بِمَعْنَى التَّعْلِيلِ فِي الْكَافِ ، وَمِثَالُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=198وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ ، أَيِ ارْحَمْهُمَا رَحْمَةً تُكَافِئُ مَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا .
وَ صَغِيرًا حَالٌ مِنْ يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ .
وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ تَمْثِيلُ حَالَةٍ خَاصَّةٍ فِيهَا الْإِشَارَةُ إِلَى تَرْبِيَةٍ مُكَيَّفَةٍ بِرَحْمَةٍ كَامِلَةٍ فَإِنَّ الْأُبُوَّةَ تَقْتَضِي رَحْمَةَ الْوَالِدِ ، وَصِغَرَ الْوَلَدِ يَقْتَضِي الرَّحْمَةَ بِهِ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ وَلَدًا فَصَارَ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=24كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا قَائِمًا مَقَامَ قَوْلِهِ : كَمَا رَبَّيَانِي ، وَرَحِمَانِي بِتَرْبِيَتِهِمَا ، فَالتَّرْبِيَةُ تَكْمِلَةٌ لِلْوُجُودِ ، وَهِيَ وَحْدَهَا تَقْتَضِي الشُّكْرَ عَلَيْهَا ، وَالرَّحْمَةُ حِفْظٌ لِلْوُجُودِ مِنِ اجْتِنَابِ انْتِهَاكِهِ ، وَهُوَ مُقْتَضَى الشُّكْرِ ، فَجَمَعَ الشُّكْرَ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ بِالدُّعَاءِ لَهُمَا بِالرَّحْمَةِ .
وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ ، وَأَمَّا مَوَاقِعُ الدُّعَاءِ لَهُمَا فَلَا تَنْضَبِطُ وَهُوَ بِحَسَبِ حَالِ كُلِّ امْرِئٍ فِي أَوْقَاتِ ابْتِهَالِهِ ، وَعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ إِذَا دَعَا لَهُمَا فِي كُلِّ تَشَهُّدٍ فَقَدِ امْتَثَلَ .
وَمَقْصِدُ الْإِسْلَامِ مِنَ الْأَمْرِ بِبِرِّ الْوَالِدَيْنِ ، وَبِصِلَةِ الرَّحِمِ يَنْحَلُّ إِلَى مَقْصِدَيْنِ : أَحَدُهُمَا نَفْسَانِيٌّ : وَهُوَ تَرْبِيَةُ نُفُوسِ الْأُمَّةِ عَلَى الِاعْتِرَافِ بِالْجَمِيلِ لِصَانِعِهِ ، وَهُوَ الشُّكْرُ ، تَخَلُّقًا بِأَخْلَاقِ الْبَارِي تَعَالَى فِي اسْمِهِ الشَّكُورِ ، فَكَمَا أَمَرَ بِشُكْرِ اللَّهِ عَلَى نِعْمَةِ الْخَلْقِ وَالرِّزْقِ أَمَرَ بِشُكْرِ الْوَالِدَيْنِ عَلَى نِعْمَةِ الْإِيجَادِ الصُّورِيِّ ، وَنِعْمَةِ التَّرْبِيَةِ وَالرَّحْمَةِ ، وَفِي الْأَمْرِ بِشُكْرِ الْفَضَائِلِ تَنْوِيهٌ بِهَا ، وَتَنْبِيهٌ عَلَى الْمُنَافَسَةِ فِي إِسْدَائِهَا .
وَالْمَقْصِدُ الثَّانِي عُمْرَانِيٌّ ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ أَوَاصِرُ الْعَائِلَةِ قَوِيَّةَ الْعُرَى ، مَشْدُودَةَ الْوُثُوقِ ، فَأَمَرَ بِمَا يُحَقِّقُ ذَلِكَ الْوُثُوقَ بَيْنَ أَفْرَادِ الْعَائِلَةِ ، وَهُوَ حُسْنُ الْمُعَاشَرَةِ ; لِيُرَبِّيَ فِي نُفُوسِهِمْ مِنْ التَّحَابِّ وَالتَّوَادِّ مَا يَقُومُ مَقَامَ عَاطِفَةِ الْأُمُومَةِ الْغَرِيزِيَّةِ فِي الْأُمِّ ، ثُمَّ عَاطِفَةِ الْأُبُوَّةِ الْمُنْبَعِثَةِ عَنْ إِحْسَاسٍ بَعْضُهُ
[ ص: 74 ] غَرِيزِيٌّ ضَعِيفٌ ، وَبَعْضُهُ عَقْلِيٌّ قَوِيٌّ حَتَّى أَنَّ أَثَرَ ذَلِكَ الْإِحْسَاسِ لَيُسَاوِي بِمَجْمُوعِهِ أَثَرَ عَاطِفَةِ الْأُمِّ الْغَرِيزِيَّةِ ، أَوْ يَفُوقُهَا فِي حَالَةِ كِبَرِ الِابْنِ ، ثُمَّ وَزَّعَ الْإِسْلَامُ مَا دَعَا إِلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ بَيْنَ بَقِيَّةِ مَرَاتِبِ الْقَرَابَةِ عَلَى حَسَبِ الدُّنُوِّ فِي الْقُرْبِ النِّسْبِيِّ بِمَا شَرَعَهُ مِنْ صِلَةِ الرَّحِمِ ، وَقَدْ عَزَّزَ اللَّهُ قَابِلِيَّةَ الِانْسِيَاقِ إِلَى تِلْكَ الشِّرْعَةِ فِي النُّفُوسِ .
جَاءَ فِي الْحَدِيثِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341888أَنَّ اللَّهَ لَمَّا خَلَقَ الرَّحِمَ أَخَذَتْ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ الْعَرْشِ وَقَالَتْ : هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ ، فَقَالَ اللَّهُ : أَمَّا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ ، وَفِي الْحَدِيثِ :
إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الرَّحِمَ مِنِ اسْمِهِ الرَّحِيمِ .
وَفِي هَذَا التَّكْوِينِ لِأَوَاصِرِ الْقَرَابَةِ صَلَاحٌ عَظِيمٌ لِلْأُمَّةِ تَظْهَرُ آثَارُهُ فِي مُوَاسَاةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا ، وَفِي اتِّحَادِ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ ، قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=13يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا .
وَزَادَهُ الْإِسْلَامُ تَوْثِيقًا بِمَا فِي تَضَاعِيفِ الشَّرِيعَةِ مِنْ تَأْكِيدِ شَدِّ أَوَاصِرِ الْقَرَابَةِ أَكْثَرَ مِمَّا حَاوَلَهُ كُلُّ دِينٍ سَلَفَ ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي بَابِهِ مِنْ كِتَابِ مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ .