قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا اعتذر موسى بالنسيان ، وكان قد نسي التزامه بما غشي ذهنه من مشاهدة ما ينكره .
والنهي مستعمل في التعطف ، والتماس عدم المؤاخذة ; لأنه قد يؤاخذه على النسيان مؤاخذة من لا يصلح للمصاحبة لما ينشأ عن النسيان من خطر ، فالحزامة الاحتراز من صحبة من يطرأ عليه النسيان ، ولذلك بني كلام موسى على طلب عدم المؤاخذة بالنسيان ، ولم يبن على الاعتذار بالنسيان ، كأنه رأى نفسه محقوقا بالمؤاخذة ، فكان كلاما بديع النسيج في الاعتذار .
والمؤاخذة : مفاعلة من الأخذ ، وهي هنا للمبالغة ; لأنها من جانب واحد كقوله تعالى ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم .
و ( ما ) مصدرية ، أي لا تؤاخذني بنسياني .
[ ص: 377 ] والإرهاق : تعدية رهق ، إذا غشي ولحق ، أي لا تغشني عسرا ، وهو هنا مجاز في المعاملة بالشدة .
والإرهاق : مستعار للمعاملة والمقابلة .
والعسر : الشدة وضد اليسر ، والمراد هنا : عسر المعاملة ، أي عدم التسامح معه فيما فعله ، فهو يسأله الإغضاء والصفح .
والأمر : الشأن .
و ( من ) يجوز أن تكون ابتدائية ، فكون المراد بأمره نسيانه ، أي لا تجعل نسياني منشئا لإرهاقي عسرا ، ويجوز أن تكون بيانية ; فيكون المراد بأمره شأنه معه ، أي لا تجعل شأني إرهاقك إياي عسرا .