الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديرا .
[ ص: 318 ] أجريت على اسم الله تعالى هذه الصفات الأربع بطريق تعريف الموصولية ; لأن بعض الصلات معروف عند المخاطبين اتصاف الله به وهما الصفتان الأولى والرابعة; وإذ قد كانتا معلومتين كانت الصلتان الأخريان المذكورتان معهما في حكم المعروف ; لأنهما أجريتا على من عرف بالصلتين الأولى والرابعة ، فإن المشركين ما كانوا يمترون في أن الله هو مالك السماوات والأرض ولا في أن الله هو خالق كل شيء كما في قوله : قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم سيقولون لله الآيات من سورة المؤمنين ، ولكنهم يثبتون لله ولدا وشريكا في الملك .
ومن بديع النظم أن جعل الوصفان المختلف فيهما معهم متوسطين بين الوصفين اللذين لا مرية فيهما حتى يكون الوصفان المسلمين كالدليل أولا والنتيجة آخرا ، فإن الذي له ملك السماوات والأرض لا يليق به أن يتخذ ولدا ولا أن يتخذ شريكا ; لأن ملكه العظيم يقتضي غناه المطلق فيقتضي أن يكون اتخاذه ولدا وشريكا عبثا ; إذ لا غاية له ، وإذا كانت أفعال العقلاء تصان عن العبث فكيف بأفعال أحكم الحكماء تعالى وتقدس .
فقوله : الذي له ملك السماوات والأرض بدل من الذي نزل الفرقان .
وإعادة اسم الموصول لاختلاف الغرض من الصلتين ; لأن الصلة الأولى في غرض الامتنان بتنزيل القرآن للهدى ، والصلة الثانية في غرض اتصاف الله تعالى بالوحدانية .
وفي الملك إيماء إلى أن الاشتراك في الملك ينافي حقيقة الملك التامة التي لا يليق به غيرها .
والخلق : الإيجاد ، أي أوجد كل موجود من عظيم الأشياء وحقيرها . وفرع على خلق كل شيء فقدره تقديرا ; لأنه دليل على إتقان الخلق إتقانا يدل على أن الخالق متصف بصفات الكمال .
[ ص: 319 ] ومعنى ( قدره ) جعله على مقدار وحد معين لا مجرد مصادفة ، أي خلقه مقدرا ، أي محكما مضبوطا صالحا لما خلق لأجله لا تفاوت فيه ولا خلل . وهذا يقتضي أنه خلقه بإرادة وعلم على كيفية أرادها وعينها كقوله : إنا كل شيء خلقناه بقدر . وقد تقدم في قوله : أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها في سورة الرعد . وتأكيد الفعل بالمفعول المطلق بقوله : ( تقديرا ) للدلالة على أنه تقدير كامل في نوع التقادير .
وما جاء من أول السورة إلى هنا براعة استهلال بأغراضها وهو يتنزل منزلة خطبة الكتاب أو الرسالة .