[ ص: 294 ] ولا تستفت فيهم منهم أحدا فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا
تفريع على الاختلاف في عدد أهل الكهف ، أي إذا أراد بعض المشركين المماراة في عدة أهل الكهف لأخبار تلقوها من أهل الكتاب ، أو لأجل طلب تحقيق عدتهم ، فلا تمارهم ; إذ هو اشتغال بما ليس فيه جدوى ، وهذا التفريع ، وما عطف عليه معترض في أثناء القصة .
والتماري : تفاعل مشتق من المرية ، وهي الشك ، واشتقاق المفاعلة يدل على أنها إيقاع من الجانبين في الشك ، فيئول إلى معنى المجادلة في المعتقد لإبطاله ، وهو يفضي إلى الشك فيه ، فأطلق المراء على المجادلة بطريق المجاز ، ثم شاع فصار حقيقة لما ساوى الحقيقة ، والمراد بالمراء فيهم : المراء في عدتهم كما هو مقتضى التفريع .
: هو الذي لا سبيل إلى إنكاره ، ولا يطول الخوض فيه ، وذلك مثل قوله والمراء الظاهر قل ربي أعلم بعدتهم وقوله ما يعلمهم إلا قليل ، فإن هذا مما لا سبيل إلى إنكاره وإبايته ; لوضوح حجته ، وما وراء ذلك محتاج إلى الحجة ، فلا ينبغي الاشتغال به ; لقلة جدواه .
: طلب الفتوى ، وهي الخبر عن أمر علمي مما لا يعلمه كل أحد ، ومعنى " فيهم " أي : في أمرهم ، أي أمر والاستفتاء أهل الكهف ، والمراد من النهي عن استفتائهم الكناية عن جهلهم بأمر أهل الكهف ، فضمير " منهم " عائد إلى ما عاد إليه ضمير سيقولون ثلاثة ، وهم أهل مكة الذين سألوا عن أمر أهل الكهف .
أو يكون كناية رمزية عن حصول علم النبيء صلى الله عليه وسلم بحقيقة أمرهم بحيث هو غني عن استفتاء أحد ، وأنه لا يعلم المشركين بما علمه الله من شأن أهل الكهف ، وتكون ( من ) تعليلية ، والضمير المجرور بها عائدا إلى السائلين [ ص: 295 ] المتعنتين ، أي لا تسأل علم ذلك من أجل حرص السائلين على أن تعلمهم بيقين أمر أهل الكهف ، فإنك علمته ، ولم تؤمر بتعليمهم إياه ، ولو لم يحمل النهي على هذا المعنى لم يتضح له وجه ، وفي التقييد بـ " منهم " محترز ، ولا يستقيم جعل ضمير " منهم " عائدا إلى أهل الكتاب ; لأن هذه الآيات مكية باتفاق الرواة والمفسرين .