وآتيناهما الكتاب المستبين وهديناهما الصراط المستقيم وتركنا عليهما في الآخرين سلام على موسى وهارون إنا كذلك نجزي المحسنين إنهما من عبادنا المؤمنين .
الكتاب المستبين " هو التوراة ، والمستبين القوي الوضوح ، فالسين والتاء للمبالغة ، يقال : استبان الشيء إذا ظهر ظهورا شديدا .
وتعدية فعل الإيتاء إلى ضمير موسى وهارون مع أن الذي أوتي التوراة هو موسى كما قال تعالى : " ولقد آتينا موسى الكتاب " من حيث إن هارون كان معاضدا لموسى في رسالته ، فكان له حظ من إيتاء التوراة كما قال الله في الآية الأخرى : " ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء " وهذا من استعمال الإيتاء في معنييه الحقيقي والمجازي .
و " الصراط المستقيم " : الدين الحق كما تقدم في سورة الفاتحة ، وقد كانت شريعة التوراة يوم أوتيها موسى - عليه السلام - هي الصراط المستقيم ، فلما نسخت [ ص: 165 ] بالقرآن صار القرآن هو الصراط المستقيم للأبد وتعطل صراط التوراة .
ويجوز أن يراد ب " الصراط المستقيم " أصول الديانة التي لا تختلف فيها الشرائع وهي التوحيد وكليات الشرائع التي أشار إليها قوله تعالى " شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا " إلى قوله " وموسى وعيسى " .
والقول في تفسير " وتركنا عليهما في الآخرين " إلى آخر الآيات الأربع كالقول في نظائره عند ذكر نوح في هذه السورة ، إلا أن احتمال أن تكون جملة سلام على موسى وهارون مفعولا لفعل " وتركنا عليهما " على إرادة حكاية اللفظ هنا أضعف منه فيما تقدم ، إذ ليس يطرد أن يكون تسليم الآخرين على موسى وهارون معا لأن الذي ذكر موسى يقول : السلام على موسى ، والذي يجري على لسانه ذكر هارون يقول : السلام على هارون ، ولا يجمع اسميهما في السلام إلا الذي يجري على لسانه ذكرهما معا كما يقول المحدث عن جابر : رضي الله عنه ، ويقول عن : رضي الله عنه ، فإذا قال : عن عبد الله بن حرام قال : رضي الله عنهما . جابر بن عبد الله ،
وفي ذكر قصة موسى وهارون عبرة مثل كامل للنبيء صلى الله عليه وسلم في رسالته وإنزال القرآن عليه وهدايته وانتشار دينه وسلطانه بعد خروجه من ديار المشركين .