يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا .
إتمام لإثبات قلة غناء آلهتهم عنهم تبعا لقوله ( ويكونون عليهم ضدا ) . فجملة ( لا يملكون الشفاعة ) هو مبدأ الكلام ، وهو بيان لجملة ( ويكونون عليهم ضدا ) . والظرف وما أضيف الظرف إليه إدماج بينت به كرامة المؤمنين وإهانة الكافرين . وفي ضمنه زيادة بيان الجملة ( ويكونون عليهم ضدا ) بأنهم كانوا سبب سوقهم إلى جهنم وردا ومخالفتهم لحال المؤمنين في ذلك المشهد العظيم . فالظرف متعلق ب يملكون . [ ص: 168 ] وضمير ( لا يملكون ) عائد للآلهة . والمعنى : لا يقدرون على أن ينفعوا من اتخذوهم آلهة ليكونوا لهم عزا .
والحشر : الجمع مطلقا ، يكون في الخير كما هنا . وفي الشر كقوله ( احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم ) ، ولذلك أتبع فعل نحشر بقيد ( وفدا ) ، أي حشر الوفود إلى الملوك ، فإن الوفود يكونون مكرمين ، وكانت لملوك العرب وكرمائهم وفود في أوقات ، ولأعيان العرب وفادات سنوية على ملوكهم وسادتهم . ولكل قبيلة وفادة ، وفي المثل إن الشقي وافد البراجم . وقد اتبع العرب هذه السنة فوفدوا على النبيء - صلى الله عليه وسلم - لأنه أشرف السادة . وسنة الوفود هي سنة تسع من الهجرة تلت فتح مكة بعموم الإسلام بلاد العرب . وذكر صفة الرحمن هنا واضحة المناسبة للوفد .
والسوق : تسيير الأنعام قدام رعاتها ، يجعلونها أمامهم لترهب زجرهم وسياطهم فلا تتفلت عليهم ، فالسوق : سير خوف وحذر . وقوله وردا حال قصد منها التشبيه ، فلذلك جاءت جامدة لأن معنى التشبيه يجعلها كالمشتق . والورد بكسر الواو : أصله السير إلى الماء ، وتسمى الأنعام الواردة وردا تسمية على حذف المضاف ، أي ذات ورد ، كما يسمى الماء الذي يرده القوم وردا . قال تعالى ( وبئس الورد المورود ) . والاستثناء في ( إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا ) استثناء منقطع ، أي لكن يملك الشفاعة يومئذ من اتخذ عند الرحمن عهدا ، أي من وعده الله بأن يشفع وهم الأنبياء والملائكة .
[ ص: 169 ] ومعنى ( لا يملكون ) لا يستطيعون ، فإن الملك يطلق على المقدرة والاستطاعة . وقد تقدم عند قوله تعالى ( قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا ) في سورة العقود .