ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا تذييل لآية الأمر بالإحسان بالوالدين ، وما فصل به ، وما يقتضيه الأمر من اختلاف أحوال المأمورين بهذا الأمر قبل وروده بين موافق لمقتضاه ، ومفرط فيه ، ومن اختلاف أحوالهم بعد وروده من محافظ على الامتثال ، ومقصر عن قصد أو عن بادرة غفلة .
[ ص: 75 ] ولما كان ما ذكر في تضاعيف ذلك ، وما يقتضيه يعتمد خلوص النية ; ليجري العمل على ذلك الخلوص كاملا لا تكلف فيه ، ولا تكاسل ، فلذلك ذيله بأنه المطلع على النفوس والنوايا ، فوعد الولد بالمغفرة له إن هو أدى ما أمره الله به لوالديه وافيا كاملا ، وهو مما يشمله الصلاح في قوله إن تكونوا صالحين أي ممتثلين لما أمرتم به ، وغير أسلوب الضمير فعاد إلى ضمير جمع المخاطبين ; لأن هذا يشترك فيه الناس كلهم فضمير الجمع أنسب به .
ولما شمل الصلاح الصلاح الكامل ، والصلاح المشوب بالتقصير ذيله بوصف الأوابين المفيد بعمومه معنى الرجوع إلى الله ، أي الرجوع إلى أمره ، وما يرضيه ، ففهم من الكلام معنى احتباك بطريق المقابلة ، والتقدير : إن تكونوا صالحين أوابين إلى الله فإنه كان للصالحين محسنا ، وللأوابين غفورا ، وهذا يعم المخاطبين وغيرهم ، وبهذا العموم كان تذييلا .
وهذا الأوب يكون مطردا ، ويكون معرضا للتقصير والتفريط ، فيقتضي طلب الإقلاع عما يخرمه بالرجوع إلى الحالة المرضية ، وكل ذلك أوب وصاحبه آيب ، فصيغ له مثال المبالغة ( أواب ) لصلوحية المبالغة لقوة كيفية الوصف ، وقوة كميته ، فالملازم للأمثال في سائر الأحوال المراقب لنفسه أواب ; لشدة محافظته على الأوبة إلى الله ، والمغلوب بالتفريط يئوب كلما راجع نفسه وذكر ربه ، فهو أواب ; لكثرة رجوعه إلى أمر ربه ، وكل من الصالحين .
وفي قوله ربكم أعلم بما في نفوسكم ما يشمل جميع أحوال النفوس ، وخاصة حالة التفريط ، وبوادر المخالفة ، وهذا من رحمة الله تعالى بخلقه .
وقد جمعت هذه الآية مع إيجازها تيسيرا بعد تعسير مشوبا بتضييق ، وتحذير ; ليكون المسلم على نفسه رقيبا .