وفي إنجيل لوقا : أنها بقيت في بيت لحم إلى انتهاء واحد وأربعين يوما ، وهي أيام التطهير من دم النفاس ، فعلى هذا يكون التعقيب المستفاد من الفاء تعقيبا عرفيا مثل : تزوج فولد له .
وقومها : أهل محلتها .
وجملة تحمله حال من تاء أتت . وهذه الحال للدلالة على أنها أتت معلنة به غير ساترة لأنها قد علمت أن الله سيبرئها مما يتهم به مثل من جاء في حالتها .
[ ص: 95 ] وجملة قالوا يا مريم مستأنفة استئنافا بيانيا . وقال قومها هذه المقالة توبيخا لها .
وفري : فعيل من فرى من ذوات الياء . ولهذا اللفظ عدة إطلاقات ، وأظهر محامله هنا أنه الشنيع في السوء ، قاله مجاهد والسدي ، وهو جاء من مادة افترى إذا كذب لأن المرأة تنسب ولدها الذي حملت به من زنى إلى زوجها كذبا .
ومنه قوله تعالى ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن .
ومن أهل اللغة من قال : إن الفري والفرية مشتقان من الإفراء بالهمز . وهو قطع الجلد لإفساده أو لتحريقه ، تفرقة بين أفرى وفرى ، وأن فرى المجرد للإصلاح .
والأخت : مؤنث الأخ ، اسم يضاف إلى اسم آخر ، فيطلق حقيقة على ابنة أبوي ما أضيفت إلى اسمه أو ابنة أحد أبويه . ويطلق على من تكون من أبناء صاحب الاسم الذي تضاف إليه إذا كان اسم قبيلة كقولهم : يا أخا العرب . كما في حديث ضيف قوله لزوجه يا أخت أبي بكر الصديق بني فراس ما هذا . فإذا لم يذكر لفظ بني مضافا إلى اسم جد القبيلة كان مقدرا . قال سهل بن مالك الفزاري :
يا أخت خير البدو والحضارة كيف ترين في فتى فزارة
يريد يا . أخت أفضل قبائل العرب من بدوها وحضرها
فقوله تعالى يا أخت هارون يحتمل أن يكون على حقيقته . فيكون لمريم أخ اسمه هارون كان صالحا في قومه ، خاطبوها بالإضافة إليه زيادة في التوبيخ ، أي ما كان لأخت مثله أن تفعل فعلتك ، وهذا أظهر الوجهين . ففي صحيح مسلم وغيره قال : بعثني رسول الله إلى أهل المغيرة بن شعبة نجران فقالوا : أرأيت ما تقرءون يا أخت هارون .
[ ص: 96 ] وموسى قبل عيسى بكذا وكذا ؟ قال المغيرة : فلم أدر ما أقول . فلما قدمت على رسول الله ذكرت ذلك له . فقال : ألم يعلموا أنهم كانوا يسمون بأسماء أنبيائهم والصالحين قبلهم اهـ . ففي هذا تجهيل لأهل عن نجران أن طعنوا في القرآن على توهم أن هارون إلا هارون الرسول أخا موسى .
ويحتمل أن معنى أخت هارون أنها إحدى النساء من ذرية ليس في القوم من اسمه هارون أخي موسى ، كقول أبي بكر : يا أخت بني فراس .
وقد مريم من ذرية هارون أخي موسى من سبط لاوي . ففي إنجيل لوقا كان كاهن اسمه كانت زكرياء من فرقة أبيا وامرأته من بنات هارون واسمها إليصابات ، وإليصابات زوجة زكرياء نسيبة مريم ، أي ابنة عمها . وما وقع للمفسرين في نسب مريم أنها من نسل سليمان بن داود خطأ .
ولعل قومها تكلموا باللفظين فحكاه القرآن بما يصلح لهما على وجه الإيجاز . وليس في هذا الاحتمال ما ينافي حديث . المغيرة بن شعبة
والسوء بفتح السين وسكون الواو : مصدر ساءه ، إذا أضر به وأفسد بعض حاله ، فإضافة اسم إليه تفيد أنه من شئونه وأفعاله وأنه هو مصدر له . فمعنى امرأ سوء رجل عمل مفسد .
ومعنى البغي تقدم قريبا . وعنوا بهذا الكلام الكناية عن كونها أتت بأمر ليس من شأن أهلها ، أي أتت بسوء ليس من شأن أبيها وبغاء ليس من شأن أمها ، وخالفت سيرة أبويها فكانت امرأة سوء وكانت بغيا ; وما كان أبوها امرأ سوء ولا كانت أمها بغيا فكانت مبتكرة الفواحش في أهلها . وهم أرادوا ذمها فأتوا بكلام صريحه ثناء على أبويها مقتض أن شأنها أن تكون مثل أبويها .