بل جاء بالحق وصدق المرسلين اعتراض في آخر الاعتراض قصدت منه المبادرة بتنزيه النبيء - صلى الله عليه وسلم - عما قالوه .
و ( بل ) إضراب إبطال لقولهم " لشاعر مجنون " وبإثبات صفته الحق لبيان حقيقة ما جاء به . وفي وصف ما جاء به أنه الحق ما يكفي لنفي أن يكون شاعرا ومجنونا ، فإن المشركين ما أرادوا بوصفه بشاعر أو مجنون إلا التنفير من اتباعه فمثلوه بالشاعر من قبيلة يهجو أعداء قبيلته ، أو بالمجنون يقول ما لا يقوله عقلاء قومه ، فكان قوله تعالى بل جاء بالحق مثبتا لكون الرسول على غير ما وصفوه إثباتا بالبينة .
وأتبع ذلك بتذكيرهم بأنه ما جاء إلا بمثل ما جاءت به الرسل من قبله ، فكان الإنصاف أن يلحقوه بالفريق الذي شابههم دون فريق الشعراء أو المجانين .
وتصديق المرسلين يجمع ما جاء به الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - إجمالا وتفصيلا ؛ لأن ما جاء به لا يعدو أن يكون تقريرا لما جاءت به الشرائع السالفة ، فهو تصديق له ومصادقة عليه ، أو أن يكون نسخا لما جاءت به بعض الشرائع السالفة ، والإنباء بنسخه وانتهاء العمل به تصديق للرسل الذين جاءوا به في حين مجيئهم به ، فكل هذا مما شمله معنى التصديق ، وأول ذلك هو إثبات الوحدانية بالربوبية لله تعالى . فالمعنى : أن ما دعاكم إليه من التوحيد قد دعت إليه الرسل من قبله ، وهذا احتجاج بالنقل عقب الاحتجاج بأدلة النظر .