وما أرسلنا قبلك إلا رجالا يوحى إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون
عطف جواب على جواب . والمقصود من هذا إبطال مقصودهم من قولهم : هل هذا إلا بشر مثلكم إذ أرادوا أنه ليس بأهل للامتياز عنهم بالرسالة عن الله تعالى ، فبين خطأهم في استدلالهم بأن الرسل الأولين الذين اعترفوا برسالتهم ما كانوا إلا بشرا ، وأن الرسالة ليست إلا وحيا من الله لمن اختاره من البشر .
وقوله : " إلا رجالا " يقتضي أن ليس في النساء رسلا وهذا مجمع عليه . وإنما الخلاف في مثل نبوءة النساء مريم أخت موسى ومريم أم عيسى . ثم عرض بجهلهم وفضح خطأهم ، فأمرهم أن يسألوا أهل الذكر ، أي العلم بالكتب والشرائع السالفة من الأحبار والرهبان ، وجملة فاسألوا أهل الذكر إلخ معترضة بين الجمل المتعاطفة . وتوجيه الخطاب لهم بعد كون الكلام جرى على أسلوب الغيبة التفات ، ونكتته أن الكلام لما كان في بيان الحقائق الواقعة أعرض [ ص: 19 ] عنهم في تقريره ، وجعل من الكلام الموجه إلى كل سامع ، وجعلوا فيه معبرا عنهم بضمائر الغيبة ، ولما أريد تجهيلهم وإلجاؤهم إلى الحجة عليهم غير الكلام إلى الخطاب ؛ تسجيلا عليهم وتقريعا لهم بتجهيلهم .