ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها أفهم يؤمنون
استئناف ابتدائي جوابا على قولهم : كما أرسل الأولون ، والمعنى : أن الأمم التي أرسل إليها الأولون ما أغنت فيهم الآيات التي جاءتهم كما وددتم أن تكون لكم مثلها فما آمنوا ، ولذلك حق عليهم الإهلاك ، فشأنكم أيها المشركون كشأنهم ، وهذا كقوله تعالى : وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون في سورة الإسراء .
وإنما أمسك الله الآيات الخوارق عن مشركي مكة ؛ لأنه أراد استبقاءهم ليكون منهم مؤمنون وتكون ذرياتهم حملة هذا الدين في العالم ، ولو أرسلت عليهم الآيات البينة لكانت سنة الله أن يعقبها عذاب الاستئصال للذين لا يؤمنون بها .
و " ما " نافية . و " من " في قوله تعالى : من قرية مزيدة لتأكيد النفي المستفاد من حرف " ما " . ومتعلق " آمنت " محذوف دل عليه السياق ، أي ما آمنت بالآيات قرية . وجملة " أهلكناها " صفة لـ " قرية " وردت مستطردة للتعريض بالوعيد بأن المشركين أيضا يترقبون الإهلاك .
[ ص: 18 ] وذكرت القرية هنا مرادا بها أهلها ليبنى عليها الوصف بإهلاكها ؛ لأن الإهلاك أصاب أهل القرى وقراهم ، فلذلك قيل : " أهلكناها " دون " أهلكناهم " كما في سورة الكهف : وتلك القرى أهلكناهم . وفرعت جملة " أفهم يؤمنون " على جملة ما آمنت قبلهم من قرية مقترنة باستفهام الإنكار ، أي فهم لا يؤمنون لو أتيناهم بآية كما اقترحوا كما لم يؤمن الذين من قبلهم الذين جعلوهم مثالا في قولهم : كما أرسل الأولون وهذا أخذ لهم بلازم قولهم .