والاستفتاء : طلب الفتوى بفتح الفاء وبالواو ، ويقال : الفتيا بضم الفاء وبالياء . وهي إخبار عن أمر يخفى عن غير الخواص في غرض ما . وهي : إما إخبار عن علم مختص به المخبر قال تعالى يوسف أيها الصديق أفتنا في سبع بقرات الآية ، وقال يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ، وتقدم في قوله ( الذي فيه تستفتيان ) في سورة يوسف .
وإما إخبار عن رأي يطلب من ذي رأي موثوق به ومنه قوله تعالى قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري في سورة النمل .
والمعنى : فاسألهم عن رأيهم فلما كان المسئول عنه أمرا محتاجا إلى إعمال نظر أطلق على الاستفهام عنه فعل الاستفتاء .
وهمزة ( أهم أشد خلقا ) للاستفهام المستعمل للتقرير بضعف خلق البشر بالنسبة للمخلوقات السماوية لأن الاستفهام يؤول إلى الإقرار حيث إنه يلجئ المستفهم إلى الإقرار بالمقصود من طرفي الاستفهام ، فالاستفتاء في معنى الاستفهام فهو يستعمل في كل ما يستعمل فيه الاستفهام .
وأشد بمعنى : أصعب وأعسر .
[ ص: 95 ] و " خلقا " تمييز ، أي أخلقهم أشد أم خلق من خلقنا الذي سمعتم وصفه .
والمراد بـ ( من خلقنا ) ما خلقه الله من السماوات والأرض وما بينهما الشامل للملائكة والشياطين والكواكب المذكورة آنفا بقرينة إيراد فاء التعقيب بعد ذكر ذلك ، وهذا كقوله تعالى أأنتم أشد خلقا أم السماء ونحوه .
وجيء باسم العاقل وهو " من " الموصولة تغليبا للعاقلين من المخلوقات .
وجملة إنا خلقناهم من طين لازب في موضع العلة لما يتولد من معنى الاستفهام في قوله أهم أشد خلقا أم من خلقنا من الإقرار بأنهم أضعف خلقا من خلق السماوات وعوالمها احتجاجا عليهم بأن تأتي خلقهم بعد الفناء أهون من تأتي المخلوقات العظيمة المذكورة آنفا ولم تكن مخلوقة قبل ، فإنهم خلقوا من طين لأن أصلهم وهو آدم خلق من طين كما هو مقرر لدى جميع البشر فكيف يحيلون البعث بمقالاتهم التي منها قولهم ( أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون ) .
والطين : التراب المخلوط بالماء .
واللازب : اللاصق بغيره ومنه أطلق على الأمر الواجب " لازب " في قول النابغة :
ولا يحسبون الشر ضربة لازب
وقد قيل : إن باء لازب بدل من ميم لازم ، والمعنى : أنه طين عتيق صار حمأة .وضمير ( إنا خلقناهم ) عائد إلى المشركين وهو على حذف مضاف ، أي خلقنا أصلهم وهو آدم فإنه الذي خلق من طين لازب ، فإذا كان أصلهم قد أنشئ من تراب فكيف ينكرون إمكان إعادة كل آدمي من تراب .