وتقطعوا أمرهم بينهم كل إلينا راجعون
عطف على جملة إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون أي أعرضوا عن قولنا و ( تقطعوا ) وضمائر الغيبة عائدة إلى مفهوم من المقام وهم الذين من الشأن التحدث عنهم في القرآن المكي بمثل هذه المذام ، وهم المشركون . ومثل هذه الضمائر المراد منها المشركون كثير في القرآن ، ويجوز أن تكون الضمائر عائدة إلى أمم الرسل . فعلى الوجه الأول الذي قدمناه في ضمائر الخطاب في قوله تعالى إن هذه أمتكم أمة واحدة يكون الكلام انتقالا من الحكاية عن الرسل [ ص: 142 ] إلى الحكاية عن حال أممهم في حياتهم أو الذين جاءوا بعدهم مثل اليهود والنصارى إذ نقضوا وصايا أنبيائهم . وعلى الوجه الثاني تكون ضمائر الغيبة التفاتا . ثم يجوز أن تكون الواو عاطفة قصة على قصة لمناسبة واضحة كما عطف نظيرها بالفاء في سورة المؤمنين ، ويجوز كونها للحال ، أي أمرنا الرسل بملة الإسلام ، وهي الملة الواحدة ، فكان من ضلال المشركين أن تقطعوا أمرهم وخالفوا الرسل وعدلوا عن دين التوحيد وهو شريعة إبراهيم أصلهم . ويؤيد هذا الوجه أن نظير هذه الآية في سورة المؤمنين جاء فيه العطف بفاء التفريع .
والتقطع : مطاوع قطع ، أي تفرقوا . وأسند التقطع إليهم لأنهم جعلوا أنفسهم فرقا فعبدوا آلهة متعددة واتخذت كل قبيلة لنفسها إلها من الأصنام مع الله ، فشبه فعلهم ذلك بالتقطع .
وفي جمهرة الأنساب : كان لابن حزم الحصين بن عبيد الخزاعي ، وهو والد لقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال له رسول الله : عمران بن حصين يا حصين ما تعبد ؟ قال : عشرة آلهة ، قال : ما هم وأين هم ؟ قال : تسعة في الأرض وواحد في السماء ، قال : فمن لحاجتك ؟ قال : الذي في السماء ، قال : فمن لطلبتك ؟ قال : الذي في السماء ، قال : فمن لكذا ؟ فمن لكذا ؟ كل ذلك يقول : الذي في السماء ، قال رسول الله : فألغ التسعة . وفي كتاب الدعوات من سنن الترمذي أنه قال : سبعة : ستة في الأرض وواحد في السماء .
والأمر : الحال . والمراد به الدين كما دل عليه قوله تعالى إن الذين فرقوا دينهم في سورة الأنعام . ولما ضمن ( تقطعوا ) معنى توزعوا عدي إلى ( دينهم ) فنصبه . والأصل : تقطعوا في دينهم وتوزعوه . [ ص: 143 ] وزيادة ( بينهم ) لإفادة أنهم تعاونوا وتظاهروا على تقطع أمرهم . فرب قبيلة اتخذت صنما لم تكن تعبده قبيلة أخرى ثم سولوا لجيرتهم وأحلافهم أن يعبدوه فألحقوه بآلهتهم . وهكذا حتى كان في الكعبة عدة أصنام وتماثيل لأن الكعبة مقصودة لجميع قبائل العرب . وقد روي أن عمرو بن لحي الملقب بخزاعة هو الذي نقل الأصنام إلى العرب .
وجملة كل إلينا راجعون مستأنفة استئنافا بيانيا لجواب سؤال يجيش في نفس سامع قوله تعالى وتقطعوا أمرهم وهو معرفة عاقبة هذا التقطع .
وتنوين ( كل ) عوض عن المضاف إليه ، أي كلهم ، أي أصحاب ضمائر الغيبة وهم المشركون . والكلام يفيد تعريضا بالتهديد . ودل على ذلك التفريع في قوله تعالى فمن يعمل من الصالحات إلى آخره .