هذه صفة ثالثة للمؤمنين بأنهم يعنون بانتشار الإسلام وتكثير أتباعه فيدعون الله أن يرزقهم أزواجا وذريات تقر بهم أعينهم ، فالأزواج يطعنهم باتباع الإسلام وشرائعه ؛ فقد كان بعض أزواج المسلمين مخالفات أزواجهم في الدين ، والذريات إذا نشئوا نشئوا مؤمنين ، وقد جمع ذلك لهم في صفة ( قرة أعين ) . فإنها جامعة للكمال في الدين واستقامة الأحوال في الحياة ؛ إذ لا تقر عيون المؤمنين إلا بأزواج وأبناء مؤمنين ، وقد نهى الله المسلمين عن إبقاء النساء الكوافر في العصمة بقوله : ( ولا تمسكوا بعصم الكوافر ) ، وقال : ( والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني أن أخرج ) الآية . فمن أجل ذلك جعل دعاؤهم هذا من أسباب جزائهم بالجنة وإن كان فيها حظ لنفوسهم بقرة أعينهم ؛ إذ لا يناكد حظ النفس حظ الدين في أعمالهم ، كما في قول وهو خارج إلى غزوة عبد الله بن رواحة مؤتة فدعا له المسلمون ولمن معه أن يردهم الله سالمين فقال :
[ ص: 82 ]
لكنني أسأل الرحمن مغـفـرة وضربة ذات فرغ تقذف الزبدا أو طعنة بيدي حران مجهـزة
بحربة تنفذ الأحشاء والكـبـدا حتى يقولوا إذا مروا على جدثي
أرشدك الله من غاز وقد رشدا
وفي المعيار عن كتاب سراج المريدين قال : سألت شيخنا لأبي بكر بن العربي أبا منصور الشيرازي الصوفي عن قوله تعالى : ( إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا ) ما بينوا ؟ قال : أظهروا أفعالهم للناس بالصلاح والطاعات .
قال الشاطبي : وهذا الموضع محل اختلاف إذا كان القصد المذكور تابعا لقصد العبادة . وقد التزم فيها وفي أشباهها أنها خارجة عن الإخلاص لكن بشرط أن يصير العمل أخف عليه بسبب هذه الأغراض . وأما الغزالي ابن العربي فذهب إلى خلاف ذلك ، وكأن مجال النظر يلتفت إلى انفكاك القصدين ، على أن القول بصحة الانفكاك فيما يصح فيه الانفكاك أوجه لما جاء في الأدلة على ذلك ، إلى آخره .
[ ص: 83 ] و ( من ) في قوله ( من أزواجنا ) للابتداء ، أي اجعل لنا قرة أعين تنشأ من أزواجنا وذرياتنا .
وقرأ الجمهور ( وذرياتنا ) جمع ذرية ، والجمع على الطوائف من الذين يدعون بذلك ، وإلا فقد يكون لأحد الداعين ولد واحد . وقرأه أبو عمرو ، وحمزة ، ، والكسائي وأبو بكر عن عاصم ، ويعقوب ، وخلف و ( ذريتنا ) بدون ألف بعد التحتية ، ويستفاد معنى الجمع من الإضافة إلى ضمير ( الذين يقولون ) ، أي : ذرية كل واحد .
والأعين : هي أعين الداعين ، أي قرة أعين لنا . وإذ قد كان الدعاء صادرا منهم جميعا اقتضى ذلك أنهم يريدون قرة أعين جميعهم .
وكما سألوا التوفيق والخير لأزواجهم وذرياتهم سألوا لأنفسهم بعد أن وفقهم الله إلى الإيمان أن يجعلهم قدوة يقتدي بها المتقون . وهذا يقتضي أنهم يسألون لأنفسهم بلوغ الدرجات العظيمة من التقوى ، فإن القدوة يجب أن يكون بالغا أقصى غاية العمل الذي يرغب المهتمون به الكمال فيه . وهذا يقتضي أيضا أنهم يسألون أن يكونوا دعاة للدخول في الإسلام وأن يهتدي الناس إليه بواسطتهم .
والإمام أصله : المثال والقالب الذي يصنع على شكله مصنوع من مثله قال النابغة :
أبوه قبله وأبـو أبـيه بنوا مجد الحياة على إمام