والجناح : الإثم ، وهو صريح في أن الأمر في قوله ادعوهم لآبائهم أمر وجوب .
ومعنى فيما أخطأتم به ما يجري على الألسنة خارجا مخرج الغالب فيما اعتادوه أن يقولوا : فلان بن فلان للدعي ومتبنيه ، ولذلك قابله بقوله ولكن ما تعمدت قلوبكم أي ما تعمدته عقائدكم بالقصد والإرادة إليه .
وبهذا تقرر وأن لا يقول أحد لدعيه : هو ابني ، ولا يقول : تبنيت فلانا ، ولو قاله أحد لم يكن لقوله أثر ولا يعتبر وصية وإنما يعتبر قول الرجل : أنزلت فلانا منزلة ابن لي يرث ما يرثه ابني . وهذا هو المسمى بالتنزيل وهو خارج مخرج الوصية بمناب وارث إذا حمله ثلث الميت . وأما إذا قال لمن ليس بابنه : هو ابني ، على معنى الاستلحاق فيجري على حكمه إن كان المنسوب مجهول النسب ولم يكن الناسب مريدا التطلف والتقريب . وعند إبطال حكم التبني أبي حنيفة وأصحابه من قال : هو ابني ، وكان أصغر من القائل وكان مجهول النسب سنا ثبت [ ص: 265 ] نسبه منه ، وإن كان عبده عتق أيضا ، وإن كان لا يولد مثله لمثله لم يثبت النسب ولكنه يعتق عليه عند أبي حنيفة خلافا لصاحبيه فقالا : لا يعتق عليه .
وأما معروف النسب فلا يثبت نسبه بالقائل فإن كان عبدا يعتق عليه لأن إطلاقه ممنوع إلا من جهة النسب فلو قال لعبده : هو أخي ، لم يعتق عليه إذا قال : لم أرد به أخوة النسب لأن ذلك يطلق في أخوة الإسلام بنص الآية وإذا قال أحد لدعيه : يا بني ، على وجه التلطف فهو ملحق بالخطأ ولا ينبغي التساهل فيه إذا كانت فيه ريبة .
وقوله ادعوهم لآبائهم يعود ضمير أمره إلى الأدعياء فلا يشمل الأمر دعاء الحفدة أبناء لأنهم أبناء . وقد الحسن - رضي الله عنه - إن ابني هذا سيد وقال : قال النبيء - صلى الله عليه وسلم - في أي لا تقطعوا عليه بوله . وكذلك لا يشمل ما يقوله أحد لآخر غير دعي له : يا ابني ، تلطفا وتقربا ، فليس به بأس لأن المدعو بذلك لم يكن دعيا للقائل ولم يزل الناس يدعون لداتهم بالأخ أو الأخت ، قال الشاعر : لا تزرموا ابني
أنت أختي وأنت حرمة جاري وحرام علي خون الجوار ويدعون من هو أكبر باسم العم كثيرا ، قال النمر بن تولب :
دعاني الغواني عمهن وخلتني لي اسم فلا أدعى به
ووقوع " جناح " في سياق النفي بـ " ليس " يقتضي العموم فيفيد تعميم انتفاء الإثم عن العمل الخطأ بناء على قاعدة عدم تخصيص العام بخصوص سببه الذي ورد لأجله وهو أيضا معضود بتصرفات كثيرة في الشريعة ، منها قوله تعالى : ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ، وقول النبيء - صلى الله عليه وسلم - : . رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما أكرهوا عليه
ويفهم من قوله ادعوهم لآبائهم بطريق لحن الخطاب . وفي الحديث : النهي عن أن ينسب أحد إلى غير أبيه . من انتسب إلى غير أبيه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا
[ ص: 266 ] ويخرج من النهي قول الرجل لآخر : أنت أبي وأنا ابنك على قصد التعظيم والتقريب وذلك عند انتفاء اللبس ، كقول أبي الطيب يرقق سيف الدولة :
إنما أنت والد والأب القا طع أحنى من واصل الأولاد