يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا
إعادة النداء لزيادة تأكيد ما أفاده النداء الأول والثاني . ، عبر عنها بعبادة الشيطان إفصاحا عن فسادها وضلالها ، فإن نسبة الضلال والفساد إلى الشيطان مقررة في نفوس البشر ، ولكن الذين يتبعونه لا يفطنون إلى حالهم ويتبعون وساوسه تحت ستار التمويه مثل قولهم والمراد بعبادة الشيطان عبادة الأصنام إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون ، ففي الكلام إيجاز لأن معناه : لا تعبد الأصنام لأن اتخاذها من تسويل الشيطان للذين اتخذوها ووضعوها للناس ، وعبادتها من وساوس الشيطان للذين سنوا سنن عبادتها ، ومن وساوسه للناس الذين أطاعوهم في عبادتها ، فمن عبد الأصنام فقد عبد الشيطان وكفى بذلك ضلالا معلوما .
وهذا كقوله تعالى وإن يدعون إلا شيطانا مريدا . وتقدم في سورة النساء . وفي هذا تبغيض لعبادة الأصنام ، لأن في قرارة نفوس الناس بغض الشيطان والحذر من كيده .
[ ص: 117 ] وجملة إن الشيطان كان للرحمن عصيا تعليل للنهي عن عبادته وعبادة آثار وسوسته بأنه شديد العصيان للرب الواسع الرحمة . وذكر وصف عصيا الذي هو من صيغ المبالغة في العصيان مع زيادة فعل كان للدلالة على أنه لا يفارق عصيان ربه وأنه متمكن منه ، فلا جرم أنه لا يأمر إلا بما ينافي الرحمة ، أي بما يفضي إلى النقمة ، ولذلك اختير وصف الرحمن من بين صفات الله تعالى تنبيها على أن فتفضي إلى الحرمان من رحمته ، فمن كان هذا حاله فهو جدير بأن لا يتبع . عبادة الأصنام توجب غضب الله
وإظهار اسم الشيطان في مقام الإضمار ، إذ لم يقل : إنه كان للرحمن عصيا ، لإيضاح إسناد الخبر إلى المسند إليه ، ولزيادة التنفير من الشيطان ، لأن في ذكر صريح اسمه تنبيها إلى النفرة منه ، ولتكون الجملة موعظة قائمة بنفسها . وتقدم الكلام على يا أبت قريبا .