ولئن جئتهم بآية ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون
لما انتهى ما أقيمت عليه السورة من دلائل الوحدانية وإثبات البعث عقب [ ص: 134 ] ذلك بالتنويه بالقرآن وبلوغه الغاية القصوى في البيان والهدى .
والضرب حقيقته : الوضع والإلصاق . واستعير في مثل هذه الآية للذكر والتبيين لأنه كوضع الدال بلصق المدلول ، وتقدم في قوله تعالى إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما ، وتقدم أيضا آنفا عند قوله ضرب لكم مثلا من أنفسكم ، وهذا كقوله تعالى ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل المتقدم في سورة الإسراء ، و ( الناس ) أريد به المشركون لأنهم المقصود من تكرير هذه الأمثال ، وعطف عليه قوله ولئن جئتهم بآية إلخ فهو وصف لتلقي المشركين أمثال القرآن فإذا جاءهم الرسول صلى الله عليه وسلم بآية من القرآن فيها إرشادهم تلقوها بالاعتباط والإنكار البحت فقالوا إن أنتم إلا مبطلون .
وضمير جمع المخاطب للنبيء صلى الله عليه وسلم لقصد تعظيمه من جانب الله تعالى وإنما يقول الذين كفروا : إن أنت إلا مبطل ، فحكي كلامهم بالمعنى للتنويه بشأن الرسول عليه الصلاة والسلام . وقيل : الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين فهو حكاية باللفظ .
وهذا تأنيس للرسول صلى الله عليه وسلم من إيمان معانديه ، أي أيمة الكفر منهم ، ولذلك اعترض بعده بجملة كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون بين الجملتين المتعاطفتين تمهيدا للأمر بالصبر على غلوائهم ، أي تلك سنة أمثالهم ، أي مثل ذلك الطبع الذي علمته يطبع الله على قلوبهم ، وقد تقدم في قوله تعالى وكذلك جعلناكم أمة وسطا في سورة البقرة وفي مواضع كثيرة من القرآن .
والطبع على القلب : تصييره غير قابل لفهم الأمور الدينية وهو الختم ، وقد تقدم في قوله تعالى ختم الله على قلوبهم في سورة البقرة .
و " الذين لا يعلمون " مراد بهم الذين كفروا أنفسهم ، فعدل عن الإضمار لزيادة وصفهم بانتفاء العلم عنهم بعد أن وصفوا : بالمجرمين ، والذين ظلموا ، والذين كفروا .