فقالوا ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا
طوي هنا وصف العثور عليهم ، وذكر عودهم إلى الكهف ; لعدم تعلق الغرض بذكره ، إذ ليس موضع عبرة ; لأن المصير إلى مرقدهم وطرو الموت عليهم شأن معتاد لكل حي .
وتفريع " فقالوا " على " يتنازعون " .
وإنما ارتأوا أن يبنوا عليهم بنيانا ; لأنهم خشوا عليهم من تردد الزائرين غير المتأدبين ، فلعلهم أن يؤذوا أجسادهم وثيابهم باللمس والتقليب ، فأرادوا أن يبنوا عليهم بناء يمكن غلق بابه وحراسته .
وجملة ربهم أعلم بهم يجوز أن تكون من حكاية كلام الذين قالوا : ابنوا عليهم بنيانا ، والمعنى : ربهم أعلم بشئونهم التي تنازعنا فيها ، فهذا تنهية للتنازع في أمرهم ، ويجوز أن تكون معترضة من كلام الله تعالى في أثناء حكاية تنازع الذين أعثروا عليهم ، أي : رب أهل الكهف أو رب المتنازعين في أمرهم أعلم منهم بواقع ما تنازعوا فيه .
[ ص: 290 ] والذين غلبوا على أمرهم ولاة الأمور بالمدينة ، فضمير " أمرهم " يعود إلى ما عاد إليه ضمير " فقالوا " ، أي اللذين غلبوا على أمر القائلين : ابنوا عليهم بنيانا .
وإنما رأوا أن يكون البناء مسجدا ليكون إكراما لهم ، ويدوم تعهد الناس كهفهم ، وقد كان اتخاذ المساجد على قبور الصالحين من سنة النصارى ، ونهى عنه النبيء صلى الله عليه وسلم كما في الحديث يوم وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت عائشة رضي الله عنها : ولولا ذلك لأبرز قبره ، أي لأبرز في المسجد النبوي ، ولم يجعل وراء جدار الحجرة .
، والصلاة فيها منهي عنه ; لأن ذلك ذريعة إلى عبادة صاحب القبر أو شبيه بفعل من يعبدون صالحي ملتهم ، وإنما كانت الذريعة مخصوصة بالأموات ; لأن ما يعرض لأصحابهم من الأسف على فقدانهم يبعثهم على الإفراط فيما يحسبون أنه إكرام لهم بعد موتهم ، ثم يتناسى الأمر ، ويظن الناس أن ذلك لخاصية في ذلك الميت ، وكان بناء المساجد على القبور سنة لأهل النصرانية ، فإن كان شرعا لهم فقد نسخه الإسلام ، وإن كان بدعة منهم في دينهم فأجدر . واتخاذ المساجد على القبور