[ ص: 245 ] بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الأحزاب
هكذا في المصاحف وكتب التفسير والسنة ، وكذلك رويت تسميتها عن سميت ( سورة الأحزاب ) ابن عباس بأسانيد مقبولة . ولا يعرف لها اسم غيره . ووجه التسمية أن فيها ذكر أحزاب المشركين من وأبي بن كعب قريش ومن تحزب معهم أرادوا غزو المسلمين في المدينة فرد الله كيدهم وكفى الله المؤمنين القتال .
وهي مدنية بالاتفاق ، وسيأتي عن أن آية ابن عباس وما كان لمؤمن إلخ نزلت في تزويج من زينب بنت جحش في زيد بن حارثة مكة .
وهي التسعون في عداد السور النازلة من القرآن ، نزلت بعد سورة الأنفال ، وقبل سورة المائدة .
وكان نزولها على قول أواخر سنة خمس من الهجرة وهو الذي جرى عليه ابن إسحاق
ابن رشد في البيان والتحصيل . وروى ابن وهب وابن القاسم عن مالك : أنها كانت سنة أربع وهي سنة حين أحاط جماعات من غزوة الأحزاب وتسمى غزوة الخندق قريش وأحابيشهم وكنانة وغطفان وكانوا عشرة آلاف وكان المسلمون ثلاثة آلاف وعقبتها غزوة قريظة والنضير .
وعدد آيها ثلاث وسبعون باتفاق أصحاب العدد .
ومما يجب التنبيه عليه مما يتعلق بهذه السورة ما رواه الحاكم وغيرهما عن والنسائي قال : قال لي زر بن حبيش : كأين تعدون سورة الأحزاب ؟ قال : [ ص: 246 ] قلت : ثلاثا وسبعين آية . قال : أقط ( بهمزة استفهام دخلت على قط ، أي حسب ) فوالذي يحلف به أبي بن كعب أبي : إن كانت لتعدل سورة البقرة . ولقد قرأنا فيها ( الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتية نكالا من الله والله عزيز حكيم ) فرفع فيما رفع ، أي نسخ فيما نسخ من تلاوة آياتها . وما رواه بسنده أبو عبيد القاسم بن سلام بسنده وابن الأنباري عن عائشة قالت : كانت فلما كتب سورة الأحزاب تقرأ في زمان النبيء - صلى الله عليه وسلم - مائتي آية عثمان المصاحف لم يقدر منها إلا على ما هو الآن . وكلام الخبرين ضعيف السند .
ومحمل الخبر الأول عند أهل العلم أن أبيا حدث عن سورة الأحزاب قبل أن ينسخ منها ما نسخ . فمنه ما نسخت تلاوته وحكمه ومنه ما نسخت تلاوته خاصة مثل آية الرجم . وأنا أقول : إن صح عن أبي ما نسب إليه فما هو إلا أن شيئا كثيرا من القرآن كان أبي يلحقه بسورة الأحزاب وهو من سور أخرى من القرآن مثل كثير من سورة النساء الشبيه ببعض ما في سورة الأحزاب أغراضا ولهجة مما فيه ذكر المنافقين واليهود ، فإن ولا في عدة سوره وتقسيم سوره كما تقدم في المقدمة الثامنة ولا في ضبط المنسوخ لفظه . كيف وقد أجمع حفاظ القرآن والخلفاء الأربعة وكافة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا الذين شذوا على أن القرآن هو الذي في المصحف وأجمعوا في عدد آيات القرآن على عدد قريب بعضه من بعض كما تقدم في المقدمة الثامنة . أصحاب رسول الله لم يكونوا على طريقة واحدة في ترتيب آي القرآن
وأما الخبر عن عائشة فهو أضعف سندا وأقرب تأويلا فإن صح عنها ، ولا إخاله ، فقد تحدثت عن شيء نسخ من القرآن كان في سورة الأحزاب .
وليس بعد إجماع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على مصحف عثمان مطلب لطالب .
ولم يكن تعويلهم في مقدار القرآن وسوره إلا على حفظ الحفاظ . وقد افتقد آية من سورة الأحزاب لم يجدها فيما دفع إليه من صحف القرآن فلم يزل يسأل عنها حتى وجدها مع زيد بن ثابت وقد كان يسمع رسول الله يقرؤها ، فلما وجدها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري خزيمة لم يشك في لفظها الذي كان عرفه . وهي آية [ ص: 247 ] من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه إلى قوله تبديلا . وافتقد الآيتين من آخر سورة براءة فوجدهما عند أبي خزيمة بن أوس المشتهر بكنيته .
وبعد فخبر خبر غريب لم يؤثر عن أحد من أصحاب رسول الله فنوقن بأنه دخله وهم من بعض رواته . وهو أيضا خبر آحاد لا ينتقض به أبي بن كعب . إجماع الأمة على المقدار الموجود من هذه السورة متواترا
وفي الكشاف : وأما ما يحكى أن تلك الزيادة التي رويت عن عائشة كانت مكتوبة في صحيفة في بيت عائشة فأكلتها الداجن ، أي الشاة ، فمن تأليفات الملاحدة والروافض اهـ .
ووضع هذا الخبر ظاهر مكشوف فإنه لو صدق هذا لكانت هذه الصحيفة قد هلكت في زمن النبيء - صلى الله عليه وسلم - أو بعده والصحابة متوافرون وحفاظ القرآن كثيرون فلو تلفت هذه الصحيفة لم يتلف ما فيها من صدور الحفاظ .
وكون القرآن قد تلاشى منه كثير هو أصل من أصول الروافض ليطعنوا به في الخلفاء الثلاثة ، والرافضة يزعمون أن القرآن مستودع عند الإمام المنتظر فهو الذي يأتي بالقرآن وقر بعير . وقد استوعب قولهم واستوفى إبطاله في كتاب العواصم من القواصم . أبو بكر بن العربي